روايات حديثة

رواية لخبايا القلوب حكايا الفصل السابع للكاتبة رحمة سيد

لخبايا القلوب حكايا

 الفصل السابـع :-

قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏نص‏‏
اللحظة التالية للصدمة التي خيمت على وجوه الجميع، إنحنت فيها "كارما" مسرعة لتمسك بسماعة اذنها التي سقطت منها، ثم رفعت وجهها ناظرة لزوج والدتها "جاد" الذي إنكمشت ملامحه في توتر لحظي ثم تأهب كذئب يستعد للانقضاض على فريسته، وسألها بصوت أجش:
-أنتي بتعملي إيه ؟
لا تنكر التوتر الذي انتابها هي الاخرى من سؤاله، ولكنها اجابته بفظاظة تليق بفظاظة سؤاله:
-جايه أخد حاجات من جوزي.
ضغطت على حروف كلمة زوجي وكأنها تخبره بشكلٍ خفي أنه لا يملك حق سؤالها وأنه هو الدخيل هنا !
لوى "جاد" شفتاه متابعًا بشيء من السخرية والبجاحة:
 

 

 

-خدي ياختي من جوزك، سبحانه!
اقترب عيسى من كارما قائلًا بابتسامة بشوشة مخضبة بالحنو وهو يربت على كتفها برقة:
-خدي حاجتك يا كرملة يلا وأطلعي.
هزت رأسها موافقة، بعدما فطنت أن سخرية جاد تتعلق بإعلانها التلقائي بكونه زوجها رغم أنها كادت تقتل نفسها كيلا تتزوجه، ولكنها تجاهلته وهي تتحرك جوارهم بخفة منتشلة بعض الأشياء..
بعد قليل كانت قد إنتهت من إنتقاء ما تريد تحت أنظار كلاهما، مما اضطرها لتسرع وتختفي عن أنظارهما التي تبث فيها اهتزازة ملحوظة..
وبينما هي تغادر اقترب منها عيسى قليلًا، مرددًا بلهجة اعتيادية كأنهما زوجان طبيعيان:
-أنا مش هتأخر.
اومأت كارما برأسها دون رد، فبالطبع لجم ردودها المحتدة وجود "جاد".
وبالفعل غادرت، فسارع جاد مفصحًا عن التوجس الذي اخذ يعتمل داخله:
-تفتكر تكون سمعت؟
هز عيسى رأسه نافيًا:
-لأ معتقدش خالص، اديك شوفت سماعتها وقعت.
ضيق عينيه وهو يفكر ولازال التوجس يختلس نصيبه بين حروفه:
-أنا عارفها دي لئيمة مايغركش الطيبة اللي بتبان عليها أحيانًا، ممكن تكون سمعت ودي كارثة.
حاول الاخر اقناعه بالمطنق:
-لو كانت سمعت كان هيبان عليها، او حتى هيبان في التعامل معايا فيما بعد.
هز رأسه يزج كلمات عيسى حيز الاقناع داخله، ثم حذره:
-بس لو عرفت مينفعش نسكت، أكيد أنت عارف هتعمل إيه ساعتها صح؟
اومأ عيسى مؤكدًا بهدوء، فأطلق جاد ضحكته المُقيدة، وأردف بخبث:
-بس أنت طلع مش سهل، فهمت ليه مجنن البنات.
لوى عيسى شفتاه في زهو مجيبًا:
-امال أنت كنت مفكر إيه!
أبدى جاد إعجابه الكامل بذكاء عيسى حين أخبره:
-لا فاجئتني أنا شخصيًا، ودي حاجة كويسة عشان ننجز بقا في الحوار ده 

 

 

لأن مفيش حاجة هتنفع مع كارما غير اللين.
ضرب عيسى على صدره مستطردًا في ثقة معهودة منه:
-أنا عارف بعمل إيه كويس متقلقش أنا مش بلعب!
اومأ جاد برأسه، وهتف بنبرة منتشية بالوصول الذي يشعره اقترب:
-جدع يا عيسى، وعشان كده احنا اختارناك أنت بالذات للموضوع ده.
هز عيسى رأسه وقال بينما يلتفت يمينًا ويسارًا في تفحص:
-تمام، روح أنت بقا عشان مانلفتش النظر بوجودك هنا كتير.
وبالفعل إنصرف جاد وعيسى يتابعه بنظراته، شاعرًا أن خطواته تثقل شيئًا فشيء في ذلك الطريق...

****

كان "فارس" في مكتبه، جالس بثبات على كرسيه يتلاعب بالقلم بين أصابعه، ولكن حاله كحال هذا القلم لا يستطع التحلي بالثبات، داخله شيء غريب يُفصح عن رغبة أغرب في معرفة رد فعلها، خاصةً أنه لم يختلط بها مؤخرًا... لا بل تقريبًا هي مَن تتجاهله عمدًا منذ اخر موقف بينهما..
أنهى الصراع النفسي داخله حين أمسك بالهاتف واتصل بسكرتيرة مكتبه التي اجابته على الفور فقال بجدية:
-ابعتيلي فيروز يا هويدا بعد اذنك.
-تمام يا فندم.
تمتمت بها مجيبة قبل أن تغلق وتنادي فيروز بالفعل، فأخذت فيروز نفسًا عميقًا، ثم هندمت خصلاتها وملابسها سريعًا قبل أن تطرق الباب وتدخل بعد أن سمعت اذنه بالدخول..
اقتربت من مكتبه بهدوء تسأله بثبات ورسمية:
-حضرتك طلبتني يا باشمهندس.
شعر فجأة أن كل الكلمات فرت من أعتاب لسانه، ولم يجد ما يقول فهتف بهدوء مصطنع:
-أنتي عامله إيه يا فيروز.
ردت رغم الاستغراب:
-كويسة الحمدلله.
تابـع بنفس الجدية التي ألبسها لحروفه ظاهريًا رغم خلو باطنها:
 

 

 

-طبعًا انتي عايزه تعرفي انا ناديتك ليه دلوقتي؟
أكدت بهدوء:
-ايوه.
قال فجأة مشيرًا للمزهرية جوارها:
-الفازة اللي هناك دي.
نظرت نحوها ثم له من جديد باستغراب متسائلة:
-مالها؟
-بتاعت جدي الله يرحمه.
هزت رأسها متمتمة خلفه على مضض:
-الله يرحمه.
-هاتيها هنا بعد اذنك عايزها، مش عارف اركز.
أكمل بنفس الجدية التي جعلت بوصلة احساسها تهتز في حيرة، وتتساءل في نفسها هل هو يمزح فعلًا ام لا..
ثم رمقته بنظرات متعجبة وكأنها تسأله بصمت أ هذا سبب احضارك لي؟!
ولكنها تحركت وجلبتها على مضض ووضعتها أمامه، ثم أضافت من بين أسنانها:
-اتفضل يا فندم، اي طلب تاني؟
سألها ببراءة:
-مالك مضايقة ليه؟
انتزعت ابتسامة صفراء لا مرح فيها وهي تتشدق:
-أنا مش مضايقة.
فهز رأسه مصممًا:
-بس أنا حاسس إنك مضايقة.
نفت محاولة الحفاظ على صبرها الذي بدأ ينفذ من تصرفاته الغريبة، فهي تشعرها طفولية في باطنها مغطاة بقشرة الجدية المزيفة:
-لا تمام.
واصل فارس:
-الميزة يا فيروز في شركتنا إن اهم حاجة عندنا سلامة وراحة الموظفين النفسية.
غمغمت فيروز بحروف فاحت منها السخرية نوعًا ما رغمًا عنها:
-طبعًا طبعًا.
ثم استدارت وكادت تغادر، ولكن لمع بعقل فارس سبب سيضعه سدًا امام امواج اسئلته التي يراها مهتاجة بعينيها، فأوقفها مسرعًا:
 

 

 

-استني رايحة فين؟
استدارت له متسائلة:
-حاجة تاني يا باشمهندس؟
استطرد ينفي عن نفسه تهمة إلتصقت به فعلًا:
-انتي فكرك يعني إني فاضي عشان أناديكي تجيبي الفازة وتمشي؟
-امال إيه؟
-لا طبعًا، أنا مناديكي عشان اقولك على رحلة طالعها التيم بتاعنا في أسوان عشان عندما مؤتمر مهم جدًا بحضور سيادة الرئيس.
تنحنحت فيروز وهي تفكر، ها هي الفرصة تعرض نفسها عليها مُحلاه بذهب تراه يلمع في طريقها الذي استشعرته مُظلم مؤخرًا..
لذا اومأت برأسها موافقة:
-تمام يا باشمهندس، امتى ان شاء الله؟
أجابها فارس بثقة افتقدها منذ دقائق:
-بعد يومين، يوم الخميس بإذن الله.
هزت رأسها ثم سألته:
-تمام، حضرتك محتاجني في حاجة تاني؟
-شكرًا يا فيروز.
غادرت بالفعل، بينما فارس بدأت ابتسامة صغيرة تعلن عن وجودها على شفتيه، شاعرًا بالنصر في تحقيق ما أراد يغمره..

****

كانت "كارما" في المطبخ تقوم بإعداد الطعام بذهن شارد، مُخضب بالمخاوف التي صارت تؤرق ليلها وتنغص قلبها الوحيد وسط ظلمة لم يختر المكوث بها..

سمعت اثناء ذلك صوت الباب يُفتح، ثم صوت عيسى يناديها، خرجت مجيبة النداء بهدوء:
-نعم؟
اندفع نحوها كالثور الهائج يصيح في وجهها بتهكم صريح:
-نعم الله عليكي، أنتي ازاي تنزلي من غير ما تقوليلي؟!
رفعت حاجبها الأيسر بعدم فهم:
-يعني إيه؟ هو أنا مفروض استأذنك يعني مع كل خطوة؟
غمغم ساخرًا بابتسامة سمجة لا تمت للمرح بصلة:
 

 

 

 

-ده لو مش هيضايق سيادتك يعني.
ناطحته كارما بكلماتها الحادة كالقنبلة الموقوتة التي كانت على أتم الاستعداد للانفجار:
-لا هيضايقني، استأذنك ليه هو أنت ولي أمري؟
ازدادت حدة حروفه هو الاخر كسيفان يتناطحان في حربٍ كبيرة:
-أنا جوزك يا هانم لو مش ملاحظة.
تابعت مستثارة باستفزازه الذي ينقر فوق أعماقها المُلبدة بالمخاوف:
-لا ملاحظة، بس الظاهر إنك أنت اللي مش واخد بالك او ناسي احنا متفقين على إيه؟
هز رأسه نافيًا، واسترسل بخشونة يحذرها:
-مش ناسي، بس طالما احنا متجوزين أنتي مضطرة تلتزمي بكلامي عشان نكون احنا الاتنين مرتاحين وإلا مش هيحصل كويس.
استفزها اكثر تحذيره فرفعت حاجبها الأيسر وهي تقترب منه مرددة بعناد:
-هيحصل إيه يعني؟
تمتم بإسمها ضاغطًا على حروفه:
-كارما.
فهدرت فيه بنبرة ذات مغزى كقطة شرسة هو من ساهم في إبراز أظافرها الحادة لتنبش وجهه بها:
-بلا كارما بلا بتاع، أنت إيه اللي منرفزك وموترك أوي كده ها ؟
وكأنها ضغطت على حروفه النازفة بالتوتر فازداد نزيفها، وتباطئت حروفه بعض الشيء وهو يجيبها:
-أنا قولتلك إني جوزك وآآ....
قاطعته بغلاظة:
-وأنا قولتلك إننا متفقين على حاجة معينة.
جذبها من ذراعيها بعنف يهزها مزمجرًا فيها بانفعال وعروق بارزة بالغضب:
-ملعون ابوه اتفاق يا شيخة.
في غمرة غضبه سقطت سماعة اذنها بسبب هزته العنيفة، ولم يعطها الفرصة لتهبط وتحضرها، بل ثبتها مكانها حين أمسك وجهها بين يديه، ولأول مرة يستغل ضعف سمعها، ودون وعي منه كان إصبعه يتحسس جانب وجنتها وهو يهمس بصوت مُنهك.. يضخ قلق وحنو لم يستأذنه للعبور للسطح:
-افهمي بقا أنا خايف عليكي.
اعترف ربما لأنه يعلم أنها لم تسمعه، او ربما سمعته او فهمت ما يقول من حركة شفتاه.. لا يهم، ولكنه لم يستطع السيطرة على قلبه المهتاج الذي فرض السيطرة على لسانه مدعمًا إياه باعتراف..
فيما استكانت مكانها وكأنه بكلماته ألقى عليها تعويذة من نوع خاص...
ولا تدري أ تصدقه ام لا، ولكنه مس شغاف قلبها وانتهى الامر.
تركها عيسى وتحرك صوب غرفته، تاركًا اياها شاردة في الوحل الذي تُغرس أقدامها به اكثر...


****

بعد فترة..

كانت كارما في الداخل حين سمع عيسى صوت الباب يُطرق، فتحه ليجد الطارق احد الرجال ممن يعملون مع جاد ومعه بالطبع..
سأله عيسى متعجبًا من وجوده:
-خير يا مصطفى؟
رد مصطفى الذي كان يحفظ ما سيقوله بالحرف:
-أنا جايبلك خبر من جاد.
أعاره عيسى انتباهه، فاستطرد بصوت خافت ومنخفض بعض الشيء:
-احنا هنستناك بكره هننزل تحت ومعانا الشيخ.
اومأ عيسى برأسه، ثم استفسر:
-تمام بس مأمنين ولا هيروح مننا واحد تاني زي المرة اللي فاتت؟
هز الاخر رأسه وهو يسخر منه:
-لا متقلقش، أنت خايف ولا إيه؟
اخشوشنت نبرة عيسى وهو يضيف في ثبات وحمية رجولية معروفة عنه:
-أنت عارف كويس إني مبخافش.
اومأ الاخر قائلًا لينهي ما جاء لأجله، بحروف لم تغادرها السخرية كليًا:
-تمام مستنينك على اول المغارة، أنت فاكر المكان صح؟
دفعه عيسى بخشونة ولهجة غليظة:
-دمك يلطش، يلا يا بابا روح شوف اللي وراك.
وبالفعل غادر الاخر.. حينها تحركت "كارما" التي كانت تنصت لكل شيء بملامح شاحبة، لتتخفى مسرعة قبل أن يراها عيسى...
***

 

 

 

وفي اليوم التالي، وحين كان عيسى على وشك المغادرة لتنفيذ العملية التي تم طلبه لأجلها، أمسكت كارما هاتفها تنوي الاتصال بالشرطة، فهي لن تكن جندي صامت في حرب دنيئة!

****

يتبع.

رابط البارت الثامن

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-