روايات حديثة

رواية الداغر الحلقة الاولي

الحلقة 1. تاج

يعدو ... يصرخ .... بلا مجيب .... ينقل انظاره القلقة بأرجاء المكان ... المكان ؟؟؟؟ هو ليس بمكان فكل ما يراه هو الفراغ ... الظلام الحالك ..... عاد يهتف منادياً اياها لكن ... هل يعلم من هى ؟... هل يدرك بما يناديها ؟ .. اسمها؟ .. صلتها به ؟ ........ لاشيء سوى زيارتها له كل ليلة ... تظل تتطلع نحوه بصمت مريب ... مخيف ... ثم ما تلبث أن تبتسم ابتسامتها الساحرة و كعادتها كل ليلة تعدو مبتعدة عنها ويظل هو يعدو خلفها منادياً اياها مطالباً اياها بالتوقف بلا جدوى

لكن تلك الليلة كانت تبكى ... تتألم من امر ما .... ازعجه بكاءها فهو لم يألفها حزينة .. لطالما رأي بسمتها و استمع لضحاتها تملأ المكان لذا .. مابالها اليوم حزينة ... نظراتها تطالبه بالمساعدة والعون تساءل بقلق

............... : مالك بتعيطي ليه ؟ .. ثم اردف بحدة و انزعاج ..... متعيطيش

استمرت ببكاءها الطفولى ليتململ بقلق و توتر

.......... : فى ايه احكيلي ؟ ..... طب بلاش تحكيلي قوليلي انتي مين و عايزة منى ايه ؟؟

توقفت عن بكائها فجأة لترفع انظارها نحوه تنظر اليه من بين اهدابها المبللة بدموعها ... ظلت هكذا لفترة قبل ان تحرك شفتاها برتابة .... تتحدث لكن لا يستطيع سماعها ... يشهد حركة شفتيها محاولاً ان يستشف كلامها لكن دون جدوى

............. بصراخ : بتقولي ايه ؟؟ مش سامعك

لاحظ حركة شفتيها والتى زادات سرعتها و انفراجها دليلاً على محاولتها لرفع نبرة صوتها لكن دون جدوى فهو لا يستطيع سماع حرف واحد من حديثها

حرك رأسه بيأس لتحتل وجهها ملامح الخيبة و اليأس.... توقفت عن الحديث و عادت لصمتها و تأملها له ....... ثم سرعان ما تحركت نحوهتمسك بيداه فجأة ليتحول جسدها دون اى سابق انذار الى نار مشتعلة تحرقها وتحرقه معها

................ : داااغر دااااغر انت يا ابنى اصحى بقى كفاية نوم

استيقظ هذا الاخير ليفتح حدقتاه عسلية اللون ببطء و يتأفف بعدها من صراخ صديقه

........... : يا برودك يا اخى حد يجيله نوم قبل المداهمة على طول ....... ايه .. اعصابك دى تلاجة ؟

اعتدل داغر بجلسته خلف مقود سيارته .. نظر حوله محاولاً استيعاب كونه قد غفى لفترة ليست بالقصيرة زارته فيها صغيرته ..... بقي للحظات حتى استعاد وعيه تماماً وادرك انهم على وشك مداهمة احدى اوكار تجار المخدرات المعروفين لديهم بالأمن الوطنى

رفع كفه ليضغط بأصابعه اعلى انفه مغمضاً عيناه بتعب ليردف

داغر ببرود : بطل رغي يا رامي مش عايز صداع ..... ايه الاخبار؟

رامي بمرح : كله تمام و الامن مستتب

نظر نحوه بسخرية ليردف بتهكم

داغر : مستتب ؟؟؟ .... الله يسامحه اللى دخلك الشرطة ........ ثم نظر الى ساعته ليكمل بجدية ........ يلا بينا .. بلغ قوة (أ) تستعد و (ج) تستنى و متأمرش بفتح النار الا لما اديك الاشارة

انهى حديثه ليومأ له رامي بهدوء تبع ذلك خروج داغر من السيارة بخفة راكضاً نحوه احد الفلل الفارهة يحتمى بجدار ما بجوار البوابة الحديدية قبل ان يشير بيده فى الهواء كأشارة منه لبدء الاقتحام

بدأت القوات بتتبعه ليقوم نصفهم بحماية ظهره فى حين توجه هو وباقي فريقه داخل الفيلا

مضى وقت ليس بالقصير و رامي يقف بالخارج مع قوته (ج) يراقب الجو بتوتر قبل ان يهتف به احد مساعديه

كرم : مش طولو يا باشا ؟؟؟؟

نظر رامي نحوه بقلق ليردف

رامي : بيتهيألي .. بس داغر أمر نستنى لغاية ما ناخد الاشارة منه

كرم بجدية : تمام يا افندم

طال انتظارهم و حاول رامي الحديث مع رفيقه عبر اللاسلكي الخاص بهم لكن دون رد .. اضطرب رامي بشدة فتشوش الاشارة سبب المزيد من التوتر و الذعر

رامي : لا بقى مبدهاش

و اشار لقوته بالتقدم و اقتحام الفيلا كما فعل صديقه منذ دقائق

فور اقتحامهم المكان وجدوا قائدهم يقف بثبات فى منتصف ردهة المنزل فى حين كان يوبخ كبير الفرقة و قائدها الاصغر

هز صراخه ارجاء القصر و قد وقف الجميع ينظرون ارضاً بقلق وندم

داغر : فاكر نفسك شغال فين عشان تغلط غلطة غبية زي دي ...... لتكون فاكرنا بنلعب هنا ..... حضرتك كنت فى اخر اختبار ليك عشان تقود بنفسك الفرقة بعد ما اسيبها انا .... هتكون مسئول عن ارواح ... غلطة صغيرة و يروحو ورا الشمس

القائد الاصغر : يا داغر باشا انا وصل ليا ان الصفقة هتتم هنا

اكفهر وجه الاخر غضباً من حديثه ليتقدم نحوه يقبض على مقدمة ملابسه

دارغر بصراخ : وصلك ؟؟ ...... مفيش حاجة اسمها وصل ليا .... فى حاجة اسمها متأكد و واثق

ثم لفظه من بين يديه ليرتد جسده للخلف و ينظر ارضاً ندماً على خطأه

القائد الاصغر : اوامرك مطاعة يا باشا .. شوف ايه العقاب اللى يناسبني

داغر برسمية : دى مش اوامري انا .. ده اللى المفروض يحصل ... ترقيه سعادتك هتتأجل و هتمر بكل الاختبارات تانى و هيتوصى عليك ........ فااااهم ؟؟ .... ولمعلوماتك فى عشرات غيرك بيتمنو يمسكو الفرقة دى من بعدى لانهم عارفين شغلى كويس فالأحسن تنتبه لنفسك و تشوف شغلك عِدل

القائد الاصغر بحزن و غضب من نفسه : تمام ياباشا

حدق داغر به بصمت للحظات ثم نقل انظاره لباقى الفريق قبل ان يهتف

داغر : القوات ترجع للمركز و العملية يُعاد تخطيطها .... ثم وجه انظاره نحو القائد المُعاقب ....... و انت مكلف بمعرفة الصفقة الجاية هتتم فين و لو محصلش اعتبر اختباراتك كمان اتلغت و انسى الترقية خالص....... ليصرخ بعدها ....... الكل انصرااااف

تحركت القوات بهدوء الى الخارج فى حين تقدم رامي من داغر

رامي : داغر هدي اللعب شوية ده انت غسلته

داغر بجمود : هو فاكرني هطبطب عليه بعد اللى هببه ده

رامي : بس برضو ...

داغر : رامي ده شغلي فمتدخلش بدل ما تتعامل زيك زيه .... يلا خلينا نمشي

ثم تحرك متجهاً الى الخارج فى حين نظر رامي فى اثره هاتفاً

رامي: مش بعيد عنك انك تعملها ماهو كان نفس دفعتك و لسة مهزقه قدام اللى اقل منه .... ملكش امان يا صاحبي

ثم تبع صديقه و رئيسه بالفرقة الى الخارج

باحدى القصورالفارهة يجلس رجل يبدو فى نهاية العقد الخامس من عمره بثبات و غرور خلف مكتبه يحادث شخصاً ما عبر هاتفه قائلاً

........... : انا قولت اللى عندى يا عز الدفعة الجاية كلها طازة و مطابقة للمواصفات المطلوبة لا فيها حاجة معيوبة ولا حاجة تعملنا مشكلة

- ...............

................ : لا اطمن الامانة فى الحفظ و الصون و بعدين هتوصيني على حاجة تهمنى اكتر منك ...... كله الا دي

- ...................

................ : ملكش دعوة بيها يا عز دى تبعي انا و لما افكر اتصرف فيها هبقى ابلغك ... يعنى لا هى ليك ولا لأبنك

- .................

.................. : متلفش و تدور كتير بضاعتك هتوصلك فى اقرب وقت .... خلص الكلام

ثم رفع انظاره ليجد خادمه و يده اليمنى يدلف للغرفة .... اشار له بصمت بالدخول ليمتثل الاخير لامره

........... : بعدين نكمل كلامنا لازم اقفل دولوقتى ..... سلام

الخادم : خير يا ظافر بيه شكلك متضايق ؟؟؟

ذفر سيده بضيق و عاد الى الخلف ليستند بظهره

ظافر : عز بيرغي كتير و عمال يزن على البضاعة و ..........

الخادم : الامانة ؟



اومأ بهدوء ليحرك رأسه يميناً و يساراً بعدم رضا

ظافر : مش قادر يفهم انها متخصهوش .... فاكرني هسلمهاله بنفسي .. ثم اردف بسخرية ..... غبي .... مش كده يا نضال ؟

نضال بتهكم : مش فاهمك يا باشا ... عز لسة مش فاهم اسلوبك و لا طريقتك .... مش عارف انك مستحيل تستغنى عن حاجة تخصك

اومأ الاخر بهدوء ليشرد بأفكاره بعيداً ثم ردد بهدوء

ظافر : مسيره يفهم يا اما ....... نفهمه احنا بنفسنا

بأحد المنازل الراقية بالقاهرة

داغر بانزعاج : كفاية يا امي .... ايه بتزغطيني ؟

هتف بها داغر بصعوبة وسط اطعام والدته له بالاجبار فهو كالعادة يكتفي بالقدر القليل من الطعام

والدته (حنان ) : كل يا حبيبي انا عارفة انك يا حبة عيني بيطلع عينك فى الشغل ومش بتتغذي كويس ... لو سيبتك تاكل بنفسك الاكل هيتشال زى ما هو

داغر : يا امى نفسي تفهمى ان دى طبيعتي ... انا كده .. اكلتي قليلة

تحركت حنان الواقفة بجانب مقعده لتجلس على احد المقاعد الخاصة بطاولة الطعام فتصبح بالمقابل له

حنان بعتاب : مفيش حاجة اسمها طبيعتي كده .... انت شغلك مش على مكتب .. انت ظابط و بتروح بنفسك و تدخل فى اشتباكات

فهم هو عتاب والدته عليه فمنذ اخر مهمة له اصيب فيها اصابة ليست بالخطيرة لكن كانت كفيلة بإثارة الرعب بداخلها .. و فى لحظة ضعف و تأثر من حزنها عليه اعطاها وعد بعدم الاشتراك فى اية مداهمات او اشتباكات بل سيكتفي بالاعمال المكتبية

تنحنح بتوتر ليجيب

داغر : انا عارف يا ست الكل انك زعلانة و ليا حساب مع اللي بلغك باللى حصل النهاردة بس هى كلها كام شهر و هترقى و ساعتها هنفذلك اللى عايزاه

حنان بصرامة مصطنعة : خطر لا ؟

نهض من جلسته و تقدم نحوها يقبل رأسها بحنو ليهمس بإبتسامة

داغر : خطر لا

انتهى من تناول طعامه ليستأذن ولدته فى الذهاب الى غرفته لينال قسطاً من الراحة بعد يوم طويل بالعمل

دلف الى غرفته و بعد تبديل ملابسه وقف امام المراة يطالع صورته بشرود ...... هو داغر الأسيوطي ابن حامد الاسيوطى لواء سابق بالشرطة العسكرية ... توفى منذ سبع سنوات اثناء تأدية عمله باحدى المحافظات الحدودية عند ايقافه لشحنة كبيرة من المخدرات قبل دخولها للبلاد ...... شحنة كان صاحبها " تامر الحسيني" ........ او المرحوم تامر الحسيني و الذي اصبح عدو لداغر منذ وفاة والده وتوليه منصبه بالأمن الوطنى ......... تحرك نحو فراشه يستلقي عليه بانهاك .. شارد بنظراته للاعلى ..... يتذكر احداث مر عليها ثلاثة سنوات .. يذكُر اثناء ايقافه لاحدى الصفقات المشبوهة الخاصة بالحسيني و محاولته للهرب لكن اوقفه اطلاق النار الذي انتشر بفيلته لتستقر رصاصة مجهولة المصدر برأس تامر فيسقط صريعاً بلحظتها ......... جز على اسنانه فلولا تلك الرصاصة الخائنة لاستطاع اخذ ثأر والده بنفسه .... اغمض عيناه بقوة يفكر .... لن يترك القطب الآخر لتامر الحسيني طليقاً سيظل يبحث عن اي خيط قد يرشده اليه و سيقتص منه هو الاخر

بعد فترة نجده قد غلبه النعاس ليدخل الى عالمه الاخر ...... عالم يلتقي فيه بساحرته الصغيرة الصامتة ........ ابتسامة ارتسمت على محياه فجأة عند رؤيته للموقع لهذا اليوم والذي قد تبدل من الظلام الحالك الى شاطيء بديع برماله الصفراء الممتدة اسفل قدماه و المياة النقية امامه

تلفت نحوه يبحث عنها فمثل هذا الجمال لابد ان يرتبط بها بشكل او باخر ........ فترة من البحث نتجت عنها رؤيته لها تجلس بعيداً مفترشة الرمال .. تلعب بها كالاطفال .. تقدم نحوها ببطيء حتى صار على بُعد خطوات قليلة منها لتشعر اخيراً بوجوده فترفع حدقتاها الرمادية اللون نحوه و من ثم رسمت ابتسامة واسعة على محياها .. سعيدة بحضوره فها هو قد اتى بموعده كما يفعل كل ليلة ..... لم يستطع فعل شيء سوى مبادلتها ابتسامتها بأخرى ومن ثم تقدم نحوها اكثر ليخر جالساً بجانبها يراقب استمتاعها باللعب بالرمال

ظلو فترة على هذا الوضع ... يحيطهم صمت لم يستغيسه هو فيقطعه فجأة قائلاً

داغر : مش هتقوليلي اسمك بقى

رفعت انظارها نحوه لتبتسم بصمت ومن ثم عاودت النظر نحو الرمال تلعب بها بهدوء

تنهد بيأس عندما لم يحصل منها على اى جواب ليردف بعدها

داغر : طب على الاقل قوليلي بتجيلي ليه كل يوم ؟ .. عايزة منى ايه ؟؟؟

نظرت نحوه مرة اخرى لكن تلك المرة بحزن و اوشكت على البكاء ليردف سريعاً

داغر : خلاص خلاص متعيطيش .. مش عايز اعرف حاجة

سرعان ما تبدلت ملامحها من الحزن الى الفرح لتبتسم له ابتسامة ذات معنى و من ثم غرست اصابعها بالرمال محاولة رسم شيء ما

ظلت ثوان ترسم و ترسم لتنتهى اخيرا مما تفعله ... رفعت رأسها نحوه لتجده يراقبها باهتمام .... اشارت لما رسمته ليوجه انظاره نحوه و يردف دون فهم

داغر : تاج ؟؟؟؟؟

حنان : داغر ... يا داغر قوم يا ابنى تليفونك مبطلش رن ........ قوم شوف فى ايه

استيقظ من سباته يهمس ب " تاج " ليجد والدته تنظر نحوه بدهشة ..... تنحنح بهدوء

داغر : خير يا امى فى ايه ؟

حنان : معرفش بس تليفونك عمال يرن من بدرى واحنا ساعة فجرية .... معقول مسمعتوش ده انا سمعاه من اوضتى

نهض جالساً على فراشه ومن ثم التقط هاتفه فيجده احد اصدقائه من النيابة العامة ..... زوى حاجبيه بدهشة ليجيب سريعاً

داغر : خير يا سامر ؟ فى ايه ؟

- ....................

داغر بعصبية : انت بتستهبل يا سامر يعنى ايه يتحول لمصحة نفسية ده قتل مع سبق الاصرار

- .................

داغر : يعنى ايه مليش دخل .. ماانت عارف انه طلع عين اهلى عشان يتمسك بعد تعب و شغل خمس شهور

- ....................

داغر : انا مينفعنيش الكلام ده ........ الصبح يطلع و هتلاقيني عندك .... ولا اقولك هو فى انهى مصحة ؟

- .........................

داغر بسخرية : و ازاى ان شاء الله يبقى فى مصحة خاصة دى مقصودة بقى

- ................

داغر : تيجي معايا ولا لا انا كده كده رايح ........... سلام

ثم اغلق هاتفه ليلقيه بعصبية على الفراش بجانبه ... رفع انظاره ليجد والدته ما زالت بغرفته تطالعه بقلق

حنان : خير يا ابنى مالك بس حصل ايه ؟

مسح على وجهه بضيق محاولاً الهدوء

داغر : واحد يا امى .... قاتل مأجور .. طلع عيني عشان امسكه .. فضلنا وراه احنا و فريق التحقيقات خمس شهور لغاية ما نجحنا ودلوقتى ناس كبار ظبطو موضوع انه مريض نفسي و بالتالى هيقضي مدته فى مصحة

حنان : حسبي الله و نعم الوكيل .... طب ما يمكن هو فعلاً مريض يا ابني

داغر بتهكم : مريض ؟ انتى طيبة اوى يا امي .... اللى زي ده عارف كويس هو بيعمل ايه لا و بيختار العُملا بتوعه كمان ... انا بكرة هروحله بنفسي و هفضل وراه لغاية لما اشوف اخره ايه معايا

حنان بقلق : خد بالك يا بنى ولاد الحرام دول ملهمش امان و انا مليش غيرك

داغر بثقة : ربنا كبير يا امى ..... هو الحامي

..............
يتبع ...........

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-