روايات حديثة

رواية الداغر الحلقة الثالثة


الحلقة 3. لقاء

بعد يوم من الحادث

بغرفة الطبيب يجلس فى انتظار انتهائه من جولته المعتادة لفحص مرضاه .... و بعد مرور فترة ليست بالطويلة دلف احدهم الى الغرفة ليلتفت داغر نحوه فيجده رجل فى الثلاين من عمره يرتدي معطفه الابيض و الذي استنتج منه انه الطبيب شرف الدين ... نهض من مجلسه ليواجه الطبيب ماداً كفه ناحيته ليفعل الاخر المثل

شرف الدين : العقيد داغر مش كده؟

اومأ الاخر قائلاً

داغر : دكتور شرف الدين ؟

شرف الدين بإبتسامة : ايوة انا ... اتفضل يا افندم

ومن ثم اتجه شرف الدين نحو مكتبه ليجلس خلفه ... يشبك يداه موجهاً نظراته نحو داغر بالاهتمام

شرف الدين: بلغوني ان حضرتك طالب تشوفنى .... ازاى اقدر اساعدك ؟

تنحنح داغر بجمود ليردف

داغر : تاج ال ......... صمت لحظات يحاول تذكر اسم عائلتها او والدها ليقاطعه صوت الطبيب بإبتسامة متفهمة

شرف الدين: تاج ...... هى تاج بس

داغر : حضرتك عارف انا اقصد مين !!!

اومأ الاخر ليردف

شرف الدين: ايوة هى تاج واحدة بس فى المستشفى و اظن بعد اللى حصل امبارح فمش هتسأل غير عنها

داغر بشرود : بالظبط ... هى تاج ...... ثم اردف بإهتمام ...... حابب اعرف كل شيء يخصها

شرف الدين: بصفتك ؟

داغر : آآ ........

شرف الدين مقاطعاً : متحاولش تستخدم سلطتك معايا ... احنا مستشفى خاص و انا معروف عنى التزامى فياريت تقولى السبب الحقيقي لاهتمامك ... تاج مش معروف لها اى اهل او صحاب فمتحاوش تكدب و تقول انك تعرفها شخصياً

حدق به بغيظ فى حين بادله الاخر بنظرات تحدى و استفزاز ليردف بإستسلام بعد حرب من النظرات

داغر بتنهيدة : ممكن تقول عنى مجنون او مش طبيبعي بس انا و هى كل اللي يربطنا احلام

شرف الدين: افندم ؟

ذفر الاخر فى ضيق قبل ان يجيبه

داغر : من سنة تقريباً و هى بتجيلي يومياً فى احلامي ... بدون كلام .... بتظهر بس ... مرة تضحك مرة تعيط ... زعلانة فرحانة بس دايماً تجيلي كل يوم و عمرها ما غابت .... فى الاول محطتش الموضوع فى دماغي ... قولت ضغط شغل لكن كوني اجي هنا و اشوفها ..... يعنى هي موجودة فى الحقيقة ده اللى مش لاقي له تفسير

كان شرف الدين يستمع اليه بإهتمام و تلك الابتسامة مرسومة على ثغره ..... عيناه تلمع بإعجاب و لهفة و فرح .... و كأنه شهد على امر تاريخي لم يسبق حدوث مثيل له

تنحنح بقوة ليردف بعدها

شرف الدين بدهشة : لو اللى بتقوله ده صحيح فهو ملوش غير تشخيص واحد و هو تخاطر الاحلام

داغر بدهشة : تخاطر احلام ؟

شرف الدين : حالة بتحصل نادراً و بيبقى فيها الشخص بيحلم بحد معين لفترة ما و ده بيكون ناتج عن تفكيره فى الحد ده كتير او تفكير الشخص التانى فيه
انما فى حالتك انت و تاج و كونك انك متعرفهاش فده الغريب فعلاً ... بس الاكيد هو ان في شيء بيربطكم ببعض

داغر : مش فاهم .... يعنى ايه ممكن يربطنى بيها

شرف الدين بحيرة : مش عارف بس اللي اقدر اعملهولك انى احكيلك كل شيء خاص بحالة تاج يمكن تقدر تساعدها

داغر : اساعدها ؟ انا ؟

اومأ الاخر ليردف مفسراً

شرف الدين : من 3 سنين بالظبط وصلت حالة ما لمستشفى خاص .... بنت عندها 17 سنة مصابة بنزيف فى الرأس لقاها شخص فى مكان مهجور ونقلها فوراً للمستشفى ... بعد تحاليل و اشعة اكتشفو اصابتها بطلق نارى فى الرأس

اتسعت حدقتا داغر بذعر ليردف بتساؤل

داغر : انت .. انت بتتكلم عنها

اومأ الطبيب بهدوء

شرف الدين : لما وصلت كانت فاقدة الوعي و التحاليل اظهرت ان الرصاصة استقرت فى مكان صعب استئصالها منه بعملية جراحية .... طبعاً فى الحالات دى موت المريض بيبقى هو الشيء المتوقع

ابتلع الاخر ريقه بتوتر غير ملحوظ ليومأ يحثه على اكمال حديثه

شرف الدين : بما ان مكنش معاها اى اثبات شخصية لصغر سنها فالمستشفى قررت وضعها على الاجهزة لمدة يوم على اعتبار انها دخلت فى غيبوبة و بعد كده بيشيلو الاجهزة لو مظهرش اى حد من اهلها ... المهم .... تنهد بعمق ليردف ...... قبل ما يعدى اليوم ده كانت هى فاقت بدون اى اثار جانبية من اصابتها باستثناء فقدان الذاكرة و صداع بسيط اتداوى بمسكنات ...... طبعاً دى كانت معجزة ..... بتحصل بس نادراً جداً

قاطعه داغر متسائلاً بدهشة لم يقوى على اخفائها

داغر : لحظة واحدة .. حضرتك بتقول رصاصة فى الراس و صحت فى نفس اليوم ؟

اومأ شرف الدين بابتسامة

شرف الدين : فى حالات اصخم من كده .... مش بيكتشفوا اصابتهم اصلاً الا بعد فترة ..... المهم ان مش دى هى المفاجأة .... الشيء المدهش فعلاً انها رجعت تانى للغيبوبة او اللى افتكروها هما غيبوبة

داغر : اللى افتكروها؟

شرف الدين بضحك : الاخت كانت نايمة ........ مجرد نوم عادى جداً باستثناء شوية حاجات ....... عقد حاجبيه متسائلاً ليردف الاخر موضحاً حديثه ....... كل الموضوع انها مصابة بمرض نفسي نادر واللى اكتشف اصابتها بيه دكتور زميلي شغال هناك.... مرض النوم المتواصل وده اللى خلاها تنام فترة طويلة بعد كده وكانو فاكرينها فى غيبوبة فعلاً

داغر : فترة كبيرة ... انت مش قولت انهم مش بيسمحو يوجودها لو اهلها مظهروش ... وهى كانت فاقدة الذاكرة .. يبقى ازاى ؟؟؟؟؟؟

اومأ الاخر ليردف

شرف الدين : كلامك صح ... لو اهلها مظهروش ... بس لو ظهر فاعل خير اهتم بتكاليف المستشفى فأكيد هيستقبلوها و يعاملوها احسن معاملة..... وده اللى حصل

داغر : فاعل خير ؟

شرف الدين : بالظبط .. فاعل خير غير معروف ... اهتم بالتكاليف الخاصة بيها لغاية ما اتحولت على هنا و لغاية الان بيتكفل بيها

داغر : و ده يبقى مين ؟

شرف الدين : محدش عارف ... البوليس حاول يدور وراه يمكن يكون له دخل بإصابتها او على الاقل على علاقة بيها بس مفيش فايدة ... موصلوش لحاجة ويبقى الوضع على ما هو عليه

انهى الطبيب حديثه ليعم الصمت ارجاء الغرفة قبل ان يقطعه داغر

داغر : عايز اقابلها ..... محتاج اشوفها

تنهد شرف الدين بعمق

شرف الدين : ماشي بس فى شوية حاجات لازم تعرفها قبل ما تقابلها


فلاش باك

شرف الدين : تاج اتصابت و هى عندها 17 سنة .... ساعة ما فاقت و اكتشفت انها مش فاكرة اى حاجة غير اسمها جالها انهيار عصبي و كانت مصابة برهاب اجتماعى لفترة.. بقت بتهرب من ده بالنوم واللى ساعدها مرضها..... النوم المتواصل لفترات طويلة .... ممكن يوصل لكذا يوم او اسبوع او شهر وساعات سنين ... حسب الحالة النفسية للمريض ... بيبقى عبارة عن نوبات بتيجى على فترات ...... بالنسبة لحالتها ووجودها هنا فالنوبات كترت و نتيجة لده امتنعت عن الاختلاط بأى حد او الكلام معاهم .. فياريت تراعى ده لما تقابلها و متضغطش عليها عشان ده ممكن يأثر عليها بالسلب

نهاية الفلاش باك

استيقظ من شروده ليجد نفسه مازال يقف امام غرفتها ... تنهد بقوة قبل ان يرفع كفه و يدير مقبض الباب و من ثم دلف بهدوء الى الداخل ....فور دخوله انتقلت نظراته بلا ارادة نحو الفراش ليجده خالى تماماً من وجودها .... دارت عيناه بأرجاء الغرفة بحثاً عنها ليراها اخيراً بإحدى زوايا الغرفة تتناول الطعام بهدوء .... ظل يراقبها للحظات قبل ان يتحرك نحوها حتى وصل امام الطاولة الصغيرة الموضوع عليها الطعام .... تنحنح بقوة ليلفت انتباهها لوجوده و مشاركة احدهم لها بالغرفة لكن دون جدوى مازالت منكبة على الطعام تتناوله بشراهة ملحوظة ... عقد حاجبيه بدهشة ليتوجه بحدقتاه محدقاً بطعامها ليجدها قد انهت وجبة كاملة و بدأت بالاخرى بل و اوشكت على انهائها .... طعام كثير بالنسبة لطفلة بحجمها ..... ارتسمت ابتسامة صغيرة على ثغره قبل ان يتحرك ليجلس بالمقعد المقابل لها ليتنحنح مرة اخرى لكن ايضاً دون اى رد فعل من جهتها

داغر : مش كفاية ؟؟؟؟

لاحظ اجفالها و توقفها عن تناول الطعام لثوان قليلة ثم سرعان ما عادت لاستكمال ما تفعله ليردف مرة اخرى

داغر : هتتعبي كده .. كفاية اكل

لا رد

داغر : بالمنظر ده هتتخني مش كفاية انك قصيرة اصلاً

ها هي تتوقف عن طعامها لترفع عيناها نحوه لأول مرة تحدجه بنظرة مغتاظة زادت من اتساع ابتسامته فقد حقق مراده اخيراً و حصل على استجابة منها

استغل تحديقها نحوه ليمد يده نحوها قائلاً بثبات

داغر : العقيد داغر الاسيوطى ..... ثم شملها بنظرة سريعة ليكمل بإبتسامة جانبية ..... او داغر بس بالنسبالك

امالت رأسها لليمين تحدق به بثبات و قد اختفت اخيراً نظراتها المغتاظة لتحل محلها نظرات اخرى لم ينجح فى معرفة كينونتها تلك المرة .. ظلت يداه معلقة بالهواء ليعيد النظر اليها و من ثم اعادها بجانبه مرة اخرى ... استرسل بحديثه

داغر : تاج ؟؟؟

حصل على استجابة اخرى منها لكنها كانت تتلخص فى تجاهلها له و نهوضها متجهة نحو الفراش لتجلس عليه نصف جلسة و قد ضمت قدماها الى صدها مستندة بوجنتاها على ركبيتها .. تامل جلستها تلك للحظات قبل ان يتحرك هو الاخر مقترباً نحوها بهدوء ليجلس على طرف الفراش يتأملها بإهتمام

بدت كآية من الجمال ،كلوحة من زمن سحيق .. خاصة بأشعة الشمس اللامعة علي بشرتها يكاد يقسم لو أن داڤينشي رآها لاستبدلها بالموناليزا ولتكون هي " تاج " ثامن عجائب الدنيا السبع .... نظر اليها ليرى رماديتها ساهمة النظر من النافذة ،حاول لفت انتباهها اليه بشتى الطرق لكن لا شئ ..... لم يرف لها جفن

اعاد سؤاله مرة اخرى

داغر : اسمك تاج مش كده ؟

تفاجأ برأسها ترتفع نحوه تطالعه باهتمام ... لم تحيد بأنظارها عنه لكن وجهها مازال يخلو من اية تعابيرمفهومة ،علي الرغم من ذلك ظن داغر أنه أحرز تقدماً ... حاول أن يسألها

داغر : فاكرة اي حاجة عن طفولتك ؟

خُيل لع رؤية لمعة حزن في عينيها لكنه ظن أنها مخيلته ، جلس برهة دون أي استجابة منها يحاول أن يفكر فيما يجب أن يتحدث فهو لا يعرفها لكنها تزوره كل ليلة بأحلامه ... يحفظ ابتسامتها ... شاركها اللعب علي الرمال ذات حلم .... رائحتها وضحكاتها محفورة داخل ذاكرته ، حاول أن يستغل ذلك لصالحه ليردف فجأة

داغر :بتحبي البحر؟

نظرت له نظرة متسآلة او هكذا ظن ،جلس يحاول أن يحرك شفتيه ببطئ متناسياً انها ليست مريضة بمرض عقلي

داغر بضياع :بحر، موج .. رملة اي حاجة ؟

خطرت فكرة بباله .. ليخرج هاتفه المحمول ومن ثم فتح صور لشواطئ و بحار واقترب منها اكثر ليعرض الصور عليها و لشدة دهشته اتسعت عينيها بلهفة ولاح شبح ابتسامة علي شفتيها ولأول مرة قامت برفع يدها اليمني تتلمس شاشة الهاتف كأنها تسترجع ذكري قديمة أو مجرد حلم ؟؟

داغر بلهفة : بحر ..... يعنى فاكرة صح ؟ احنا اتقابلنا و .......

نقلت عيناها من الهاتف اليه تطالعه بأعين متسائلة حائرة

داغر : ايوة اتقابلنا ... ثم اكمل باحباط ...... فى الحلم

شعر و كأنه عاد لنقطة الصفر لكن سرعان ما عاد لدهشتة عند رؤيته لابتسامتها الواسعة و تمسكها بذراعه بشدة و من ثم تحركت سريعاً تلتقط من الطاولة بجانب الفراش دفتر للرسم لم يلحظه منذ دخولها لتشرع بعدها برسم شيئاً ما شهق هو لرؤيته فور انتهائها

داغربتقطع اثر دهشته : ده ..... ده تاج .... ثم استرجع ذكرياته على الشاطيء مردفاً ... الرسم على الرملة

نظر نحوها بتساؤل ليجدها تومأ بابتسامة واسعة و اعين دامعة

بعد عدة ايام

كان بمكتبه يسترجع ذكرى زيارته الاولى لها و ما تلى تعارفهم من حديث شيق .. بالطبع من جهته هو فلقد التزمت الصمت كما هى فقط كانت تتفاعل معه بحركاتها و قد اخبره طبيبها انه تقدم ملحوظ و مبشر نظراً لحالتها

استيقظ من افكاره على صوت صديقه رامي يدلف بمزاحه المعتاد

رامي بمرح : الجميل سرحان في ايه ؟

داغر بتعب : خير يا زفت فى ايه ؟

رامي : اقوله الجميل يقولى يا زفت يا اخي حس بيا شوية و كلمني عدل

داغر : رامي و حياة خالتك تسيبني فى حالى انا دماغي مشغولة بمليون حاجة

رامي بمرح : ما هى خالتي دي تبقى امك ..... طالعه داغر بغضب ليتنحنح بتوتر محاولاً تدارك الامر ..... المهم ... مالك يا سيدي مشغول بإيه ؟

داغر بتنهيدة : طارق مات

رامي بفرح : يا فرج الله ... طب و انت مزعل نفسك كده ليه

داغر متأففاً : لأن اللى عملها لازم له حماية .... انت عارف اللى كانو ورا طارق

رامي بتذكر : قصدك البت دي ..... سامر قالي عليها ... دي عيلة يا ابني

تنهد بضيق

داغر : لا ومش كده وبس لا دي كمان مريضة فى المصحة .... طب دي تتأمن ازاى قولى انت

رامي : و انت مالك ؟

داغر بإندفاع : انت بتستهبل بقولك فى خطر و مينفعش اسيبها .... ثم تدارك نفسه ليردف متحججاً ..... و بعدين عماد باشا كلفنى بيها

رامي بخبث : بقى كل ده عشان عماد باشا .... الا قولى يا داغر هى البت دي كام سنة

داغر و قد فهم ما يقصد : و انت مال اهلك .... قوم قوم خلينا نمشي .. خالتك قالت انها عزماك على الغدا معانا النهاردة .... قوم يلا

رامي : حبيبتي يا خالتى دايماً حاسة بيا ... يلا يلا خلينا نلحق صينيه الرقاق باللحمة المفرومة

رفع الاخر احدى حاجبيه بدهشة

داغر : و انت عرفت منين هى عاملة ايه ؟

رامي بتلعثم : اصل آآآ........

داغر بوعيد : بتكلمها و توصلها اخباري مش كده ........ و بالمرة تسأل عاملة اكل ايه .... ها اشجيني .. انت اللى عازم نفسك النهاردة مش كده

رامي : ياعم فكها بقى يعنى مستخسر فيا صينية الرقاق ... فينك يا خالتى تيجي تشوفي ابنك المفجوع

داغر : بقى انا مفجوع يا ابن ال ............

رامي بمرح و قد استعد للفرار من امامه : ما هي خالتك ... هتشتم خالتك يا دودو

اتسعت عينا الاخير قبل ان يجز على اسنانه بغيظ ليعدو خلفه هامساً

داغر : دودو .... ماشي يا ابن امك اتلايم عليك بس

ومن ثم تبع الاخر الى خارج المبني متوعداً له عند وصولهم للمنزل

...................
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-