روايات حديثة

رواية لخبايا القلوب حكايا الفصل الخامس للكاتبة رحمة سيد

لخبايا القلوب حكايا

الفصل الخامس :
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏نص‏‏
لم تكن المفاجأة وحدها من تكفلت بتثبيت جسدها مكانه، بل تلك الكراهية التي كانت ربيبتها طيلة سنوات مضت، جنحت من الظلام في قلبها للعلن في عينيها التي أبت أن تخفي أكثر فباحت بما لم تبح به قبلًا..
ثم صدح صوتها وهي تهتف بحروفٍ ثقيلة:
-أنت إيه اللي جابك هنا ؟
رفع حاجباه معًا يصطنع الدهشة، رغم توقعه مسبقًا:
-هنتكلم هنا ! على الباب كده؟!
تغلغل عدم التصديق نبرتها التي مالت نحو السخرية بعض الشيء حين أردفت:
-أنت جايب برودة الأعصاب دي منين بجد، لتكون مستني أقولك ادخل نشرب شاي؟
هز رأسه ببساطة؛ وكأنه يزرع صبار في حديقة مفعمة بزهور الربيع:
-وليه لأ؟ هو أحنا مش قرايب وفي بينا دم؟! والدم عمره ما يبقى مايه.
تدرجت كلماتها للغل المدفون في مكنونات قلبها وهي تتابع من بين أسنانها:
-لأ بقا مايه من يوم ما عملت اللي عملته.
زفر مستطردًا بجدية أذهلتها وكادت تقنعها لوهله بحججه الوهنة جدًا:
-أنا حاولت أكفر عن غلطتي، لكن انتم فضلتوا مصممين، ورغم كده أنا جيت لكم اهوه تاني.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة خالية من الروح، وواصلت بسخرية مريرة 

 

 

جمة:
-لأ كتر ألف خيرك مش عارفة هانودي جمايلك فين، بس أحنا مستغنيين، ياريت منشوفش طلتك هنا تاني.
لم يستطع تجاهل طريقتها الفظة معه أكثر، وكرامته استعصت المثول تحت ظل الصمت أكثر، فهدر فيها بقليلٍ من الإنفعال:
-اتكلمي معايا بأدب يا بنت، متنسيش أنتي بتكلمي مين.
وكأن نبرتها كانت تأن بوجع كصاحبتها، حين استطردت:
-ياريتني عارفه أنسى، أنا مش ناسيه ولا هنسى.
تراجع خالد خطوتان وهو يردد في فتور لطالما كان سكين باردة على عنق "فيروز" :
-أنا كده عملت اللي عليا، سلام.
ثم غادر تحت أنظارها الكارهة، ليته لم يأتِ، فحين يأتي لا يفعل سوى أن يسكب على جراحهم نارًا ليزيد من عذابهم.
أغلقت الباب بملامح مغلقة ايضًا، وكادت تعود لغرفتها، فخرجت والدتها تلك اللحظات من غرفتها وهي تغلق الخط ممسكة بهاتفها في يدها ويبدو أنها كانت تتحدث، ثم سألت فيروز بهدوء:
-مين اللي كان بيخبط يا فيروز؟
حاولت فيروز غسل ملامحها الموشومة بالنفور بابتسامة صافية وهي تجيبها بثباتٍ:
-دي كارما يا ماما عايزاني أطلعلها شوية.
عقدت والدتها ما بين حاجبيها وهي تنفي برأسها مستنكرة:
-تطلعيلها ده إيه! دي لسه عروسة جديدة، ماينفعش دلوقتي طبعًا.
هزت فيروز رأسها تسايرها:
-ايوه منا عارفة طبعًا، واتحججت بأي حجة.
اومأت والدتها موافقة، وكادت تتحرك فتقدمت منها فيروز بخطى سريعة لتحتضنها هكذا دون مقدمات، شعرت أنها تود أن تفعل ذلك لتوأد خيال الذكرى الذي يضج برأسها، مذكرًا إياها بالمعاناة التي عانوها بسبب ذلك الشخص الذي من المفترض أنه يربطهم به صلة دم، خاصةً والدتها !

هم لم يرغبوا ابدًا بأكثر من العادي، رغبوا فقط أن يجدوا في العائلة الدفئ والحماية اللذان فقدوهما مع فقدان والدها، لا أن يزيد هو من معاناتهم برميهم في صكيع قارص لم تدفئ روحهم منه منذ ذلك الحين..!

****

حين تُلجم الدقائق روحك بلجامٍ من نار، يحرقك ويحرقك دون أن تجد ما يطفئ ذلك الحريق!
هكذا كان حال "كارما" التي اخذت دقائق لتستوعب ما سمعته، كيف لشخصٍ أن يكن مخادع وحقير عن جدارة هكذا؟!
حركت أقدامها ببطء شريد لتتجه نحو مرآة كانت موضوعة أمام 

 

 

 

المرحاض، وقفت تنظر لنفسها في المرآة، متفحصة ملامحها وكأنها تتوسلها اجابة... ما الذي ينقصها ؟!
جمال؟ هي لا تنصف قبيحة رغم بساطة ملامحها القمحية، او ربما هي قبيحة بنظره من كثرة رؤية عيناه للفتنة المتجسدة في نساءٍ يترمين تحت اقدامه بسهولة!
او ربما لأنها لا تسمع دون تلك السماعة التي كرهتها، ولكن هل كان ذلك باختيارها؟

حتمًا هي مَن لُعنت حين استسلمت لشعورها تجاهه، ولكن لمَ لا تنصرها أيامها لمرة؟ لمَ عليها أن تُنبذ من أكثر شخص شُغف به قلبها !!

تحركت نحو حقيبتها بخطى آلية ملغية فيها مراقبة العقل، أخرجت احمر الشفاه، وبدأت تضع منه بيدٍ مرتعشة، ربما هي تبدو قبيحة بنظره لأنها لا تهتم بمظهرها كما يجب!

دقيقة... ثم دُكت حصونها دكًا اسفل دموعها التي انهارت مغرقة وجهها، وبشهقات متتالية كانت تمسح احمر الشفاه الذي وضعته بهيستيرية حتى لطخت ما حول شفتاها..
رمته ارضًا وهي تصرخ دون أن تجد القدرة على التظاهر بالجمود اكثر، هي اضعف من ذلك..

خرج "عيسى" من الغرفة على صوت صراخها، واقترب منها مسرعًا يسألها مذهولًا مما يره:
-مالك يا كارما في إيه!؟
لم تجيبه بل جلست ارضًا دون شعور وهي تتابع بكاءها الهيستيري دون توقف، وضمت أقدامها لصدرها واضعة رأسها عليها، تبكي كطفلة ضاعت من والدتها !
شعر عيسى بنغزة خفية أرقت قلبه حين رآها تبكي بانهيار هكذا،
هبط لمستواها جالسًا على ركبتيه، ثم رفع وجهها ببطء، ومد أصابعه دون شعور ليمسح دموعها، واحمر الشفاه الذي لطخ وجهها برقة بينما يهمس متسائلًا بصوتٍ حاني:
-مالك يا كرملة؟ بتعيطي ليه؟
كانت تنظر له لثوانٍ مذهولة كيف يستطيع أن يُغير جلده في ثوانٍ هكذا كالثعابين؟
دفعته فجأة بعيدًا عنها بعنفٍ ملحوظ حتى ارتد عيسى للخلف وسقط جالسًا على الأرض يرمقها بنظراتٍ مصدومة، فزمجرت فيه كارما بجنون:
-ابعد عني وبطل حركاتك دي اللي بتعملها مع البنات الشمال اللي بتعرفهم.
-البنات الشمال اللي بعرفهم!!
رددها والصدمة لازالت تسود الموقف، فواصلت هي دون أن تعي فعليًا ما تقول:
-ااه، اللي بتفرح بلمتهم حواليك، لحد ما بقيت آآ...
توقف في اخر لحظة، ثم صرخت فيه متابعة وكأنها تنكر لنفسها قبله:
-اوعى تفكرني زيهم حركاتك دي هتأثر فيا.
صمتت برهه، ثم اكملت عازمة على عدم الوقوع في بئره أكثر.... وكأنها لم تقع بالفعل! :
-أنا عارفة أنت إيه كويس أوي.
عقد عيسى ما بين حاجبيه وراح يردف بعصبية بدأت تطفو على سطح كلماته رغم التعجب الذي لم يزول:
-في إيه أنتي محسساني إني قواد ليه!
لوت شفتيها في استهزاء:
-على الأقل القواد عارف إنه قواد ومش بينكر، وكل الناس حواليه عارفة كده.
 

 

لم يسيطر عيسى على غضبه فضرب على الباب جواره بقوة مزمجرًا بانفعال:
-لأ أنتي شكلك اتجننتي ومش عارفة أنتي بتقولي إيه ومفكراني هاسكتلك، لا فوقي.
هزت رأسها باستهانة مغمغمة:
-اه اظهر على حقيقتك بقا وشيل الوش المزيف اللي حاطه للبنات طول الوقت.
جذبها فجأة من ذراعيها مقربًا إياها منه حتى صار وجهها امام وجهه مباشرةً، ينفث انفاس الغضب فيه، ثم استرسل بلهجة خشنة خافتة نوعًا ما رغم حدتها:
-أنتي اللي عايزه تشوفيني شيطان، عارفة ليه؟ عشان أنتي اللي بتتأثري بقربي منك أكتر من البنات، أنتي اللي لو ضغطت عليكي شوية هتدوبي في ايدي زي البسكوته.
دفعته بعيدًا عنها وهي تنفي مسرعة:
-لأ طبعًا، أنا مش بطيقك أصلًا.
اقترب مرة اخرى بعناد وعيناه تغوص في عينيها عازمًا على سبر اغوارها، وردد:
-كدابة.
-لأ مش كدابة، كل ده من وحي خيالك اللي مصورلك إن مفيش واحدة تقدر تقاومك.
صاحت فيه بقهرٍ خفي جعل قلبها يتلوى حين ادركت أنها مكشوفة تمامًا أمامه دون أي عازل يحفظ كبريائها !!
ودون مقدمات او تفكير، كان عيسى يمسك برأسها مثبتًا إياها، ثم هبط يلثم شفتاها بقوة وعناد وكأنه يتحداها أن تثبت بعد أن بعثرها !
ولكنه لم يحسب حساب أن يقع هو في الحفرة التي حفرها لها، ويستسيغ مذاق شفتيها لهذه الدرجة التي جعلت عاطفة حارة تتدفق في شرايينه حتى خَفَت غضبه واشتعل ما هو ألعن منه!

بينما هي تصنمت لثوانٍ معدودة تحاول استجماع نفسها قبل أن تدفعه بعنف، ثم باغتته بصفعة مدوية، تحرق كبريائه كما احرق كبريائها.
ونهضت راكضة من مكانها لتدلف لتلك الغرفة وتغلق الباب خلفها، ملتقطة أنفاسها اللاهثة وهي تضع أصابعها على شفتيها تحاول استيعاب الاحداث المزدحمة في ظل الدقائق الماضية !!!!

****

اليوم التالي صباحًا...

كان عيسى في المتجر الخاص به، لا يستوعب أيًا مما جرى بالأمس، وكأن احدهم ضربه على رأسه بغتة، فلا يستوعب ولا يستطيع حتى الان تخمين سبب جنونها، ولا يستوعب اكثر الذي فعله، ولكن غضبه وعناده أعماه فتحرك بغريزة تلقائية دفينة داخله..
ثم تذكر تلك الصفعة!
تنهد بعمق وهو يستعيد في ذاكرته كيف استيقظ مبكرًا قبل أن تستيقظ كيلا يتقابل معها اليوم تحديدًا، لأنه لا يضمن رد فعله او فعلها، فليس هو مَن تصفعه امرأة ويصمت..
انتبه لدخول "جاد" المتجر فامعتضت ملامحه تلقائيًا وهو يعلم جيدًا سبب 

 

 

 

مجيئه، سأله جاد وهو يدخن احدى سجائره:
-إيه الأخبار يا عيسى؟
سأله عيسى ببرود:
-أخبار إيه؟
سخر جاد:
-اخبارك يا عريس أنت وعروستك.
ثم عادت نبرته للحدة وهو يتابع مناقضًا لحروفه المرتخية بالسخرية منذ ثانية:
-أنت هتستعبط يا عيسى ما أنت عارف أنا قصدي إيه كويس، أخبار اللي اتفقنا عليه.
أردف عيسى في استهجان:
-هو أنا لحقت، ده أنا لسه كاتب عليها امبارح.
سأله متهكمًا وهو يرفع احدى حاجبيه:
-اه يعني عايز كام شهر بقا ؟
تأفف عيسى وادار وجهه للجهة المقابلة، ثم قال بنبرة جادة:
-مش لدرجة شهور، بس برضو مش يوم أصل مش هسحرلها أنا ! فترة كده، وبعدين أنا معرفش أنت مش صابر ليه أنت عارف إني في الأخر هعمل اللي أنتوا عاوزينه.
-ومن امتى وشغلنا فيه صبر وطولة بال؟ ما أنت عارف، يا تلحق يا متلحقش.
استطرد جاد بثبات يسحق اعتراضه، فهز عيسى رأسه:
-عارف مش محتاج تقولي، متقلقش مش هطول.
هز رأسه موافقًا على مضض:
-ياريت عشان نخلص، أنا كل اللي شاغل تفكيري حاليًا العملية دي.
غمغم عيسى بشرود طفيف:
-منا عارف هانت.
وهو ايضًا يريد حقًا أن ينهي كل شيء سريعًا، ولكن صبرًا.. وبالتأكيد سينال ما يريد.

****

كانت فيروز جالسة جوار كارما في عش الزوجية الجديد، وكارما تقص عليها ما حدث بالأمس بينها وبين عيسى، فهتفت فيروز غاضبة:
-وسكتيله بعد ما سمعتي كلامه الهباب؟
 

 

 

 

هز رأسها نافية:
-لأ طبعًا.
هزت فيروز رأسها والرضا يتخلل نظراتها:
-جدعة يا كوكي، عملتي إيه؟
-عيطت!
نهضت فيروز وهي تصيح بنبرة شرسة مصدومة:
-نعم ياختي؟ بدل ما تخليه يعيط على وسامته اللي فرحان بيها !!
جذبتها كارما من يدها وهي تتابع مهدئة إياها:
-استني مهو الموضوع مانتهاش على كده.
غمغمت فيروز بصوت مكتوم:
-اممم اشجيني.
صمتت كارما وهي تعض أظافرها بقلق من القادم، فضيقت فيروز عيناها في توجس:
-أنا حاسه كده إن اللي جاي مش هيعجبني.
-هزقته ومسحت بكرامته الأرض.
حثتها على المتابعة بترقب:
-حلو وبعدين.
فجرت قنبلة الحدث بوجه فيروز وهي تخفي وجهها بأصابعها كمن تخشى تناثر شظايا ذلك الانفجار عليها:
-باسني.
تتالت الصدمات على وجه فيروز التي تصنمت مكانها وقد تلقت صدمة اكبر من سابقتها:
-إيـــه!
أردفت مسرعة:
-بس أنا ماسكتش والله.
سألتها فيروز بغيظ دفين:
-عملتي إيه بقا ؟
قالت بفخر:
-ضربته بالقلم.
تدرجت الابتسامة شيئًا فشيء لثغر فيروز التي ضربت على صدرها برفق مرددة:
-تربيتي.
أوقفت كارما راحتها النفسية على الأبواب حين استرسلت:
-بس في مشكلة بقا.
عقدت ما بين حاجبيها بعدم فهم:
-مشكلة إيه تاني هو مش خلاص كده؟
باحت كارما بمخاوفها بعد أن بللت شفتاها في توتر جلي على محياها:
-بصراحة أنا خايفة أقعد معاه لوحدي ليقوم يردلي القلم اللي ادتهوله، ما تباتي معايا يا فيروز؟
رفضت فيروز دون تردد:
 

 

 

 

 

-أنتي مجنونة، يعني عشان أنتي خايفة تاخدي قلم عايزاني أنا أخد حفلة اقلام من امي، إيه الأنانية دي يا كارما !
صمتت برهه ثم واصلت بصلابة:
-خليكي جريئة وإتحملي نتيجة أفعالك.
سألتها كارما في حيرة حقيقية:
-أعمل إيه يعني؟
-أول ما يجي إقفلي عليكي باب الأوضة.
رمقتها كارما بنظراتٍ مستحقرة وكأنها ستقتلها في التو، فتابعت راسمة الشجاعة الزائفة التي لا تمتلكها في تلك اللحظات:
-مش عشان أحنا خايفين منه لا سمح الله، عشان لازم تتجاهليه وتأدبيه.
حكت كارما ذقنها مفكرة:
-بس كده لو مدانيش القلم عشان يردهولي هيدهوني عشان طرداه من اوضته وبنيمه على الكنبة.
هدرت فيها الاخرى بنفاذ صبر وهي تنهض لتغادر:
-كارما أنا قايمة أمشي ولعوا في بعض ده إيه العلاقة القذرة دي.
أوقفتها كارما مستنكرة:
-استني بس يا فيروز، هو أنتي مش أختي!
استطردت فيروز بتبجح درامي فاحت منه الفكاهه التلقائية:
-هو أنا عشان صاحبتك 10 ولا 15 سنة وكلنا عيش وملح مع بعض، وبيتنا عند بعض بقيت اختك خلاص؟!
لم تجد كارما ما تنطق به وهي تراقب فيروز التي تحركت نحو الباب وهي تكمل :
 

 

 

-يلا ماعطلكيش لو اتضربتي اتصلي بيا هطلعلك الولا زياد على طول.

****

اليوم التالي، في الشركة....

وقفت "فيروز" ممسكة بالصينية التي تحمل كوب القهوة، تنظر لها كل ثانية تقريبًا وكأنها تناشدها لتنقذها من حيرتها، فهي قد أعدت هذه القهوة "لفارس" بعد أن استشفت غضبه اليوم بعد وجود خطأ في احد المشاريع، فقررت تقديم القهوة له كنوع من أنواع التودد والمواساة في لحظات غضبه، بعدما ازدادت جرأتها منذ اخر لقاء بينهما في منزله، والوجه الآخر له الذي أراها إياه.

حسمت أمرها وهي تأخذ نفسًا عميقًا، ستفعلها، وإن لم تجدي بنتائجها ورفضها مثلًا.. لن تخسر شيء، ولكن المحاولة تكفي، علها تقتنص مسافة ملحوظة في طريقها الذي يأبى القِصر..!

وبالفعل تقدمت نحو مكتب "فارس" طرقت الباب ودخلت بعد أن اذن لها بالدخول، فوجدته ينظر لها متفحصًا وعلامات الإرهاق تمزع صلابة ملامحه، تنحنحت ثم هتفت برقة:
-أنا كنت بعملي قهوة فقولت أجيب لحضرتك معايا.
صمت فارس برهه وكأنه يحسبها في عقله، ثم هز رأسه شاكرًا إياها بنبرة خافتة:
-شكرًا يا فيروز، أنا فعلًا كنت محتاجها.
وضعتها على المكتب وهي تنحني برأسها قليلًا، وإنفلتت خصلاتها البرتقالية الناعمة لتغطي جانب وجهها، فبدت وكأن لوحة جمالها المميز 

 

 

اُضيف لها لمسة محترفة فازداد توهجها..
شعر بالغبطة من جمالها المميز الذي يأبى أن يخبو، فوجد لسانه دون سيطرة منه يترجم تفكيره بصوت أجش:
-لمي شعرك.
رفعت رأسها له فجأة متصنمة مكانها وكأنها لم تتوقع جملته او لا تصدقها، بينما هو يلعن لسانه الذي إنفلت عيار تعقله، وفيما كان يضع يده في جيب الچاكيت، كان يضغط برفق على "طوق الشعر" الخاص بها الذي نسيته اخر مرة في حديقة منزله حين تبللت خصلاتها..

وعقله يجري حسبة سريعة متسائلًا هل يُخرج ذلك الطوق ام لا، ولكن مع إعلانها التعجب بوضوح في قمم عينيها، اضطر للتبرير مسرعًا وهو يُخرج ذلك الطوق ويضعه على مكتبه:
-أنتي نسيتي التوكة بتاعتك المرة اللي فاتت في الجنينة.
-بجد!
غمغمت بها دون تصديق، ونظرت للطوق تارة وله تارة اخرى، وإن كان تعجبها قيراط فهو الان الضِعف، وداخلها يتجمهر مطالبًا بإجابة، لما عساه يحتفظ بطوق الشعر الخاص بها ويُحضره معه؟!
بينما فارس ضغط على خصلاته بعنف وكأنه يود أن يقتلعها، ولأول مرة يشعر بهذا العُطل العقلي وعدم القدرة على التصرف الصحيح!

ولكن في حضرتها... ينعوج الصحيح ويهتز الثابت، وكأنها تملك مقاليد روحه بسحرٍ خفي خاص يجهله حتى الان!!
أردفت فيروز مغيرة الموضوع حين راقبت إنفعاله المكتوم:
-متهيألي حضرتك مضغوط جدًا وهي بسيطة وهتتحل إن شاء الله.
 

 

 

هز فارس رأسه دون أن ينطق، فاستطردت هي:
-لو غسلت وشك وشربت القهوة دي هتدعيلي بقا.
-تمام.
غمغم بها مسرعًا وهو ينهض متوجهًا صوب المرحاض، ممتنًا لها لأنها منحته فرصة للهرب ومراجعة نفسه التي تصدر تصرفات بلهاء لا تليق به بتاتًا.

راقبته فيروز يغلق باب المرحاض عليه، فتحركت بلهفة نحو الجهاز اللوحي الخاص به الذي كان مفتوح، وبدأت تتفقده لتتأكد من حدوث الشيء تخطط له.
ولكن استوقفها تسجيلات صوت، فتحتها بسرعة وهي تُخفض الصوت، فوجدته صوته بحروف متشققة ورنين الألم يصدح بينها، ولكن حين أنصتت السمع لتفسر ما يقول كان فارس يخرج من المرحاض، وهو ينظر لما تفعله بنظرة ثاقبة حادة انبأتها أنها تخطت الحد المسموح به....
-أنتي بتعملي إيه ؟!!

****

يتبع. 

رابط البارت السادس

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-