روايات حديثة

رواية الداغر الحلقة التاسعة

الحلقة 9. وجع و دعاء

تجلس ارضاً .. تفترش الرمال .. تلعب بها بإستمتاع فى انتظار حضوره كالعادة .... ظلت على وضعها ذاك لبعض الوقت حتى ملت من اللعب ..... قلبت انظارها بالمكان حولها علها تلمحه من بعيد لكن كان كل ما تراه كانت مساحات واسعة من المياة و الرمال النقية ... تنهدت بتعب و ظلت شاردة بالمياه حتى لفت نظرها طيف شخص ما ..... ظلت تمعن النظر به حتى تبينت انه داغر ..... يقف بمنتصف البحر ....... ينظر نحوها بإبتسامة ماداً يده نحوها يطالبها بالاقتراب ...
قلبت انظارها بينه و بين البحر ..... الماء يصل لكتفيه حيث يقف لذا فلن تستطيع الوصول اليه دون الغرق .... لكن ها هو مازال يقف بإنتظارها لذا و بدون وعى نهضت لتخطو فى اتجاهه فتزيد ابتسامته اتساعاً .... ظلت تسير على رمال الشاطيء حتى وصلت بقدماها الى بداية المياة لتظل كما هى ... تسير و عيناها معلقة به

بأول خطوة داخل المياة تحول محيطها الى فراغ ... لا ماء و لا رمال .... لا شيء سوى ظلام .... حلم قديم يشبه حلمها هذا .... فقط تراه يقف امامها بهدوء لتتقدم اكثر نحوه فالآن لا شيء يمنع وصولها اليه
تحركت بخطوات هادئة ومازالت ترسم ابتسامة واسعة على محياها سرعان ما انحصرت فور رؤيتها لرجل خلف داغر موجهاً فوهة سلاحه اتجاهه .... صرخت بإسمه لتنبهه لكن ظل على حاله و كأنه لم يسمعها .. فقط ينظر اليها مراقباً لها بهدوء ..... فجأة وجدت يدها تحمل سلاح مماثل لما يحمله ذلك الرجل لتستغل الفرصة فترفعه نحوه و من ثم تضغط على الزناد لتستقر الرصاصة بقلبه .. التفتت نحو داغر لتطمئنه لكنه لم يكن بمكانه ... ظلت تبحث عنه بذعر لكن لا وجود له ... فقط هى و جثة الرجل بالمكان .... تحركت قرب جثته حتى اصبحت امامها لتتسع عيناها بذعر و تخرج شهقة منها تتبعها صرخة بإسمه فمن قتلته دون تردد لم يكن سوى داغر حبيبها

تاج : داااااااااااااغر

انتفضت من نومها تتنفس بسرعة .. صدرها يعلو و يهبط بقوة .... لترى ريم قد نهضت هي الاخرى من فراشها اليها للتهدئة من روعها .... ثوان و اقتحم داغر و والدته غرفة ريم و التى تقاسمتها تاج معها بمجرد وصولهم الى الاسكندرية منذ اسبوع .... وها هي منذ قدومها الى الاسكندرية تتبعها الكوابيس كل ليلة بدلاً من احلامها الهانئة ... لكن هل السبب حقاً هو تغير المكان
استيقظت من شرودها على صوت حنان والتى جلست بجانبها بينما اتخذت ريم الجانب الاخر

حنان : بسم الله الرحمن الرحيم ... كابوس تاني يا بنتي ؟

اومأت تاج بهدوء فى حين كانت تخفض انظارها لا تقوى على رفعها بوجوده ... اما هو فظل يراقبها بتمعن .... يستشيط غيظاً و حقداً عليها ...... فهاهي تنعم بالكوابيس فى حين هو يرى احلاماً تؤرقه الليل بطوله

هاهي تحلم بما يزعجها و يخيفها اما هو فيحلم بما يعجبه و يشتهيه و يموت شوقاً له ..... هي ...... يحلم بها لكن ليس كالسابق بل احلاماً تجهده نفسياً ... يظل بصراع مع نفسه طوال نومه حتى يفيق ومن ثم يدخل صراع اخر عند الاستيقاظ بسبب ما تخلفه تلك الاحلام من مشاعر بداخله بحاجة لإطفائها

تنهد بقوة ليلفت انظار الجميع و من ثم نظر لساعته فيجدها الخامسة صباحاً ... اى وقت الاستيقاظ

تحرك للخارج بعد طلبه من والدته بإعداد الافطار لتتبعه هى الاخرى الى الخارج و يبقى فقط بالغرفة هى و ريم .... ظلت تحدق بها بشرود ....... ريم ... شقيقة داغر ... و .. حبيبة رامي كما اخبرها من قبل .... تدرس بكلية الألسن بالسنة الثالثة و التى انتهت من اختباراتها منذ اسبوع بنفس وقت وصولهم الى الاسكندرية لتنتقل من بيت الطالبات الى شقة استأجرها اخاها للاستقرار بالمدينة ....... تعرفت على ريم فور وصولها للمنزل لتجدها تلك الفتاة المرحة المُحبة لأخيها بقوة ..... لم يستغرق الامر كثيراً حتى تأقلمت معها على عكس ما حدث مع والدتها

استيقظت على صوت ريم تسألها بفضول

ريم : هاااااي .... سرحتى في ايه يا بنتي ؟

تاج بإبتسامة : مفيش ... عادي

ريم : طب مش هتقوليلي على الحلم بقى بتاع النهاردة

حركت رأسها نافية لتردف

تاج : ماما قالت لو حلمت حلم وحش محكهوش لحد

ريم بتبرم : ممم هو كان وحش للدرجة دي

تاج بحزن : اوحش حاجة ممكن تحصل

ريم بقلق : ربنا يستر ... ثم اردفت بمرح ... يلا بينا بقى نلحق الفطار قبل ما التتار برة يخلصو عليه

تاج بمرح و قد نهضت معها بالفعل : هما برضو التتار

غمزت ريم بعيناها بمرح لتهتف

ريم : بلاش انتى اللى تتكلمى .. احنا مفاجيع زي بعض

ثم خرجتا معاً الى غرفة المعيشة ليقابلهم داغر يجلس بهدوء يتناول افطاره

هتفت كلاً منهما بتحية الصباح ليجيب اخته فى حين تجاهل الاخرى كعادته بالفترة الاخيرة منذ ذلك اليوم .... يوم ال........ قاطع تفكيرها صوت ريم المرح

ريم : يعني اكلت قبلينا .. حتى مستنتش ماما

داغر بإستعجال : متأخر و واحد صاحبي مصاب فى المستشفى هعدي عليه و انا رايح

ريم بخضة : رامي ؟؟

نهض داغر سريعاً يضربها على رأسها بخفةً متجاوزاً اياها هى و تاج

داغر : رامي فى القاهرة يا مسطولة

ريم بإبتسامة غبية : اه صح ... معلش نسيت

اتجه ليرتدي حذاءه فى حين توجهت ريم لتجلس لتناول الافطار اما تاج فتبعته الى حيث ذهب لتجده يوليها ظهره

تاج : داغر

توقف عما يفعل فور هتافها بإسمه ليلتفت نحوها مهمهماً بجدية

تاج : بخصوص الشخص اللى سبق و رسمته لما كنت فى المستشفى

داغر بإهتمام : ماله ؟

تاج : افتكرت اسمه .... كان فى حد بيناديله يا عمر

داغر : ايوة صح ده اسمه ... يعنى افتكرتى فعلاً ... طب مفتكرتيش اى حاجة

حركت رأسها بالنفى ليتنهد ومن ثم اردف بقسوة مقصودة

داغر : يعنى معطلاني عشان حاجة هبلة كده ...... ياريت تفكرى شوية قبل ما تعملى اى حاجة تأثر على غيرك و تشوفيلك حل كمان فى موضوع كوابيسك ده ..... انا مبقتش عارف انام ساعتين على بعض بسببك ..... يلا سلام

ثم تحرك مغادراً فى حين ظلت هى تحدق بمكانه الفارغ بدهشة و حزن

مضت فترة و الحال هكذا بينه و بينها ... يعاملها ببرود و قسوة و كأنه يعاقبها على ما حدث يومها و تلك القبلة بينهما

فور خروجه من المنزل استقل سيارته و بدأ القيادة بعصبية ... يتذكر ما حدث منذ دقائق و اسلوبه معها بالفترة الماضية بعد ما حدث ..... حقير ..... سب نفسه .... ليضرب بيده على المقود بقوة .... يشمئز من نفسه كلما تذكر نظراتها البريئة المسالمة نحوه ... تنتظر منه اى كلمة بسيطة تربت بها على آلامها و جروحها و الذي ما يكون دائماً هو المتسبب بها

وصل الى وجهته .. المشفى .. ففي الصباح الباكر و اثناء استعداده للعمل جاءه خبر اصابة احد اصدقائه و نقله للمشفى ليمر عليه قبل ذهابه للعمل

انتهى من الاطمئنان على صديقه و من ثم اتجه لخارج غرفته شارد الذهن بها حتى اوقفه صوت نسائي هاتفاً بإسمه

التفت نحو الصوت ليقابله وجه مألوف لكن لم يستطع تذكر اين رآه

داغر : أفندم ؟؟؟

تقدمت الفتاة نحوه بخطوات رشيقة ومن ثم ابتسمت بإتساع

رانيا : داغر مش كده ؟ انت داغر صح ؟

داغر دون فهم : ايوة انا .... حضرتك تعرفيني ؟

زادت ابتسامتها اتساعاً لتهتف بفرح

رانيا : انا رانيا ..... انت مش فاكرني ... رانيا بنت فؤاد الحناوي ... كنت جارتكم فى القاهرة

عاد بذاكرته الى الوراء قليلاً قبل ان يتذكر كونها هى تلك الفتاة ابنة جارهم فؤاد الحناوى و الذين انتقلو من القاهرة عند انتهائها من الثانوية العامة لاكمال دراستها الجامعية بالأسكندرية

داغر متذكراً : ايوة ايوة افتكرت ... ازيك و ازي الوالد و الوالدة

رانيا بإبتسامة رقيقة مصطنعة : اه تمام الحمد لله ... ثم بفضول ... انت بتعمل ايه هنا ... اقصد يعنى فى اسكندرية

داغر : اتنقلت هنا تبع شغلى .... انتي شغالة هنا ؟

رانيا : ايوة يا سيدي ... اتخرجت من سننين و اتعينت هنا ؟ خير انت تعبان و لا حاجة

داغر متفحصاً بساعتها : لا بزور واحد صاحبي ... معلش اعذريني بقى لازم امشي حالاً و الا هتأخر على شغلى

رانيا برقة : ايوة ايوة طبعاً اتفضل اسفة على تأخيرك .... ثم مدت كفها نحوه هاتفة بنبرة غريبة ... بس اكيد هنتقابل تاني قريب

مد يده ناحية خاصتها ليردف

داغر بلا اهتمام : ان شاء الله ... عن اذنك

ومن ثم تحرك مولياً اياها ظهره فى حين ظلت هى تراقب طيفه حتى غاب عن ناظريها لتتحول ابتسامتها البريئة الى اخرى لئيمة لتهمس

رانيا : داغر داغر ........ ظابط و مستقبل و لا نضال اللى مش معروف له اصل ..... بلاش غباء يا ريري ..... مفيش مجال للحيرة اصلاً ....... داغر هو المطلوب

مرت بضعة ايام و مازال الحال على ماهو عليه بينه و بينها لكن الاختلاف هو انه قد سمح لها بالخروج برفقة والدته و اخته على شرط ان نرتدي ما يخفيها عن الاعين لذا اشترط عليها لبس الحجاب كوسيلة للتمويه ... كم يتمنى اخفائها عن اعين الجميع خصيصاً عن ذاته الرافضة لها .

كانت تجلس ذات يوم برفقة ريم بغرفة المعيشة بينما حنان تعد لهم الشاي .... انتهت من اعداده لتتقدم نحوهم بيدها صينية الشاي لتلتقطها تاج منها سريعاً ومن ثم جلست برفقتهم هاتفة بحنان

حنان : الولا رامي واحشنى اوي ... زمانه يا حبة عيني مهمل فى نفسه .. لا بياكل ولا بيشرب عدل

ريم بمرح : لا اطمنى يا ست ماما رامي مش محتاج توصية فى حكاية الاكل دي ... ده مدلع نفسه اخر حاجة

هتفت تاج بخبث اعتادته مؤخراً للتعليق على اى حديث تشرع به ريم عن رامي

تاج : و انتى عرفتي منين بقى يا ست ريم اذا كان مدلع نفسه ولا لا

ريم بتلعثم : ها ...آآ.... خمنت ... اه خمنت .. ما انا عارفة ابن خالتى بقى .. مفجوع

تاج بخبث : خمنتي ... قولتييييلي

حنان : بت يا ريم .. اوعى تكوني رجعتى تكلميه تاني ... ده كان داغر يكسر رقبتك

ريم بتبرم : يا ماما بقى ما انتى عارفة اللي فيها

حنان بتوبيخ : بت اتلمي و اسمعي الكلام انا مش عاوزة مشاكل مع اخوكي

تاج دون فهم : هو في ايه ؟ مش فاهمة ... ماله داغر

ريم : اصله يا ستى مانعني من انى اتكلم مع رامي

تاج بسرعة : انتي كمان

ريم : انا كمان ؟ .... هى ايه الحكاية

حنان مقاطعة : ريم قومي ادي لأخوكي فى اوضته الشاي بتاعك

ريم : لا ... عشان يبقى يمنعني اكلم رامي كويس ... روحي انتى اديهوله يا تاج

تاج بتوتر : بس آآ......

حنان : معلش يابنني قومي انتى .... وانا هتصرف مع البت دي

تاج بخنوع : حاااضر

نهضت لتتناول كوبه ومن ثم توجهت نحو غرفته ... طرقت الباب ومن ثم لم تنتظر رده بل دلفت الى الداخل لتجده يهاتف احدهم .... تقدمت تضع الكوب على طاولة مكتبه فى حين كان هو يوليها ظهره .... تحركت لتعود الى الخارج لكن اوقفها صوته يردف بمرح

داغر : لا والله يا رانيا ما انتى عارفة ظروف شغلي ... لولاه مكنتش هتأخر ..... ايوة ايوة .... وانتى طيبة ... تمام ... لا طبعاً هاجى ... اكيد ... سلام

ثم انهى الاتصال ليلتف نحوها فيفاجأ بها تف امامه تنظر اليه بعيون امتلأت بالدموع ... اراد معرفة ما بها و احتوائها بأحضانه لكن ماخرج منه كان

داغر : انتى ازاى تدخلى هنا من غير استئذان .... مين سمحلك بكده

تاج بدموع ازعجته : انا خبطت على الباب

داغر بغضب : و انا مسمحتلكيش انك تدخلى ..... اتفضلي برة و الاوضة دي متعتبيهاش تاني انتى فاهمة

تاج بغضب و بكاء : انا مكنتش عايزة اجي اصلاً ... ماما هى اللى بعتتني عشان الشاي بتاعك و اسفة اذا كنت قاطعتك او قاطعت مكالمتك المهمة ... عن اذنك

ومن ثم تحركت مغادرة الغرفة لتغلق الباب خلفها بقوة لتتركه ينظر بإثرها بدهشة فها هي و لأول مرة تتمرد بصوت عال ... ترد له الصاع صاعين ..... كان يريد تبرير ما سمعته يُحدث به تلك الرانيا لكن ها هو افسد الامر تماماً بل جعلها تتمرد و تغضب عليه

تحركت نحو غرفتها لتدلف اليها باكية فأنتفضت ريم لمرآها بتلك الهيئة من ثم امسكت بها تسحبها لتجلس بجوارها مربتة على ظهرها فى محاولة منها لتهدأتها

رين بقلق : تاج ... مالك يا حبيبتي اهدى بس و قوليلي حصل ايه ؟


استمرت تاج ببكائها فى صمت

ريم : خلاص اهدي بقى ..... طب هو داغر عملك حاجة ؟

اومأت تاج لتردف بغضب طفولى

تاج : و هو في غيره ... هو على طول كده بيزعلني

ريم بضحك مقلدة اسلوبها الطفولى : على طول كده بيزعلني ...... يا بنتي تلاقيكي عصبتيه ولا حاجة وهو اصلا اليومين دول مش طايق نفسه مش عارفة في ايه بس اقولك ... شكلكم فعلاً مش بتتفقو خالص .... ليه كده؟

تاج بتوتر : مش عارفة

ريم : عليا برضو ..... ماااشي هحاول اصدق ..... اهدي بقى كده شوية و اسمعى هقولك ايه ؟

تاج : ايه ؟

ريم : عارفة الخميس الجاي يبقى ايه فى الايام

حركت رأسها بالنفى لتكمل الاخرى

ريم : هيبقى عيد ميلاد ابيه داغر و الظاهر كده انه ناسي خالص زي كل سنة

تاج بحماس : طب و هنعمل ايه ..... نعمله حفلة مفاجأة و نطفى النور و ..........

ريم بتهكم : بس بس .. حفلة و نطفى النور ايه .. مش سي داغر ده اللى على طول قاصد يزعلك و كنتي تعيطى بسببه من دقتين بس اقول ايه ما انتى طيبة و غلبانة .. مش عارفة حاجة .... ده يا ستى مش الجو بتاع داغر خالص .... انا حبيت اقولك لتكونى عارفة و تعملي حاجة من الحاجات دي بجد .... ده كان علقني انا و انتى

تاج بتعجب : ليه هو مش عيد ميلاده و طبيعي يحتفل بيه

ريم : ده الطبيعي فعلاً بس داغر مش كده ..... مرة عملنهاله مفاجأة قلب الليلة كلها نكد

تاج : طب هنعمل ايه ؟

ريم : ولا اى حاجة ... انتى زي الشاطرة كده و بما انك مكنتيش تعرفي اى حاجة عن عيد ميلاده هأعتبري نفسك مسمعتيش منى اى حاجة و عدي الليلة

تاج : طب و عيد ميلاده

ريم : هتقضي اليوم عادي جداً و لا اى اندهاش

تاج : طب و الهدية ؟

ريم : اقولها ايه دي ... يا بنتى بقولك مش بيحتفل تقوليلي هدية .... تاج الله يهديكى بلاش جنان و عدي الليلة على خير .. ماشي

صمتت للحظات قبل ان تجيب بتردد دون اقتناع

تاج : ماشي

مضت الليلة بسلام ليأتي صباح يوم جديد اعتكفت فيه غرفتها دون خروج ... حاولت ريم و والدتها معرفة ما بها دون اى رد من ناحيتها سوى انها ترغب بالبقاء وحيدة ..... فى حين اغتاظ الاخر من فعلتها و تجنبها اياه فليست المرة الاولى التى يصرخ عليها او يؤنبها على اية فعلة تقوم بها لذا لما الانعزال تلك المرة و تجاهله هكذا

اما هى فكان سبب انعزالها هو داغر نفسه لكن ليس غضباً او حزناً منه بل لتستطيع تحضير هدية لعيد ميلاده .... لم تهتم كثيراً لحديث ريم بل قررت انها لو لن تحتفل بعيد الميلاد خاصته فعلى الاقل ستهاديه بشيء ما ... و بما انها من الصعب توفير مال خاص بها لتشتري به شيئاً ما .. قررت صنع هديته بنفسها

انكبت ترسم بورتريه خاص به لتهاديه اياه اليوم التالى و الذي سيوافق يوم ميلاده ...... وقد تم الامر

انتهت من الرسم بصباح اليوم التالى لتغلف اللوحة بورق الهدايا ..... نظرت نحو ريم لتجدها مازالت تغط بنوم عميق ... ابتسمت بحنان و قامت بالتعديل من هيئة الغطاء خاصتها ومن ثم تسللت من غرفتها الى غرفته .... تدرك انه غير موجود بالوقت الحالى حيث امتد دوامه لليوم السابق الى صباح يومنا هذا .... دلفت الى الغرفة بهدوء لتقف بمنتصفها ... تنظر بالانحاء بحيرة و توتر ... اين تضع هديتها و تكون امام ناظريه

اخيراً اهتدت الى وضعها على الفراش مباشرة دون اى تمويه ... تحركت نحوه و وضعتها فوقه ومن ثم وقفت تحدق بالمكان بإشتياق له .... لتتذكر ... مضت فترة طويلة لم تستطع الحديث معه بأريحية و أمان ... لطالما كانت تخشي من قول ما قد يغضبه لينتهي الامر اخيراً الى غضبه بدون اى سبب تعلمه .... تنهدت بحزن ومن ثم التفت نحو الباب لتغادر قبل مجيئه .. لتتيبس قدماها بمكانها فور رؤيته يراقبها منذ مدة كما يبدو ..... يقف مكتفاً ذراعيه امامها يطالعها بملامح جامدة احتارت فى تفسيرها

دلف الى منزله وسط سكون الجميع تنهد بتعب فالساعة الان السادسة صباحاً ... و اخيراً انتهى من عمله و عاد ليحصل على بعض الراحة .... توجه مباشرة نحو غرفته ليجد الباب مفتوح .... تعجب لهذا الامر ليقترب اكثر و ينظر بداخل الغرفة ليجدها هى تقف بسكون غريب... ملامحها تحمل الكثير و الكثير لكن اكثر ما يتضح بها هو الحزن و الخيبة .... يعلم بسبب ماذا و من المتسبب الرئيسي لها لكن ليس بيده فعل اى شيء ... يكفيه عذابه هو و حرمانه من اكثر ما يشتاق الى امتلاكه .... لحظات حتى وجدها تلتفت نحوه متفاجئة من وجوده و قد احتلت وجهها ملامح الخوف و الذعر ..... ملامح جعلته يكره نفسه و ظروفه ...... تحرك نحوها ومن ثم تجاهلها تماماً متوجهاً نحو الفراش ملتقطاً هديتها هاتفاً بسخرية

داغر : ايه دي ؟

ابتلعت ريقها بتوتر و بللت شفتيها قبل ان تجيب بقلق

تاج : هدية

داغر : هدية ؟

تاج بخوف : عشان عيد ميلادك

تجهم وجهه ليتقدم سريعاً نحوها يمسك ذراعها بقوة بعد القائه للهدية ارضاً بغضب

داغر : عشان ايه ؟؟؟؟؟

توجعت اثر امساكه لها لتصبح على وشك البكاء

تاج : آآآه ...... دراعي يا داغر .... انت بتوجعنى

داغر بغضب : انا قولت ايه بخصوص دخولك اوضتى ... هااااا ... انطقي

تاج ببكاء : انا كنت هحط الهدية و اطلع

داغر بصوت منخفض حتى لا يسمعه باقي سكان المنزل: ومين قال انى عايز زفت .... ها ... حد طلب منك ؟ ... فاكرة نفسك مين عشان اقبل منك ومقبلش من غيرك .. و بعدين جبتى فلوس منين ... من امى ولا من ريم

تاج ببكاء : انا مخدتش حاجة من حد و بعدين انا حبيت اهاديك بحاجة عشان اللى بتعمله عشانى .... مكنتش اقصد انى اخالف كلامك والله .... انا آسفة

نظرت نحوه بتلك الاعين التى لا يستطيع التماسك امامها ليغض نظره عن عيونها محولاً اياها نحو باقي ملامح وجهها لتستقر عيناه على شفتيها المرتجفتين .... ذفر بضيق مستغفراً ربه ومن ثم تركها سريعاً لتمسد مكان مسكته بوجع ... نظر نحو ذراعها ليجد اثار اصابعه قد حُفرت عليه ليزداد غضبه و يهتف بغضب

داغر : امشي .. امشي ... اخرجى برة و ارحميني ... كفاية اوى كده .... بررررة

ظلت تحدق به ببلاهة لتتوقف عن البكاء ومن ثم تتجمد ملامحها لتهتف بعدها

تاج بعذاب : ليه ؟؟؟

ظل ينظر نحوها بتساؤل ... لتعيد سؤالها بشهقة خرجت منها دون ارادتها

تاج : ليه بتعمل فيا كده ؟ ليه مُصر تعذبني ؟ ليييييه ؟

هتفت بها بقهر و صراخ ليتقدم نحوها بخطوات واسعة يمسك كتفاها بقوة و يحدق بها بضياع

كان يحاول بصعوبة التماسك امام بكائها المُهلك لأعصابه

داغر بغضب و ضياع : صوتك ميعلاش و اهدي شوية كفاية عياط .. فيكي ايه؟

يسألها .... يسألها عن حالها ... عن حزنها ... و هو اكثر من يشعر بها و بجرحها فهو المتسبب به

نفضت يداه عن كتفاها بقوة لتعود خطوة الى الوراء هاتفة

تاج ببكاء : اهدى !!!! ... انت عارف اللى فيا .... ليه ؟ .. ليه بتعمل كده ليه بتبعدنى عنك وانت عارف .... عارف اللى حساه ناحيتك .. عارف انى .... بحبك

هتفت الاخيرة بهمس و خجل يشوبه الحزن و القهرة

تسمر بمكانه اثر اعترافها المفاجئ ...... ليس بالجديد معرفته و ادراكه لمشاعرها نحوه فتصرفاتها بالفترة الاخيرة اكدت شكوكه ... لكن ما فاجأه حقاً هو اعترافها له و الآن تحديداً

مسح على وجهه بتوتر ومن ثم هتف بقوة

داغر بعصبية و صراخ : انتى اتجننتي .... دي مراهقة ... مراهقة افتقدتيها السنين اللى فاتت ... كنتى منعزلة عن الكل و ... انا .... ثم اكمل بسخرية حزينة .... انا مش اكتر من شخص حاول يتقرب منك ويفهمك و نتيجة لده شوفتيه كل دنيتك وبقى كل شيء فيها .... ده مش حب .... ممكن يكون اى حاجة الا الحب

نظرت نحوه بحزن و قد علت شهقاتها لتردف بضعف

تاج : و انت ؟

داغر بتوتر : انا ؟

تاج : ايوة انت .... انت مش حاسس بحاجة ناحيتي ؟ .... ثم هتفت بأمل طفولى اوجعه ....... حاسس صح ... انا مكنتش بتخيل خوفك و معاملتك المختلفة اللى بتكون معايا انا بس ... حنيتك .. اهتمامك ... ضحكتك اللى مش بيشوفها غيري واللى حصل بين يوم ال.........

توتر إثر مواجهتها له ليتحرك نحوها قابضاً كفيها بين يديه ليردف بهدوء و ثبات مصطنع

داغر : تاج ... انا سبق و قولتلك ان دي كانت غلطة وانك زي اختى و .......

سحبت كفيها بقوة لتصرخ بهيستريا

تاج بحدة و قوة : لا لا لا .... انا مش اختك .... انت مكنتش تعرف عنى حاجة من سنة واحدة بس .... كنت عايش حياتك وانا كذلك .... انت ليك عيلتك وانا كان ليا عيلتى ....... انت داغر الاسيوطى وانا تاج الـ................

هنا توقفت عن الحديث لتنظر نحوه بتفاجؤ ومن ثم نكست رأسها بإنكسار و ضعف

تاج : و انا تاج ..... تاج و بس ..... ثم رفعت عيناها نحوه ومازالت لا تقوى على النظر بعيناه ....... عشان ده مش كده ؟ ........ عشان انا تاج و بس .... وانت انت العقيد داغر الاسيوطي .... ازاى ممكن تحب واحدة ملهاش لا اصل ولا فصل .... واحدة عطفت عليها و دخلتها بيتك عشان تحميها ........ واحدة ملهاش اب تفتخر بيه قدامك و قدام كل الناس ..... مش كده ؟؟؟ مش هو ده السبب ؟

تسائلت بضعف و بكاء ... ترجوه ان ينفي كل ما قالته .... سيفعل ... نعم سيفعل ...... هي تعلم انه ليس بذلك الشخص الذي قد يستغل نقط ضعف غيره لصالحه ... و بالتأكيد لن يفعها معها هى .... تاجه .... أليس كذلك ؟

تحرك داغر بثبات ليوليها ظهره ومن ثم خرج صوته البارد وقد شعرت انه يأتى من على بعد اميال ليردف بهدوء

داغر : بالظبط كده ...... انتى مين ؟ بنت مين ؟؟؟ اهلك فين و فين اراضيهم ؟؟؟؟ ... تنهد بقوة ليردف مصطنعاً القسوة فى حين كان قلبه يتآكله الألم و الحزن ...... انا محبتش يحصل بينا المواجهة دي بسبب ان ردي هيجرحك بس انتى وفرتي عليا كتير اوى بكلامك ده ..... ثم التفت نحوها يطالعها بجمود تراه لأول مرة ........ انا معنديش اي مانع فى وجودك بينا و اكيد انتى شوفتي ده و عمرك ما حسيتى منى بأي تقصير .. لكن ....... كأخوات مش اكتر .... قبلتى .... هتلاقيني اخ و صديق و ضهر ليكي .... رفضتي يبقى متتوقعيش منى اكتر من التعامل برسمية لحد ما وضعك و مشكلة حمايتك تتحل و ساعتها كل واحد هيروح فى حاله

تاج بألم : بس انت كده بتوجعنى ... انا معملتش حاجة غلط ... انا بس حبيتـ.......

داغر مقاطعاً : تااااااج ... انا اللى عندي قولته ومن فضلك لو استمريتي فى الكلام ده يبقى منتكلمش افضل

ولأول مرة شعرت بالكره ليس اتجاهه بالطبع فهى لن تستطيع فعلها بل بالكره اتجاه نفسها .... بإتجاه قلبها الذي وضعها بهذا الموقف و بتلك الصورة ..... كرهت ضعفها و تخاذلها امامه لتطأطأ رأسها فى مشهد نزف قلبه لمرآه .... تنهد بتعب ليردف بهدوء

داغر : روحي نامي يا تاج .... كفاية اوى كده

رفعت رأسها اتجاهها ومن ثم اردفت بوجوم

تاج : عندك حق .... كفاية اوى كده ... عن اذنك

ومن ثم تحركت الى خارج الغرفة نحو غرفتها .. و فور اختفاء طيفها من امامه أنهار هو ارضاً بتعب و ندم لتسقط دمعة يتيمة على خده مسحها بقوة ليردف بعدها هامساً

داغر : آسف .... جرحتك و وجعتك كتير ... بس ان اسمك يرتبط بإسمي .. صعب ... صعب اوى واحنا بينا ناس كتير ...... ثم رفع رأسه يدعو ربه برجاء .... ارحمها ياااارب و ريح قلبها من وجع انا سببه ..... و ارحمنى و اهديني و اجعلها نصيبي ولو حتي بس فى جنتك ... آمين يااارب
يتبع

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-