روايات حديثة

رواية زهرة اصلان الفصل الرابع عشر


 ا
لفصل الرابع عشر


- ما أن أدخل الجد أم أحمد وصل محمد باﻷدوية التى كتبها لهم الطبيب ....
والذى طلب من السيدة نعمة و أم أحمد الانتباه له وهو يضع المحلول ل
زهرة ليتابعوها بعد مغادرته .... ثم ألقى عليهم باقى تعليماته وغادر
بصحبة محمد .... دخل الجد ثانية لغرفة زهرة وتأثر لبكاء أم أحمد ونعمة
اللتان تحاوطان زهرة .... كذلك جاءت سوما وأسماء للاطمئنان عليها وورد
و فاطمة وبعد مغادرة الجميع ظلت أم أحمد والسيدة نعمة معها لرعايتها.
- أما ذلك الرابض بمكتبه ينهشه قلقه و خوفه عليها و اﻷهم شعوره بالذنب
أنه سبب مرضها والذى يكاد يقتله .... أليس هذا ما أراده ؟ ..... أليس
هذا ما سعى إليه ؟ .... إذا لما ليس سعيدا ؟ .... لما يشعر بقبضة
تمسك قلبه ؟ .... لما تتشكل تلك الدموع السخيفة بعينه ولا تريد النزول
و كأنها حاجز له عن الانهيار ؟ .... لما يشعر باختفاء الهواء فجأة من حوله
حتى يكاد يختنق ؟


هو يعلم الإجابة التى تتشكل بأحرف كلمة" زهرة " والتى كانت بحياته
كالزهرة.... يعلم أنه يحبها بل ولها بها .... خاف عليها منه هى الرقيقة
التى من المؤكد لن تتحمل خشونته.... هى الصغيرة التى يصل طولها
لصدره وحجمه ثلاث أضعاف حجمها .... هى قطته الصغيرة الجميلة التى
لن تتحمل رؤية تشوهه .... لن تتحمل قوته عليها .... بالتأكيد لن تتحمل
و مع ذلك يحبها.... ومع ذلك يعلم أنه لا يستطيع بدونها .... هو الذى
يراقب حركتها و سكونها، كلامها و صمتها ، فرحها وحزنها ،ضحكها و
دموعها .... يالله هل من العدل أن يحبها هى .... هى لا تلاءمه بالمرة
.... ولكن ليس بيديه حيلة أو سلطة على قلبه .... كلما أراد الابتعاد عنها
يقترب أكثر .... كلما أراد أن يكرهها يحبها أكثر .... ماذا يفعل مع تلك
الزهرة التى أتت له برياح عاتية غيرت له حاله .... ألا سبيل للخلاص من
حبها ؟ .... ألا سبيل لنسيانها؟ .... أم أن الخلاص هو الغرق فيها ؟ ....
و النجاة هى التشبث بها ؟ .... الله وحده يعلم كم هو يحبها .... بسنه
يحبها .... بمكانته يحبها .... بتشوه جسده يحبها .
قضى ليله بمكتبه لم يزره النوم.... و كيف يزره وتلك التى وهبها روحه
راقدة بسببه ؟ .... يناجى ربه بقلبه .... ..... ..... ...... ...... .....

يالله أشفها لى .... و احمها لى و منى .... و أوهبها لى ....



وساعدنى على هذا الحب الذى ملك قلبى .

- فى صباح اليوم التالى استيقظت الجميلة النائمة .... أسرعت إليها أم أحمد
و السيدة نعمة فرحتان بها .... أما هى تعجبت لما هما حولها ؟ .... وأنها
تأخرت ثانية على معاد استيقاظها.... ثم سرعان ما تذكرت ما حدث لها من
نظرات أعينهم .... وأدركت أنها سقطت نائمة كعادتها حين تحزن .... و
كأنه ينقصها خذلان جسدها أمامهم .... فابتسمت لهما ابتسامة ضعيفة
يعلم الله كم غصبت نفسها عليها .... و حاولت النهوض من فراشها إلا أنها
سرعان ما شعرت بالغرفة تدور من حولها .... أسرعت أم أحمد لإسنادها

- أم أحمد وهى تساعدها :
على مهلك يا بنتى .

- نعمة : اسم الله عليكى يا حبيبتى ... رجعيها تانى يا أم أحمد على


السرير على ما تفطر .

- أم أحمد :
أحسن برده .... وأنا هجيبلك مع اﻷكل عصير مسكر عشان تفوقى
.... وبعدين نوديكى الحمام لو عايزة .
- أشارت لهم زهرة برأسها موافقة على كلامهم .... وقد أخذ الدوار منها
كل طاقتها حتى للحديث .... لذا أغلقت عينيها لاستعادة توازنها والتخلص
من الدوار .... اتجهت أم أحمد للمطبخ لتحضير الفطار و العصير لزهرة
و بشرت الكل فى طريقها بسلامتها .... مما أسعد الجد و ذلك العاشق
الصامت اﻵخذ من مكتبه المفتوح بابه دائما مقرا له لاستطلاع أخبارها ...
... وكذلك سوما وأسماء اللتان أرادتا الذهاب لها إلا أن الجد طلب منهما
الإنتظار حتى تأكل أولا وتستعيد توازنها .... وما كان هدفه من ذلك إلا
تأخير اللقاء بها حتى يتحدث معها أولا .... حتى يعلم خطوته التالية ....



و قد أقسم على أن يضع مصلحتها أولا ولا يقع بذلك الخطأ ثانية .

- راقبت السيدة نعمة ابنتها الروحية و هى تتمدد فى فراشها ثانية لتجنب
الدوار الذى أصابها ... أغمضت زهرة عينيها هربا من مواجهة من كانت
بمثابة أما لها فهى فى أضعف حالاتها ولا تستطيع استقبال نظرات اﻵخرين
التى سيكللها الشفقة والمواساة .... وتنهدت بحسرة فهى لم تتوقع أن
تكون معاملته معها بهذا الشكل بعد ما حدث بينهم من اعترافات عاطفية
سردتها قبلاته و تأوهاتها .... فتنهدت ثانية ونزلت من عينيها المغلقتين
دمعتان لم تستطع إيقافهما وظلت تطمئن نفسها أن كل شئ بخير ... بل
حملت نفسها سبب انفجاره بها فهو حذرها من ذلك عدة مرات إلا أنه فى
كل مرة يقودها قلبها اﻷحمق لمخالفة تنبيهاته لها .... فكيف له بكل هذه
الرجولة أن يحبها هى التى خرجت حديثا من ثوب مراهقتها ؟ .... بالتأكيد
لن تلفت إنتباهه .... بل زادت ا ﻷمر سوءا بالتصاقها به فجلبت عليها


شفقته و شفقة اﻵخريين .... وتذكرت أنه دائما كانت نظرات الشفقة
تحاوطها من قبل اﻵخريين على الرغم من جمالها الذى كان حديث الجميع
.... إلا أن شفقتهم أضعفت قلبها بشدة لذا كانت دائما تحاول ألا تثقل على
أحد ماعدا وحشها اللطيف الذى يجذبها بضخامته ووحشيته كما تنجذب
الفراشة للنار ....
- وعندما قابلها بالرفض واﻵخريين بالشفقة شعرت أنها قد اكتفت ... حقا
اكتفت .... اكتفت من رفض اﻵخريين لها هى الابنة التى تركها أبيها بعد
وفاة أمها فى عهدة عمتها التى يعلم الله أنها عاملتها كأبنة لها ألا أن
شعورها بأنهم ملزمين بها من قبل أبيها أو حتى أشفقوا عليها فلا أحد
يريدها ظل ملازما لها .... كذلك اكتفت من شفقتهم .... و اكتفت منه هو
.... فأقسمت فى نفسها على ألا تكون محل رفض أو شفقة ثانية ....
لذا لم تسمح لنفسها حتى أن تبكى أمامهم سوى تلك الدمعتان الغادرتان
اللتان خانتها ورأتهما السيدة نعمة التى حالما رأتهما اتجهت إليها و اكتفت
بالانضمام لها بالفراش و ضمها لأحضانها فقط دون كلام ... دون دموع ...
دون مواجهة .... فهى تشعر أن تلك السيدة الحنونة تفهمها بأنها لا تريد
شفقة أو تبرير من أحد و الذى لا يزيدها إلا خجلا من قلبها الضعيف الذى


لم يتحمل رفضه و جسدها الخائن الذى لم يتحمل إهانته لها أمام الجميع
وانهار ساقطا فى نوم لذيذ يشبه المسكن المؤقت لآلامها والتى سرعان
ما شعرت أنها بحاجة إليه لتخدير جروحها مؤقتا .

-حضرت أم أحمد الطعام لزهرة بعد أن بشرت زوجها وفاطمة وورد و
صعدت به لغرفتها إلا أنها توقفت بعد أن رأت السيدة نعمة تحتضن زهرة
و الأخرى نائمة مما جعلها تعود بالطعام ثانية .... و فى طريق عودتها
صادفت أصلان خارجا من مكتبه وقد تهدلت عليه ملابسه بشكل يوضح أنه
قضى ليلته به .... وعندما رآها تعود بالطعام سألها متعجبا فأجابته باقتضاب
عما رأته وتركته مسرعة للمطبخ دون أن يتمكن من قول شيئا لها .... مما
آثار سخريته فهو يعلم أن جميع العاملين بالمنزل يهابونه ولكن تلك القطة
الشقية قد أوقعتهم بحبها لدرجة اتخاذهم موقفا صارما منه و تجنبه ﻷول
مرة .... وانتبه من أفكاره على صوت خطوات على السلم لم تكن إلا ﻷمه
التى تتجنبه هى اﻷخرى منذ أن صرخ بقطته أمامهم .... فانتظرها حتى
أصبحت مواجهة له ثم صبح عليها وسألها عن أحوال زهرة فلم ترد على صباحه على غير العادة وأجابته على الثانية باقتضاب
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-