جديد

رواية ترياق التجربة الفصل الاول 1 بقلم فاطمة عبد الوهاب

 رواية ترياق التجربة الفصل الاول 1 بقلم فاطمة عبد الوهاب 



ترياق التجربة 

الفصل الأول 

قال العجوز بسرعة وهي تضع ذلك الترياق على فمها: نسيت أن أخبرك ستمكثين في ذاك العالم سنة كاملة ولا يمكنك العودة قبل ذلك، وأيضًا إياك ثم إياك أن تحبي وتتزوجي شخصًا من ذاك العالم أبدًا؛ فإن أنت فعلت سجنتِ هناك        للأبد ..

.

.

_ مرحبًا بأولئك الذين يتجولون كل يوم في عالم أو آخر، مع العلم أن معظم سكان العالم لا ينامون قبل أن يركضوا          بخيالاتهم إلى حيث اللا معقول، إلى حيث تنام أمنياتهم، وتتحقق أهدافهم، ربما لذلك يكرهون الواقع ويحبون النوم وما يسبقه، وربما لذلك هم يقرأون الكتب هربًا من واقعٍ لن يحقق أحدهم فيه ما يريد، وربما لذلك أيضًا هم يقرأون كتابي الآن، فمرحبًا بكم في عالم اللامعقول، حيث تصير   خيالات قبل النوم هنا الواقع بعينه .

.

.

عندما يكتمل القمر يكتمل في بلاد وأخرى لا، ولكن في تلك البلاد التي يكتمل فيها هناك أحوال كثيرة للناس، فمنهم من يعجبه شكل القمر المكتمل، ومنهم من لا يبالي به، ومنهم من يعرف به انتصاف الشهر، ومنهم من ينتظر اكتماله لسبب ما في نفسه..

تلك أحوال كثيرة للناس ولكن هل يتساوى الجميع ؟

تمشي وحدها بهدوء وابتسامة، وتضع تلك السماعة الرأسية على أذنها.

 ذلك الشارع المظلم الذي يخافه الجميع على عكسهم أحبته هي؛ ترى فيه السكينة والابتعاد عن ضجيج العالم، وأيضًا ترى فيه تجربة جديدة ربما تحبها وتكون لها عادةً مستقبلا.

تلك هي رنيم، فتاة التجارب كما تسميها أمها، فهي ومنذ نعومة أظافرها تجب تجربة كل شيء، جيدًا كان أو سيئًا لا يهم، المهم فقط هو شعور اللذة عند تجربة شيء جديد، لا تخشى الأخطار، حتى عندما كانت طفلة وجربت لسعة النار لأول مرة تألمت قليلا ثم ابتسمت بعدها، ذاك هو شعور المتعة في التجربة، اللذة في فعل ما تريد حتى لو آلمها ذلك.

ربما يعتبر الجميع هذا عقدة نفسية أو مرض يجب علاجه، ولكن تعتبره هي لذة حيث تفعل ما تحب.

أعجبها ذلك الشارع وعجبت كيف لا يقتاده الناس ليلا أو نهارًا فهو مميز وهادئ ومختصر، ولكن هذا أفضل فهي تكون مميزة فيه وحدها بلا شريك ..

تذكرت أثناء السير كيف تلح أمها عليها بالزواج وهي تأبى ذلك، هي تعشق الحرية، فكيف تفعل والزواج مليئ بالقيود؟، ماذا لو أن هناك رجلًا آخر كان أفضل منه؟، ماذا لو لم يكن هذا الرجل جيدًا؟، ماذا لو لم يجاريها في جنونها وتجاربها الفريدة؟، ماذا لو ملَّت هذا الرجل وأرادت تجربة آخر؟، هل سيسمح الدين والمجتمع بهذا؟، قطعًا لا، لذلك هي أفضل بلا زواج أو مسؤولية أو قيود، فالحياة بها مئة ألف شيء وشيء لم تجربه بعد .

ورغم ذلك هي تحب أن يحبها الجميع، لذة مختلفة حين تشعر أن السيدات والرجال ينجذبن لها، لا لشيء سوى أنها هي مميزة فقط، ولكن هل يسمح الزواج أن يحبها كل أولئك الرجال؟، لا فالرجل بطبيعته غيور لا يحب لامرأته أن يحبها أحد سواه هو، لذلك هي ترفض فكرة الزواج، هذا رأيها وهي تقتنع به، ولا تظن أن يأتي مستقبلا من يغير رأيها لكي تتنازل عن كل متع الحياة وترضى به هو فقط عن كل العالم .

اعتادت هذا الشارع يوميًا فهو أفضل من ازدحام السير، ولكن هذه الليلة تبدو مختلفة، اكتمل القمر وأنار الشارع قليلا . للناظر من بعيد تبدو هي كشبح يمشي داخل شارع مهجور، بثياب سوداء وحقيبة سوداء أيضًا، ولكن لا يهم فلتتحقق رغباتي وليذهب العالم و المتحدثين إلى الجحيم .

من زاوية في أحد البيوت ناداها شخص مجهول : يا فتاة.

استدارت لمصدر الصوت، هو ليس إلا عجوز رث الثياب والهيئة، كانت لن تهتم به وستغادر ولكنه أعاد النداء فأجابته : نعم يا عم ..

قال بنظرةٍ غامضة: ما رأيك أن نعقد اتفاقًا؟، تعطيني هديةً تقدر بثمن، وأعطيك هديةً لا تقدر بثمن؟ .

قالت : حسنًا وماذا تريد ؟

قال : بعض الطعام والشراب، أو المال إن كان لديك ..

عرفت أنها طريقة جديدة للتسول فأخرجت بعض المال من حقيبتها وأعطته له ثم همت بالمغادرة .

فقال: الآن حان دوري ألا تريدين هديتك ؟

قالت بازدراء: وماذا تملك لتعطيني ؟

قال بغموض : لا تحكمي على الكتاب من غلافه يا صغيرتي تعالي معي..

ثم دخل المنزل وترك الباب مفتوحًا لكي تدخل ..

ترددت قليلا فهي لا تعرف هذا الشخص، وأي عاقل لم يكن ليدخل هذا المنزل المهجور أبدًا، ولكن روح الفضول بداخلها جعلتها تخوض التجربة ..

أخرجت من حقيبتها آلة للدفاع عن نفسها إن تعرضت لأي هجوم بالداخل ثم دخلت ..

لتفتح عينيها على أوسعها، ما هذا المنزل ؟

المنزل بالخارج يوحي بأنه مهجور لم يسكنه أحد منذ سنين، ولكن ما هذا الذي بداخله؟

الحوائط مدهونة بطلاء على أحدث طراز وعلى جوانب المدخل أحواض كثيرة بها أسماك ملونة مبهجة لم ترى مثلها في حياتها، ثم عصافير وورود بأشكال لا مثيل لها، وكأنها دخلت جنةً غناء ..

قال العجوز عندما شاهد صدمتها : ألم أقل لك يا صغيرتي ألا تحكمي على أي كتاب من غلافه، ولا على أي منزل من خارجه .

قالت بذهول : ولكن لم يبدو المنزل من الخارج هكذا؟ ولم تبدو أنت هكذا بهذه الثياب الرثة؟، لم لا تعمل على إصلاح المنزل من الخارج وعلى إصلاح مظهرك طالما أنك تستطيع ؟ 

قال : تلك قصة طويلة وإن تقابلنا مجددًا سأحكيها لك .

قالت : وما الذي سيجعلنا لن نتقابل مجددًا ؟

قال : دعك من هذا ألا تودين رؤية هديتك ؟

قالت بفضول: نعم وما هي؟

قال : ماذا تحبين أكثر شيء في الحياة ؟

فكرت قليلا تحب والدتها وقطتها وأختها ولكن أكثر شيء تحبه هو : التجربة .

قال : ماذا ؟

قالت : أحب التجربة، تجربة كل شيء وأي شيء، أحب أن أفعل كل شيء بلا قيود..

قال : ولكن لكل شيء قيد وللحرية المطلقة عواقب وخيمة.

قالت : ولكن أنا أكره القيود ..

قال: وماذا إن ساعدتك أن تكوني في مكان بلا قيود، تجربين كل شيء وأي شيء بلا أي قيد ؟

ضحكت وقالت : لن تستطيع .

قال : يمكنك تجربتي، إن شربت هذا الترياق ستنتقلين إلى عالم آخر، عالم لا يشوبه قيد، ولا يعكره ضجيج أو إزعاج، عالم لك مطلق الحرية فيه بلا ثواب أو عقاب، ولا يوجد  فيه سوى قيد واحد ألا تقتربي من الملك بأي شكل، فإن أنت فعلت فالعواقب وخيمة..

قالت : قيد آخر ..

قال : هذا فقط أما باقي القيود فهي متاحة في ذاك العالم..

فكرت قليلا وقالت : وماذا سأفعل بالملك لا شأن لي به أعتقد حسنًا، موافقة ولكن لمَا لم تذهب أنت ؟

قال : ذهبت وعدت..

قلت: وهل يجرب أحد هذا العالم ويعود منه لهذه القيود الغبية ..

قال : ستعرفين عندما تعودين ..

قالت : لا أظنني سأعود إلا للقاء امي وأختي فقط وربما آخذهما معي أيضًا ..

قال : حسنًا ولكن عليك أن تعلمي أن بذاك العالم لا حدود للشر كما لا حدود للخير، كل حسب اختياره، هل فهمت ؟

قالت : نعم فهمت وسأحافظ على نفسي بعيدة عن الشر قدر المستطاع..

قال بنفسه : ليتك تستطيعين يا صغيرة، وليتني استطيع ألا أرسلك إلى هناك ولكن ما باليد حيلة..

قال : حسنًا سأرسلك بشرط أن تحضري لي سم عشرة عقارب من عقارب هذا العالم في هذه الزجاجة..

قالت : وكيف أفعل كما أن العقارب تلدغ ولدغتها تميت؟

قال : لا تقلقي لن تموتي فتلك العقارب ليست مؤذيةفابحثي عنها ذاك شرط ذهابك وشرط عودتك، اه وإن أردت العودة عليك انتظار اكتمال القمر كما هو الآن ومعك سم العشرة عقارب، وعليك الضغط علي الزجاجة بيديك الاثنتين واغماض عينيك وقول : يا صاحب العاج والصنت، والأحد والسبت، أرجعني حيث كنت.

قلت : حسنًا فهمت سأجرب .

ظهر الحماس بعينيها فهي لن تخسر شيئا، بالطبع فكرت ماذا لو أن ذاك الترياق مؤذ وسيقتلونها مثلا، ولكن حماسها لتجربة هذا العالم كان أكبر من خوفها على حياتها ..

أخذت الترياق وقال العجوز بسرعة وهي تضع ذلك الترياق على فمها: نسيت أن أخبرك ستمكثين في ذاك العالم سنة كاملة ولا يمكنك العودة قبل ذلك، وأيضًا إياك ثم إياك أن تحبي وتتزوجي شخصًا من ذاك العالم أبدًا؛ فإن أنت فعلت سجنتِ هناك  للأبد ..

.ظهر الخوف بعينيها ولكن الترياق كان قد وصل لحلقها بالفعل لينتشر في جسدها، ثم ظهرت هالة بيضاء كبيرة بها جاذبية هائلة سحبتها داخلها لتختفي من أمامه.

ظهر الحزن بعينيه وهو بنظر لذلك السمك الملون الجميل بأسى وهو يقول: يبدو أنكن ستزددن سمكة عما قريب ..

لمتابعه باقي فصول الرواية اضغط هنا👇

(رواية ترياق التجربة )

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-