رواية أنا لها شمس الفصل الثالث والعشرون بقلم روز امين
أجابها وهو يتابع الطريق:
-لأني ساعتها مكنتش أعرف ظروفك بالظبط
واسترسل قاصدًا قصته مع نجلا:
-وفيه أسباب تانية هقولها لك بعدين،ده غير إن موضوع العقد اللي بباكي كتبه لك قوى موقفك وعززه،وقضية السُكر بتاعت طليقك نقطة قوى بالنسبة لك، زائد إن من النهاردة هبتدي أدور ورا نصر وأكيد هلاقي ثغرات تملكنا من رقبته وتخلينا نكسب القضية بسهولة
اكمل بإبانة:
-من الاخر كده مش عاوزك تشيلي هم حضانة يوسف وإعتبري الموضوع منتهي، المهم الوقت إننا نعدي على أي مكتب مأذون شرعي ونكتب الكتاب
تعمقت بالنظر لمقلتيه وبرغم الألم التي تشعر به بسبب الهاجس الذي اقتحم مخيلتها بأنه كان يكذب عليها بشأن الحضانة ويرجع هذا لتشتتها لكل ما حدث لها اليوم وعدم تركيزها وتفكيرها بشكلٍ صحيح، إلا أنها استرسلت بامتنان:
-جميلك هيفضل طوق في رقبتي مش هيحلني منه غير الموت
لتسترسل رافضة:
-بس أنا مش هقدر أتجوز واخسر إبني،أنا هعرف أحمي نفسي كويس منهم وكفاية إني هعيش مع إبني في سلام
تنهد بضيق وتحدث بدهاء بعدما استشف من حديثها إستحالة موافقتها،فالوقت ليس بصالحهما ولا يوجد رفاهية لديهما للجدال:
-سيبك من أي كلام فرعي وفكري في مستقبل إبنك ومصلحته،نصر مش هيسيبك في حالك، وأظن إنتِ شوفتي بنفسك نفوذه وسطوته وتحكمه في اخواتك، ده أمرهم يحبسوكِ ويبعدوا ابنك عنك علشان يبتزوكِ وتوافقي مرغمه على جوازك من الحيوان الي اسمه عمرو، تخيلي بقى لو اخواتك عرفوا إن الراجل اللي إدعى إنه جوزك وإنتِ خرجتي معاه ورافقتيه في عربيته، واكتشفوا إن كل ده كذب، هيعملوا فيكي إيه؟
شردت بصحة حديثه ليستطرد مستغلاً تشتتها:
-ده غير إن أنا الوحيد اللي في إيدي أساعدك وأخلى يوسف ميسبش حُضنك
-بجد هتساعدني في موضوع حضانة يوسف؟... سؤال وجهته له بتلهف ليجيبها بتأكيد بعدما استشف بداية مبشرة:
-أكيد لما تبقي مراتي رسمي هحارب الدنيا كلها علشانك، ولو وصلت إني استخدم نفوذي وده اللي عمري ما عملته ولا أتبعته، لكن هستخدمها علشان أحافظ عليكِ إنتِ ويوسف
شعرت بصدق حديثه وارتجف جسدها حين استشفت العشق من شعاع عينيه مما جعلها تبتلع لعابها، سألها مجددًا بعدما شعر باستجابتها:
-قولتي إيه يا إيثار، نعدي على مكتب مأذون شرعي نكتب الكتاب وتروحي معايا على بيتي وتبقى في حمايتي إنتِ وابنك
صف سيارته بجانب الرصيف ليستطرد بصوتٍ خفيض:
-ولا أوصلك لشقتك؟
ضمت صغيرها الغافي وقربته أكتر من صدرها بحماية وبدى على ملامحها التشتُت والضياع ليستطرد هو برجولة متفهمًا تخوفها:
-أنا عارف إنتِ بتفكري في إيه ومش عاوزك تخافي، جوازي منك هيكون لغرض الحماية ده في الوقت الحالي لأني مراعي ظروف وفاة والدك وتشتتك من اللي حصل من إخواتك،ولو حصل واتجوزنا هتقعدي مع يوسف في أوضة مخصصة ليكم لحد ما تجي لي بنفسك
ثم تعمق بعينيها واسترسل بكلماتٍ خرجت منه مرغمًا:
-ولو مش عاوزاني أقرب منك نهائي أنا هحترم ده، أنا أه بحبك وعاوزك بجنون، بس أكيد مش بالشكل ده
تحمحمت لتنطق بكلماتٍ بعيدة كُل البعد عن ما تشعر به الآن تجاهه من عِشقٍ لكنها مضطرة لقوله لحفظ كرامتها فقط:
-لو طلبت منك إن الجواز يكون بمدة معينة لحد ما أظبط أموري وأعرف أأمن نفسي أنا ويوسف توافق؟
-موافق...أومأ برأسه وهو ينطقها بصوتٍ مختنق برغم تيقنه من شعورها تجاههُ وكشفه لما بداخلها عن طريق عينيها التي افصحت عما بقلبها من عشقٍ جارف له لتسأله هي من جديد:
-وطول المدة دي مش هتلمسني، يعني العقد هيكون صوري
صرخ داخله مطالبًا إياها بالرحمة لقلبه المسكين، تلاشت نظراته العاشقة مبتعدة ببصرها لينطق بصوتٍ رجولي:
-زي ما تحبي،وعاوزك تعرفي إن مش أنا الراجل اللي اتطفل وأجبر مراتي على معاشرتي، لو هي مش عوزاني أكتر ما أنا عاوزها يبقى متلزمنيش حتى لو كانت روحي فيها
ابتلعت لعابها واحتقرت حالها لنطقها لتلك الكلمات الجارحة لذاك الشهم لكنها معذورة،فلابد من تأكدها من جديته بقصة الزواج منها فبالاخير هي منذ قليل كانت ستباع بسوق النخاسة بأيادي أشقائها فمن أين ستأتي بالثقة الكاملة بالأخرين؟!
نظر لها متعمقًا بعينيها بنظراتٍ تصرخ غرامًا علها تشعر بولهه لتبادلهُ إياها بخجلة وتسحب بصرها عنه باستحياء،قاد سيارته من جديد ليصفها عند أقرب مأذون شرعي جاء بطريقهما ونزلا وعقدا القران تحت سعادة قلب فؤاد الذي تنفس وشعر أخيرًا براحة اجتاحت كيانه بعدما اطمأنت روحه،استقلا السيارة من جديد لينظر إليها وينطق بعينين يملؤهما العشق والوله:
- مبروك يا حبيبي،عقبال ما ترضي عني وتدخليني جنتك
ابتلعت لعابها خجلاً وسحبت نظراتها بعيدًا عنه ولولا ظروف وفاة والدها الحبيب وخجلها لارتمت داخل أحضانه لتحتمي بداخلها وتُريح روحها المُتعبة،ابتسم لرؤية خجلها وتشتت عينيها ليتابع بصوتٍ سعيد مُبهج:
-خلينا نروح على القصر علشان نتعشى سوا،أنا ما أكلتش طول اليوم وأكيد إنتِ كمان ما أكلتيش
ابتسمت وهزت رأسها بخفوت ليقود سيارته متوجهًا صوب قصر والده الفخم لينطق بهدوء:
-عزة هتجي لك بكرة علشان هتقعد معانا،أنا بلغتها تجمع لك حاجتك الضرورية إنتِ ويوسف وأي حاجة تحتاجوها أنا هجيبها لكم
-متشكرة يا سيادة المستشار...نطقتها بصوتٍ رُغمًا عنها خرج مبتهجًا ليقاطعها بغمزة من عينيه:
-إيه سيادة المستشار دي كمان،أنا جوزك، يعني تدلعيني وتقولي لي فؤادي
واستطرد مازحًا ليخرجها من كل التوتر التي عاشته بالايام الماضية والذي ترك أثرًا كبيرًا ظاهر بملامحها وصوتها الحزين:
-ولا اقول لك، قولي لي شرشبيل
ضحكة سعيدة إنطلقت رغمًا عنها ليسعد قلبهُ لرؤيتها بهذا الشكل،قطع حديثهما وصولهما لباب القصر ليدلف بالسيارة بداخل الحديقة بعدما فتحت البوابة إلكترونيًا،باتت تنظر حولها بذهولٍ من شدة جمال تلك الحديقة ومساحتها الشاسعة وذاك البناء الشامخ،لمحت رجلان وأمراتان يجلسون حول حوض السباحة ويبدوا من هيأتهم أنهم عائلته
توقف بسيارته وترجل ليتجه للباب الاخر ويفتحه ليحمل عنها الصغير حيث مازال غافيًا ويضع رأسه على كتفه ثم بسط يده ليحتوي كفها بين خاصته وتحرك بها نحو أعين عائلته الذين قضبوا أجبانهم متعجبين ذاك المشهد الغريب، من تلك التي تُمسك بكف فؤاد ومن هذا الصبي الذي يحمله على كتفه،أقبل عليهم ليتحدث فؤاد موجهًا حديثه لتلك التي سيقتلها الخجل وهو يُشير إلى عائلته:
-تعالي أما أعرفك على عيلتي، ده سعادة المستشار علام باشا زين الدين،ودي والدتي، الدكتورة عصمت الدويري
واسترسل مشيرًا لشقيقته بابتسامة حنون:
-أما الاستاذة فدي فريال أختي الوحيدة، وده جوزها دكتور ماجد
أومأت برأسها بابتسامة خجلة كتحية منها ليقابلوها باستغراب وأعين تملؤها ألاف التساؤلات،ليقطع فؤاد شرودهم حين اقترب منها ليضمها إليه بعدما لف ذراعه حول كتفها باحتواء تحت ارتعاشة جسدها لينطق بعينين تشعُ سعادة وقامة مرتفعة:
-ودي إيثار، مراتي.