روايات حديثة

رواية الداغر الحلقة الثانية



الحلقة 2. طلق ناري

فى صباح اليوم التالى نجده امام مصحة نفسية خاصة يبدو عليها الترف و البزخ

داغر بسخرية : بقى ده مكان يتحط فيه شخص المفروض اقل حكم فى حقه هو الاعدام

سامر بهدوء : العصبية مش هى الحل و اظن ان ده مش من طبعك

داغر : معلش ما هو مش كل يوم واحد يتدخل فى شغلي و يخلى حيوان زي ده يفلت من ايدي

حرك سامر رأسه بيأس ليردف بتساؤل

سامر : و ناوي على ايه ؟ هتقابله ؟

داغر بتركيز : مش دلوقتى

سامر بدهشة : امال جاى ليه ؟

داغر : عايز اشوف الجو هنا ايه ..... لازم اطمن انه مستحيل يهرب

اومأ الاخر بصمت ليتجها معاً نحو مدخل المشفى

دلفا الى الداخل ليجدوا ان الهدوء هو سيد المكان ...... فقط مجموعة من الممرضين و الممرضات يمارسون عملهم بإهتمام

لوى شفتيه لمرأى المشفي بهذا الانضباط ثم سرعان ما اتجه نحو مركز الاستقبال

الموظف بابتسامة روتينية : ازاى اقدر اساعد حضرتك يا افندم ؟

داغر بجدية : العقيد داغر الاسيوطى ... امن وطنى

الموظف بتوتر : اؤمر يا باشا

داغر : طارق حمدي اللى تحت الحراسة ...... جالكم امبارح ............ عايز اعرف كل حاجة حصلت بخصوص الاجرءات من ساعة ما جه

الموظف : ده حضرتك تقدر تعرفه عند الطبيب الخاص بيه و امن المستشفى فى الدور الثانى

اومأ له ومن ثم حول انظاره ناحية صديقه

داغر : استناني هنا

سامر : تمام

تحرك بهدوء نحو الطابق الثانى يسير ببطء يرمي انظاره ناحية اللافتات الخاصة بكل غرفة والمدون بها اسم المريض ليقف عاقداً حاجبيه بدهشة امام غرفة ما ........ ليست بغرفة طارق بل دون عليها اسم اخر .....

تاج ؟؟؟؟

عاد بذاكرته الى حلمه ليلة امس ......... تاج ....... هذا ما رسمته بعد اسئلته اليومية المعتادة ....... أيمكن ان يكون ......... ؟؟

قاده فضوله الى فكرة الدخول لتلك الغرفة ومعرفة هوية المريضة ......... و بالفعل وضع يداه على مقبض الباب و دلف الى الداخل يوزع انظاره بأرجاء الغرفة ليجد فراش ابيض واسع يرقد عليه جسد صغير هزيل لم يتضح ملامحه له من هذا البعد ..... اقترب نحوه اكثر بخطوات حذرة ليشهق فور رؤيته لها

فتاة تبدو كحد اقصى فى السابعة عشر من عمرها ذو شعر غجري اسود اللون يفترش الوسادة .. لا يدرى طوله فهو يختبئ خلف ظهرها المستلقيه عليه........ عيناها مغلقتان ..... تبدو فى سبات عميق ...... انف صغير و شفاه كحبة التوت .... تبدو كالملاك النائم ...... ظل يحدق بها بذهول ........ هى نفسها فتاة احلامه ...... اذاً ....... تُدعى تاج ... تاجه لها وجود و ليست فقط نتاج احلامه ....... استمر بتأمله لها فترة ليست بالقصيرة و قد نسي تماماً سبب حضوره الى المشفي ........ كل تفكيره انحصر بها وحدها

استيقظ على صوت الممرضة تهتف به فى انزعاج

الممرضة بحدة : انت مين ؟ و ازاى دخلت هنا ؟ مين سمحلك بالدخول ؟

تنحنح بقوة قبل ان يعود الى جموده قائلاً

داغر : العقيد داغر الاسيوطى ... امن وطني ........ ثم اردف بقوة ....... وجيت هنا ليه و ازاى مش شغلك ..... فاهمة ؟

اومأت الممرضة بخوف ليستغل هو الفرصة

داغر : حالتها ايه بالظبط ؟

الممرضة بجهل : معرفش

داغر بحدة : هنستعبط بقى يعنى انتى الممرضة بتاعتها و متعرفيش حالتها ؟؟

الممرضة بخوف : دى مش بتصحى ........ غيبوبة باين

اتسعت حدقتاه لوهلة و احتلت رأسه العديد من الاحتمالات قبل ان يتدارك نفسه فيومأ لها بهدوء و من ثم يلقى نظرة اخيرة نحو تلك الجميلة النائمة قبل ان يتحرك ببطيء نحو باب الغرفة ينوى الخروج ومتابعة ما جاء لأجله

توقف بمكانه على عتبة الباب ليطالعها مرة اخرى بتوتر ..... أيذهب حقاً دون معرفة حقيقتها ..... دون ادراك سبب رؤيته لها دوماً بأحلامه ...... مضت سنة كاملة على ملازمتها لأحلامه كل ليلة .. حتى انه ارتبط بها و أصبح يغفو كل مرة بحثاً عنها و شوقاً لها ...... ظل يراقب الوضع حتى رأى الممرضة تغير لها المحاليل الموصولة بوريدها ... عقد حاجبيه مضيقاً عيناه بتفكير .... غيبوبة و مصحى نفسي .... ما العلاقة ؟؟؟

هتف بصوت جامد اجفل الممرضة

داغر بتساؤل : ايه اللى يخلى واحدة فى غيبوبة تتحجز فى مصحي نفسي ؟

انتفضت إثر صوته لتلتفت نحوه بخوف مبتلعة ريقها

الممرضة بتلعثم : مم .. معرفش يا باشا والله انا لسة جديدة هنا

طالعها بتركيز ليعتدل بوقفته واضعاً يداه بجيوب بنطاله

داغر : اسمه ايه الدكتور اللى متابع حالتها

الممرضة : آآ .. شرف الدين ..... دكتور شرف الدين

اومأ بهدوء ليرمي نظرة اخيرة على تلك الصغيرة النائمة

داغر بجدية : تمام ..... شوفي شغلك

اومأت بخوف ليتحرك هو اخيراً مكملاً طريقه الى الخارج فى حين همست الممرضة بإرتياح فور خروجه

الممرضة بتنهيدة : ده ايه ده .. يخربيته وقف قلبي ... ثم طالعت الفتاة النائمة بغيظ ..... شكلك زي ما بيقولو عليكي ... دايما جايبلنا مصايب

فور خروجه من الغرفة اكمل طريقه باحثاً عن غرفة هذا المجرم اولاً محاولاً تشفي الوضع الخاص به ومن ثم سيبحث عن الطبيب المُشِرف على حالتها .. لكنه وجد صديقه سامر يتقدم سريعاً نحوه ليقف اخيراً امامه يلهث

داغر بإنزعاج : انا مش قولتلك تستناني تحت ... و بعدين مالك مش قادر تاخد نفسك ليه ؟

سامر بتقطيع : رئيس المباحث ... هنا ... و .. و جه عشان يشوف المخفى اللي اسمه طارق ده ( القاتل ) .... لو شافك هنا هتعملي مشاكل

داغر بلامبالاة : مش مشكلتى

حاول اكمال طريقه لكن يد سامر اوقفته ممسكاً بذراعه بقوة

سامر : لا مشكلتك و مشكلتى ...... داغر بلاش عند ... متودنيش فى داهية ... دي اسرار شغل و انا قولتهالك لانى معجبنيش الوضع و اللى بيحصل من تحت الترابيزة ... قولت انت سلطتك اعلى و هتتصرف لكن يبقى جزاتى بعد كل ده انى اتجازى و اتحول للتحقيق ... ده يبقى ظلم و انتى مترضاش بده ليا و لا ايه

ذفر داغر بضيق متأففاً من صديقه ثم و بعد صمت قصير اومأ على مضض هاتفاً

داغر : ماشي ....... بس هفضل ورا الموضوع لغاية ما ارجع الحيوان ده مكانه

سامر بإبتسامة : و انا معاك يا صاحبي بس خلينا نمشي من هنا قبل ما حد يلمحنا

و من ثم سحبه بتعجل مغادراً المشفي فى حين نسى تماماً امر تلك الفتاة و التحري بشأنها




طارق بغضب و صراخ: انت بتستهبل يا مصطفى ... يعنى ايه اثبتو انى سليم .... امال تقرير ايه ده اللى طلعتوه من يومين و اثبتو فيه انى المفروض اقضي المدة بتاعتى هنا ............. لا يا مصطفى انا مينفعنيش الكلام ده ..... الباشا بتاعك وعد انه يساعدني و انا قصاد وعده عملت اللى عملته و خدمته خدمة عمره لكن يخلف بكلمته هخليه يعيش فى جحيم ....و صل له الكلمتين دول و قوله انت اللى ابتديت و البادي اظلم

ثم اغلق الهاتف ليلقي به ارضاً بقوة فيتحطم الى اشلاء ثم سرعان ما تحرك بغرفته مخرجاً اجزاء من سلاحه الخاص ... عمل على تركيبه و تجهيزه للدفاع عن نفسه امام القوة القادمة لترحيله مرة اخرى الى السجن

بالاسفل فى ردهة المشفي كانت قوة من الشرطة ليست بالكبيرة تستعد لترحيل احدى مرضى المشفي الى السجن

سامر بغيظ : طب افهم بس ايه اللى جابك ..... يابني مش كفاية اللى انت عملته ده انا كنت هروح فى داهية بسببك

داغر بهدوء : و مروحتش

سامر بغضب : رايح تقول لرئيسي انى بلغتك باللى حصل

داغر : و فى ايدي التانية اثبات انه مش مريض نفسي ... اهدى بقى ماانت زي القرد اهو و هتترقى كمان على قفايا

سامر بمرح : الصراحة يعنى ..... انت عملت الواجب معايا بزيادة ... ثم اردف بغيظ .... بس برضو مش فاهم ايه اللى جابك ما انا جاي بقوة معايا و الموضوع اصلاً كله عبارة عن شوية ورق و روتين ممل

داغر بغضب : طارق مش سهل و اكيد الخبر وصله

سامر : المستشفى كلها متأمنة و مفيش حد هيخرج ولا يدخل الا بعد ترحيله

تنهد الاخر بقلق قبل ان يسمع الجميع صوت صرخات تأتي من احدى طوابق المشفى

لينظر داغر الي صديقه بقلق هاتفاً

داغر : مش قولتلك

استل كلاً من داغر و سامر سلاحه ليتقدما بخفة نحو الدرج يتبعهم افراد فريقهم من الشرطة بعد اشارة من قائدهم للحاق به

ظلت الصرخات تتعالى بأرجاء المشفى و كلما وصلو الى طابق اشار لهم الممرضين و العاملين للطابق الاعلى حتى وصلو جميعاً الى السطح ليجدوا التالى

طارق ( هدفهم ) يمسك بإحدى الممرضات بين يده يكبلها بذراعه و يسلط فوهة سلاحه على رأسها فى حين بعضاً من الاطباء يحاولون تهدئته لكن دون جدوى

فور رؤيته لداغر و قوات الشرطة يسلطون اسلحتهم نحوه هتف صارخاً

طارق بصراخ : خطوة كمان و دماغها هتطير ........ ثم اكمل بتهكم موجهاً حديثه لداغر ...... لا و كمان داغر باشا جاي بنفسه ... كتير عليا والله ... تصدق ليك وحشة يا راجل

داغر ومازال موجهاً سلاحه نحوه : سيبها و خليك راجل ... مش متعود عليك جبان

طارق : الغاية تبرر الوسيلة يا باشا ...... لو مستغنيين عنها قربو كمان خطوة

داغر : فكرك هيهمني حياة شخص واحد قدام انى احطك فى القفص بنفسي

سامر بدهشة : داغر انت اتجننت

طارق بسخرية : الظاهر صاحبك خلاص دماغه فوتت

داغر بغضب و صراخ افزع الجميع : سيبها و خليك راجل

طارق : سلاحك ينزل ... و ممكن افكر ... ثم هتف بالجميع ....... كله ينزل سلاحه

نظر الجميع الى بعضهم البعض ليشير سامر لهم بإنزال اسلحتهم فى حين ظل داغر كما هو

طارق : ايه ياباشا ... مسمعتنيش .... سلاحك على الارض و تحدفه لعندي برجلك ..... يلا

جز على اسنانه بغيظ .... يقلب انظاره بينه و بين الفتاة الرهينة قبل ان يخفض يده بتردد تاركاً سلاحه ارضاً ومن ثم دفعه بقدمه بقوة نحو طارق ليتعداه الى الخلف

داغر : سيبها بقى

طارق : اظن المفروض تقلق على نفسك واللى معاك ... مفيش حاجة تمنعنى اخلص على كل اللى هنا دلوقتى

اثناء حديثه و تهديداته التقطت عينا داغر طيف ما خلف هذا الطارق .... لفتت حركة عيناه انتباه الاخير ليشد على الفتاة الممسك بها ملتفتاً للخلف .. فيراها تقف قريبه منه .. تُعد اقربهم له

..... فتاة صغيرة .. يمكن نعتها بالطفلة لصغر جسدها و قامتها القصيرة ... ترتدي فستان ابيض قصير بالكاد يصل الى ركبتيها ..ذو شعر غجري اسود طويل يغطى كامل ظهرها ... تطالعه بعيون ميتة ...... وجد فيها لامبالاة غريبة .. ترمش ببطيء .. ثابتة بمكانها دون حراك

طارق بذهول : انتي ..........

كانت العيون تطالعها بخوف ... قلق .... تردد ... و لهفة .... التقطتها عيناه بلهفة و اشتياق سرعان ما تحول الى خوف و قلق .... هى نفسها فتاته النائمة ... فتاة احلامه .. و ها هى تقف امام اخطر رجل قد تواجهه بحياتها ... و سرعان ما تدراك امره ليهتف بقوة

داغر محاولاً صرف اهتمامه عنها : دي مريضة مش هتاخد اى رد فعل ..... ملهاش دعوة بأي حاجة و مش هتشكل خطر عليك .. بصلي هنا و ركز معايا ... قولى ايه طلباتك عشان نخلص

ظلت هي على وضعها تطالع طارق بعيون و نظرات غريبة لتنظر فجأة اسفل قدماها فتراه ... سلاح داغر و الذي قذفه اتجاه طارق ... نقلت انظارها ما بين طارق و ما بين السلاح مرة اخرى .... لتنحنى ببطيء ملتقطة اياه

دب الذعر بأنفسهم جميعاً قبل ان ترفع يدها حاملة السلاح .. موجهة اياه نحوه .... اتسعت اعينهم بفزع و تعالت الصرخات و قبل اى رد فعل من اياً منهم كانت قد ضغطت على الزناد لتنطلق الرصاصة و تستقر بمنتصف رأس طارق فيخر جسده ارضاً جثة هامدة وسط ذهول الجمع بأكمله و من ثم صدع بالمكان صوت هتاف بإسمها جعلها هى الاخرى تُحاط بالظلام من كل جانب لتسقط ارضاً مغشياً عليها

.............

يتبع............

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-