جديد

رواية قانون آل ثابت الفصل الاول 1 بقلم ملك الليثى

 رواية قانون آل ثابت الفصل الاول 1 بقلم ملك الليثى


 

كانت تسير وهي تنظر إلى ذلك المكان بتركيزٍ شديد وهي تتابع تلك البنايات التي بجانبها بتمعن واضح، وبهدوء شديد يعاكس تلك التي تسير بجانبها بمرح وتقص عليها ما تريد فعله هنا بسعادة عارمه.

فتوقفت أمام إحدى البنايات وهي تقول لوالدها بهدوء: بابا أنا سيبتك تعمل زي مانتَ عايز حتى مش شوفت الشقة معاك، بس اهم حاجه المكان يبقى هدوء أنتَ عارف إني مش بحب الدوشة والصوت العالي.

أجابها والدها بمرح وهو يأخد الصغيرة التي كانت تمسك يديها وتبتسم بسعادة: عيب عليكي يا حبيبة أبوكي ده أنا منقي مكان مش هتسمعي فيه صوت دبة النملة حتى.

اومأت برأسها بهدوء وهي تتنهد بعمق، ولكنها انتفضت بفزع عندما استمعت إلى صوت أشبه بالصر.خات يأتي من الأعلى ثم وجدت شاب يركض سريعًا وخلفه شاب آخر وهو يلعنه بغضب شديد.

نظرت إلى والدها بصدمه وهي تقول: هو ده المكان اللي مش هسمع فيه دبة النملة؟!
فنظر والدها إلى السماء سريعًا وهو يطلق صفيرًا من فمه كأنه لا يستمع إلى ما قالته له.

فتوقف الاول وهو يختبأ خلف الفتاة الصغيرة الذي امسكها بسرعه شديدة حتى يتوقف صاحبه.

فقال سهيل بغضب: بتستخبى في طفلة يا مهزأ، مفكر إني كده مش هعرف اجيبك؟!

أجابه مروان باستفزاز وهو يلهث من الركض ويمسك الصغيرة بشدة كأنه يخشى أن تبتعد عنه وتتركه لذلك الذي يقف أمامه متوعدًا له: لو جدع تعالى اضر.بني بقى علشان تيجي في البنوتة الصغيرة ديه وباباها يطلع فيك كل اللي أنتَ عملته فيا.

فأردف سهيل بصوتٍ عالي من شدة الغضب: وربنا يا مروان لو مش لقيتك قدامي وبعدت عن البنت لأربيك، وهخلي أمك تترحم عليك النهاردة.

إبتعد مروان عن الصغيرة وهو يقول بإشمئزاز وهو يهندم من ملابسه: أمك! إيه قلة الأدب اللي بقيت فيها ديه يا سهيل، أسمها والدتك يا محترم، بقيت سوقي والله.

زفر سهيل بشدة وقام بإمساكه من ملابسه، فقالت الفتاة الصغيرة بتساؤل: هو عملك إيه يا عمو؟

نظر سهيل لها بابتسامه على حديثها وترك مروان فاجابها بهدوء وهو يهبط إلى مستواها: يرضيكي أكون قايله خلي بالك من اللاب علشان عليه حاجات مهمه بتاعت الشغل، يروح ماسحلي كل الحاجات ديه؟

فقال مروان سريعًا: أعمل إيه يعني مانا كنت بعمل عليه شغل أنا كمان، وبعدين شغلك إيه اللي باللاب يا محامي يا صعلوق أنتَ.

انتفض سهيل فجأة وامسكه من ثيابه مره أخرى وكان سوف يهم بالرد عليه، حتى قال والد الفتاة حتى يوقف كل هذا: خلاص يا ولاد هتضربوا بعض قدامي ولا إيه، يلا كل واحد يهدى كده، خضتونا مش كده ده احنا حتى اول يوم لينا هنا.

تركه سهيل وذهب ليرحب به وقام مروان أيضًا بذلك، فقال سهيل بأسف: أنا بجد أسف على اللي حضرتك شوفته ده بس هو مروان لازم يعمل أي مصيبة وخلاص فحقك عليا، وبجد نورتونا.

ابتسم والد الفتاة وقال بمرح: ياعم مش تتأسف، احنا خلاص هنبقى جيران.

فقال سهيل بابتسامة للفتاة الصغيرة: وأنتِ بقى اسمك إيه يا صغنن أنتَ؟

ابتسمت الفتاة بشدة ثم قالت: أنا جاسمين وعندي ٩ سنين، وأنتَ؟

فاجابها مروان سريعًا: ده سهيل وأنا مروان يا قمر.

فأردفت الفتاة بصخب: أنا بسأله هو مش بسألك أنتَ يا مارو.

فضحك سهيل عليه بشدة، وقال مروان بغيظ: و إيه لازمتها مارو بعد بتر الخواطر ده.

فقال والد الفتاة بابتسامه: أنا حسن جاركم الجديد وديه جاسمين الصغيرة والكبيرة ديه ليلى وفي الوسطانية بقى اسمها ليندا.

قاموا الشباب بالترحيب بهم حتى أتت السيارة المحملة بحقائبهم وبعض أغراضهم التي يحتاجونها والتي كانت تقودها إبنته "ليندا".

فقال مروان بهمس لسهيل: هو عمك فضل باع الشقة بالعفش بتاعها صح؟ اصل الناس دول مش جايبين غير شنط و حاجات عادية.

فاومأ سهيل رأسه وذهبوا ليحملوا معه تلك الحقائب وصعدوا إلى الأعلى.

فقال حسن بامتنان: شكرًا ليكم بجد يا ولاد تعبتكم معايا بجد.

أجابه سهيل بابتسامه وبهدوء: لا حضرتك بتشكرنا على ايه ده واجبنا هنستأذن احنا بقى وبجد اتشرفنا بمعرفت حضرتك، واسفين تاني مره على اللي حصل تحت، ولو حضرتك عوزت أي حاجه أنا ساكن في الشقة اللي جنب حضرتك علطول ومروان ساكن الشقة اللي تحت.

ورحلوا بعد حديثهم فقال حسن وهو ينظر إلى أثرهم بابتسامه: والله عيال جدعان وشكلها هتبقى جيره قمر.

فقالت جاسمين بسعادة وهي تحتضن والدها: الشقة حلوه اوي يا بابا، حتى العفش احلى من بتاعنا بكتير، أنا فرحانه اوي.

أيدت ليندا حديث الصغيرة وقالت: معاها حق فعلا والناس هنا تحسهم طيبين رغم اني مشوفتش حد لسه غير الولدين دول بس حاسه بكده مش عارفه ليه.
***********************
عندما رحل سهيل ومروان من عند حسن دلفوا إلى منزل سهيل سريعًا، فدلف مروان إلى مائدة الطعام سريعًا يأكل بنهم من الطعام الموضوع عليها وخلفه سهيل الذي جلس ينظر إليه باشمئزاز، حتى أتت والدة سهيل بباقي الأطباق وهي تقول باشمئزاز من طريقته وهو يأكل: براحه يا مفجوع هو حد بيجري وراك، بتاكل أكنك بقالك عشرين سنه مش أكلت.

فأجابها مروان و فمه ممتليء بالطعام: ايوه انا فرهدت النهاردة والله يا زوزو سواء من ابنك او من شيل الشنط بتاعت الجيران الجداد، أنا مش فاهم إيه كل الشنط ديه، ديه شنطهم واخده عربية كامله يا زوزو والله.

قالت زينب بابتسامه: هما جم خلاص؟ والله فضل وسهر وحشوني، حبكت يعني يسافروا يقعدوا عند عيالهم في الكويت علطول، بس سمعت سحر قبل ماتمشي بتقول انهم ناس كويسين وان فضل كان يعرف الراجل اصلا.

فأتي من الخلف ذلك الصغير وهو يقول لهم بفضول وحماس: عندهم اطفال قدي؟

اومأ له سهيل بهدوء، فقال مروان وهو يغمز له: عندهم بنت صغيره قدك بالظبط واسمها جاسمين كمان، أي خدمه ياعم اهو.

ابتسم مالك بسعادة وهو يقول: طيب وديه هترضى تلعب معايا؟

قال سهيل بهدوء: حتى لو مش رضيت يا حبيبي مش احنا كلنا هنا بنلعب معاك؟

فاومأ الصغير رأسه وهو يبتسم.

أكمل سهيل حديثه: طيب خلاص بقى عايز إيه اكتر من كده.
فنظر حوله وهو يقول بتساؤل: امال فين حمزه ويامن دول لو بيجيبوا طعميه من لبنان كان زمانهم وصلوا.

دلف حمزه ويامن معًا على حديثه، فقال الثاني بمرح وهو يضع تلك "المفتاح" الخاص به على الطاولة: مين بينادي عليا.

فقال مروان إلى سهيل بإنزعاج: ياريتك كنت افتكرت مليون جنيه يا أخي، اتاخرتوا كده ليه الواحد مش عارف ياكل من غيركم ومن غير الطعمية السخنة.

فقال حمزه بسخرية: لا ماهو واضح فعلا إنك مش عارف تاكل من غيرنا، اتاخرنا علشان الراجل كان لسه بيجهز عجينه الطعمية علشان يقليها ويديهالنا سخنه.

جلس يامن جواره بهدوء وهو يقول إلى حمزه بتساؤل: قولي يا حمزه لو حد قاعد في بيتك وعلى الكرسي بتاعك لا ومش بس كده و كمان واخد لبسك وبيتنك عليك كمان ومفكرك شغال عنده من امبارح، تعمل ايه فيه؟

أجابه حمزه بابتسامه: اعلقه تحت عند محل عم لطفي بدل لحمة العجل.

ابتلع مروان ريقه ثم قال وهو يحتضن يامن سريعًا: ابو اليمامين حبيبي، وحشتني والله لسه كنت بقول لسهيل البيت وحش من غير ابو اليمامين قلب مارو.

أجابه يامن وهو على وضعه السابق: لا اخص علينا بجد ده احنا شكلنا سمعناك غلط فعلًا.

فقالت زينب وهي تقوم مسرعه: والله عيال فايقه ورايقه، أنا هقوم اشوف ورايا إيه وياريت بعد ما تخلصوا اكل تشيلوا وراكم أنا مش الخدامة اللي جابهالكم دادي، فاهمين؟

اومأ لها الجميع بهدوء، عدا مروان الذي غمز لها وهو يقول بمرح: زوزو المسيطرة وربنا.

اجابته بصوتٍ عالي نسبيًا وهي تتحدث من داخل الغرفة المخصصة لإعداد الطعام: وانتَ اللي هتغسل المواعين يا مروان فاهم؟

تأفف مروان بغيظ وهو يقول: وربنا ده ظلم، أخلص من أمي تطلعلي خالتي.

قال سهيل بفرحه: احسن وربنا تستاهل.

ثم انتهوا جميعهم من تناول الطعام، وقاموا بتنظيف مائدة الطعام وحَمِل ما عليها من اطباق كما قالت لهم زينب، ثم ذهب مالك ليساعد زينب فيما تفعل.
***************************

بينما هي كانت تضع الملابس في غرفتها وعندما انتهت ذهبت إلى الشرفة وهي تنظر إلى السماء وتدعو ربها أن يختلف هذا المكان عما كانت فيه، حتى جاءت جاسمين وهي تطلب منها أن تساعدها في وضع ملابسها.

فقالت ليلى بتساؤل إلى جاسمين التي كانت تدندن بمرح: أنتِ ليه فرحانه اوي كده أننا مشينا من الشارع اللي كنا ساكنين فيه.

اجابتها جاسمين بسعادة: علشان ده فيه ناس كتير واكيد هلاقي اطفال زيي هنا اعرف العب معاهم، لكن الشارع القديم كله كان بيمنع أطفاله أنهم يلعبوا معايا مش عارفه ليه وكان شارع كئيب كده مش بيحبوا الفرح، وانا مش بحب الخنقة يا أُختشي والله انا بحب الفرح والزغاريط والهيصة.

قالت ليلى بصدمه: أُختشي! متاكده انك طفله؟ 

اومأت لها جاسمين وهي تجب عليها: في إيه يا دكتور فكي بقى ده المكان شكله هيبقى جامد علينا كلنا والله وهتشوفي وتقولي جاسمين قالت.

أتى والدها من الخلف وهو يقول بمرح: وأنا اتفق مع البت جاسمين.
ثم تابع والدها بهدوء: انسي يا حبيبة أبوكي وابدأي من جديد بقى، خلاص احنا سيبنا كل حاجه هناك.

نظرت لهم دون أن تتحدث.
***********************
قام مالك بتشغيل بعض الأغاني والتي ذهب يامن وقام برفع الصوت أكثر فأكثر، حتى جاءت زينب وهي تحمل في يدها اطباق من الطعام فوضعتهم على مائدة الطعام وهي تدندن مع الكلمات بمرح مع مالك الذي كان يرقص هو ويامن وشاركهم أيضًا مروان الذي كان يرقص بماهرة شديدة.

فذهب مروان إلى الطعام؛ لكي يأخذ منه، فأمسكت زينب يده سريعًا وهي تقول بتحذير: دول مش ليك يا مفجوع يابن المفجوعه دول للجيران الجداد؛ لأنهم اكيد مش هيلحقوا يعملوا أكل، حلو الاكل كده ولا ازود بقى؟

نظر إليها مروان بغيظ.

فقال سهيل بهدوء: حلو يا ماما تسلم إيدك، بس كنتِ قولتيلي كنت نزلت جبتلهم اكل من بره بدل تعبك ده.

اجابته زينب مسرعه: يعني هما اصلا اكيد كانوا هيجيبوا اكل من بره بسبب أنهم هيبقوا تعابنين تقولي كنت جبت اكل؟ وبعدين أنتَ عارف امك بتعشق الطبخ زي عينيها يا حبيبي.

ابتسم سهيل على حديثها وهو يقبل يدها.

فقالت زينب لمالك بأمر: يلا يا لوكا روح هات الصينية علشان احط فيها الاكل.

ذهب مالك وأتى مسرعًا بسعادة؛ حتى يذهب معها ويرى تلك الفتاة التي حدثه عنها مروان.

فوضعت زينب الطعام وأخذته ورحلت وهي تدندن وتسفق بمرح ومعها مالك.

فمال مروان بجسده على سهيل وهو يقول بهمس: امك عماله تزغرط وتسقف حد يقولها إنها مش رايحه صباحيه بنت أختها، ديه رايحه تودي اكل جيران جداد.

فاجابه سهيل بضحك: عقبال صباحيتك يا واد يا مروان.

نظر إليه مروان بهيام وهو يقول: ياه تيجي واحده تعملي كل الاكل اللي بحبه كده، وتفضل قاعدة جنبي تقولي كل يا سي مارو، اتغذى أنتَ محتاج تغذيه، فاروح اقولها لا مش قادر، تروح حالفه عليا وتاكلني بالعافية ولا اكني قاعد في بيت تيته بالظبط، اخلص اكل الصنف ده تحطلي في بوقي الصنف اللي بعده علطول.

قال حمزة بمرح: الناس كلها بتخلص مرتبها في الجواز على العفش والحاجات اللي العروسة بتعوزها، مروان هيخلص مرتبه على التلاجة وبطنه بس.

أكد سهيل و يامن على حديثه بضحك.

فقال مروان بغضب مصطنع: بكره نشوف يا استاذ يامن هتعمل إيه مع مراتك، والله لاسخن سيلين عليك.

أردف يامن سريعًا بخوف: وحياة امك لا، ديه منكده عليا بقالها ٣ أيام.

سأله سهيل بفضول: ليه عملتلها إيه لكل ده؟

أجابه يامن وهو يضع يده على وجهه بقلة حيلة: والله يابني مش عملتلها حاجه، كل ده علشان عايزه تعمل فرحها في الهيلتون، مفكراني وارث غالبا، بقى على أخر الزمن نادين بنت عم احمد سردينه عايزه تعمل فرحها في هيلتون، إزاي اقولها لا بقى وقاعة اللؤلؤة احسن؟ فراحت منكده عليا.

قال سهيل وهو يحاول التحدث من بين ضحكاته: ماهو بصراحه معاها حق هتنزلها من هيلتون لقاعة اللؤلؤة لا حقها والله.

أجابه يامن وهو على نفس الوضع: امال اعمل إيه يعني هو أنا وراث يا جماعه، ابيعلها كليتي يعني علشان فرح؟

قال حمزه مسرعًا: طب وليه قاعة اللؤلؤة أنتَ اعمل كتب الكتاب في مزرعه عم لطفي ده هيبقى الأجواء جامده الكوشة في النص كده وصوت العجول وراكم وانتوا بتكتبوا الكتاب اهو حتى توفر حق الدي جي،وهما يلحنوا وانا وسهيل ومروان نغينلك.

قهقه الجميع على حديثه حتى قال مروان وهو يفكر: ياعم هتلها كفتة وكباب وروح صالحها مش تخليها زعلانه منك هي اول ما هتشوف الاكل هتقولك سي يامن أنا موافقه على أي حاجه أنتَ عايزها.

قال يامن بسخرية على حديثهم: دمكم مش خفيف والله، بتضحكوا على ايه انتوا مش في حاجه بتضحك!

نظر له سهيل بضحك ثم قال بابتسامه: فكك من الواد ده مش بيفكر غير في الاكل وبس، أنتَ فعلا روحلها واتكلم معاها براحه وهي هتفهمك أنتَ عارف ان سيلين بتحبك، وبعدين مش شرط اللؤلؤة يعني خليها تختار اي حته هي عايزاها وأخواتك في ضهرك كده كده، بس تبعد عن الهيلتون علشان مش هتلاقي حد مننا هنقعد ندعيلك وبس.

احتضن يامن أخوه واصدقائه ثم قام ورفع صوت الاغاني مره أخرى وظلوا يتراقصوا على الاغاني بسعادة وجذبوا سهيل الذي شاركهم أيضًا في ذلك.
***************************

قامت زينب بدق الباب حتى فتح لها حسن، فقالت زينب بابتسامه: أنا زينب مامت سهيل اللي ساكنه قدامكم.

ابتسم لها حسن ثم قال وهو يبتعد عن الباب حتى يفسح لها الطريق: اهلًا وسهلًا بحضرتك يا مدام، اتفضلي ادخلي.

دلفت زينب وخلفها مالك إلى الداخل ثم قام بمناداة فتياته الذين أتوا ورحبوا بزينب ومالك.

فقالت زينب بابتسامه وهدوء: ديه حاجه بسيطه بقى، أكيد جعانين ومش قادرين تعملوا أكل.

نظرت إليها ليلى وهي تقول بإحراج: ليه حضرتك تعبتي نفسك أنا كنت هعمل أكل علطول.

اجابتها زينب سريعًا: لا كده ازعل منك بجد، مش تقولي كده ديه حاجه بسيطة والله، وبعدين ده انا خلاص اعتبرتك بنتي زيك زي ميران اخت مروان.

ابتسمت ليلى على حديثها ثم تابعت زينب وأنتِ بقى بتشتغلي ولا لسه بتدرسي؟

اجابتها ليلى بهدوء: لا أنا دكتورة نفسية.

فقالت جاسمين بمرح وهي تشير إلى نفسها: وانا جاسمين عندي ٩ سنين، وديه ليندا اختي بتشتغل عند الأمو..ات.

نظر لها مالك بابتسامه شديدة.

فقهقه والدها على حديثها ثم قالت ليندا بغيظ مصححًا ما قالته تلك الصغيرة: اسمها طبيبة شر.عية يا ام لسانين.

قالت زينب بابتسامه: بسم الله ماشاءالله ربنا يخليهوملك يارب ويبارك فيهم.

قام مالك وهو يمد يده لجاسمين ليقوم بمصافحتها ففعلت الاخرى كذلك، فقال مالك بابتسامه شديدة: أنا مالك عندي ٩ سنين زيك، ممكن نبقى صحاب.

اومأت الفتاة بسعادة شديدة وهي تقول: ممكن جدا، استنى هنا اوريك العابي.

قالت زينب إلى جاسمين سريعًا: وقت تاني بقى يا جاسمين هجيبه يلعب معاكي، بس دلوقتي لازم ترتاحوا، وأنتِ وقت ماتعوزي تلعبي معاه خبطي علينا ماشي؟

اومأت الفتاة رأسها وهي تنظر إليه بابتسامه.
********************
ذهب مالك مع زينب لكنه تركها ونزل إلى أخوته في ملجأهم كما يطلقون عليه.

قال مالك بصوتٍ عالي يملئه السعادة: أنا جيت يا أهل الدار.

جلس مالك جانب سعاد وهو ينظر إلى السقف بابتسامه شديدة.

فقالت سعاد بخبث: مالك يا لوكا، مين اللي واخد عقلك كده ومخليك فرحان اوي.

نظر إليها مالك وهو يقول بفرح: اتصاحبت على بنت الجيران اسمها جاسمين وعندها ٩ سنين زيي وعسوله اوي، ثم تابع حديثه بحزن: كانت هتجيب العابها نلعب بيها بس ماما هادمة اللذات قالت لازم نمشي.

قهقه عبدالحليم وسعاد على حديثه ثم قال من بين ضحكاته وهو يغمز له: معلش ماهما لازم يرتاحوا، بكره ابقى العب مع العسوله اوي ديه.

جاء مروان وهو يرتمي بجسده على الأريكة وهو يقول بغضب مصطنع: اه يانا ياما ضهري مات، يعني اخلص من امي وخالتي تطلعلي سوسو، لا كده كتير عليا انا غسلت مواعين العمارة كلها كده مش ناقص غير شقة الجيران الجداد، ارحموني انتوا لاقييني على باب جامع.

قال عبدالحليم بمرح: أنا مش فاهم ازاي أنتَ ابن خالة سهيل ويامن وصاحب حمزة ابني.

قال مالك سريعًا: وانا يا حُلم نسيت تقول اسمي.
احتضنه عبدالحليم وهو يقول موبخًا نفسه: لا إخص عليا انا ازاي اتهبل وانسى اقول اسم لوكا حبيب قلبي ده ياناس، روح قلبي ده ياناس.

فاكملت سعاد وهي تقول بحنان: لوكا ده محدش يقدر ينساه اصلا، ده عيون سعاد ده يا ناس، قلب سعاد ده يا ناس.

صرخ مروان بغيظ وهو يقول: خلاص يا جماعه في ايه، براحه شوية على الواد هتبوظوه كده.

رفع مالك حاجبيه وهو يقوم بإغاظة مروان، حتى خرج حمزه وهو في يده أكواب القهوة وخلفه سهيل الذي كان يساعده: ابويا وامي يعملوا اللي هما عايزينه ياض أنتَ، وبعدين أنتَ مالك ومال ملوكه اصلا بطل حقد.

جلس سهيل وهو يضع رأسه على قدم سعاد وهو يتنهد بعمق و يغمض عينيه.

فقالت سعاد بحزن: لسه برضه؟

اومأ رأسه بصمت حتى نظر إليه جميع الجالسين بحزن على حاله.

فقال عبدالحليم بحزن هو الآخر على ابنه كما يطلق عليه فهو يقول عليهم جميعًا أنهم ابنائه: طب ماتروح لدكتور يا سهيل يابني.

فتح سهيل عينيه وهو ينظر له بصدمه ثم قال: واروح لدكتور ايه بقى واقوله إيه، بحلم احلام مش بتخليني اعرف انام؟

أجابه عبدالحليم بهدوء فهو كان يدري ما سيقوله: أولًا: تروح لدكتور نفسي، ثانيًا: اه تقوله كل اللي حاسه.

عند سماع مالك كلمة" دكتور نفسي" قال سريعًا: ليلى دكتوره نفسيه هي قالت لماما كده، روحلها يمكن تساعدك.

قال يامن بسخرية: لا وأنتَ ماشاءالله من ربع ساعه قعدتهم هناك عرفت كل حاجه.

اومأ مالك رأسه ببراءة ثم قال بهدوء: ايوه واختها ليندا ديه دكتورة امو..ات جاسمين قالت كده ومامتهم متو.فيه كمان غالبا؛ لأني مش شوفتها خالص ومحدش اتكلم عليها.

صدم مروان ثم قال: أموا..ت! عمارتنا دخل فيها دكتور شر.عي، ايه الر.عب ده، معنى كده أنها بتتكلم مع الامو..ات وبتسمعهم زي ما بشوف في الافلام.

قال حمزه بسخريه: اسكت يا عبيط مش وقتك دلوقتي.

ثم وجه حديثه إلى سهيل: فكر يا صاحبي؛ لأن بابا وماما معاهم حق.

نظر سهيل أمامه ثم قام بقفل عينيه وسعاد تمسد على شعره بهدوء، والجميع ينظرون إليه بحزن.
*************************
ذهبت ليلى إلى عملها بعدما قالت إلى والدها، فجسلت على المقعد في غرفة عملها وهي تتنهد بعمق وتنتظر دخول المرضى واحدًا تلو الآخر.

طرق باب الغرفة فسمحت له بالدخول وهي تبتسم ابتسامه بسيطة، دلف إلى الغرفة بهدوء ثم قال بخوفٍ: اقعد؟

اومأت برأسها بهدوء ثم قالت: اسمك ايه؟

اجابها وهو يحرك يديه ويغلقها ويفتحها واحده تلو الأخرى: اسمي زين محمد.

قالت بذات الابتسامة البسيطة: قولي بقى تحب جلستنا تبقى واحنا قاعدين كده ولا عايز تقعد على الشازلونج؟

اجابها بتساؤل: أنا اللي اختار؟

اومأت رأسها بهدوء.

فقال بخوفٍ: خلاص خلينا هنا كده حلو.

نظرت إليه بتمعن ثم قالت: اتفضل سمعاك.

قال زين بتوتر وخوف: أنا زين محمد عندي ٢٢ سنه، بخاف من اي حاجه وفي اي وقت، من صغري متعود اقول حاضر ونعم وبس، مقدرش ماقولش لاهلي لا، قبل كده قولت لبابا اني مش عايز اروح المدرسة علشان تعبان، وفعلا كنت تعبان والله وسخن، زعقلي وضر..بني جامد و وداني المدرسة وانا معيط، وقتها تعبت جامد في المدرسة وكلموه قالهم انه عنده شغل ومش فاضي، كلموا ماما مش ردت عليهم، ولما اخر اليوم روحت قولت لماما اللي حصل قالتلي معلش وراحت تخرج مع اصحابها وسابتني تعبان، من ساعتها وانا بخاف اقولهم حاجه، بخاف ليضر..بني كده تاني انا فاكر أن ساعتها جسمي كان كله علا..مات، لما كبرت شوية كنت عايز اتكلم مع حد كان نفسي الاقي حد اقوله ايه اللي مدايقني، نفسي فايه، عايز ايه، كل ده مكنتش بلاقيه، مكنتش بلاقي غير اشرب اللبن علشان تبقى ولد مؤدب، لازم تبقى جايب أعلى الدراجات في المدرسة علشان تبقى اشطر طالب وده مش صح ده مش علشاني ده علشان ماما وبابا يتفشخروا وسط اصحابهم اني جايب أعلى من عيالهم، مينفعش تزعق لحد، مينفعش تخرج، مينفعش تسهر، مينفعش تتفرج على التلفزيون كتير، مينفعش تصاحب ده وده، مافيش ولد بيقول لا، ولو قولت لا مش بيتكلموا براحه، لازم ضر..ب، او حب..س في اوضة ضلمه ويتقفل عليك الباب، خلصت ثانوي وجبت مجموع عالي كان نفسي ادخل فنون جميلة لأن الحاجه الوحيدة اللي كنت بعرف اطلع فيها زعلي أو الحاجه اللي جوايا هي الرسم، بابا مش رضي ولا حتى ماما قالولي انت لازم تدخل طب، مقدرتش اقول لا، خوفت من كل حاجه، من الضر..ب، الح..بس في الاوضة اللي بكرهها، فسمعت كلامهم ودخلت طب، أنا معرفش ليه بقيت اخاف امشي لوحدي في الشارع، بخاف اصاحب، حتى لما قولتلهم اني عايزه اروح لدكتور نفسي مش رضيوا وقعدوا يقولولي عايز تفضحنا، وكالعادة فضل يضرب فيا رغم اني مش عملت حاجه، مبقاش عندي حتى ثقه بنفسي ولا باللي حواليا، لما دخلت الكلية كنت ببعد عن أي حد يقرب مني أو يبقى عايز يصاحبني خوفًا من أنهم يعرفوا اني عندي أصحاب فيض..ربوني او يحبسو..ني، بعملهم كل حاجه يقولولي عليها مش برفض اي حاجه خالص، بعمل كل حاجه غصب عني علشان الاقي منهم حب واهتمام، أنا حتى مش عارف ازاي جيت هنا، أنا اصلا مش عارف انا بقول ايه، أنا كلامي كله غلط صح؟ أنا اصلا مش بعرف اتكلم زي ماهما قالولي واني فاشل في كل حاجه.

اجابته ليلى بهدوء: لا خالص، أنتَ مش فاشل ولا حاجه، بص يا زين دكتور محمد طه كان قايل حاجه حلوه اوي، كل واحد فينا بيتولد وهو عنده احتياجات نفسية بسيطة جدا وده بيبقى دور الام والاب أنهم يلبوا الاحتياجات ديه، امهات كتير بالنسبة ليهم شايفه أن التربية أن الولد مينفعش يقول لا علشان ربنا يحبه، او يشرب اللبن كله قبل ماينام ، او يعمل اللي هما شايفينه صح مش اللي الطفل شايفه صح تحت مسمى أن هما ادرى بمصلحته، ده غير تصرفات ورسايل كتير بقى بتوصل بتصرفات وسلوكيات ونظرات غلط من الاب والام وبيتحول الحب إلى حب مشروط والقبول إلى قبول مشروط والاحترام إلى احترام مشروط، كل حاجه تبقى بشرط، وكل حاجه تبقى بمقابل، فالطفل في السن الصغير ده بيبقى شايف أنه لازم يعمل أي حاجه علشان يتحب، علشان ياخد حنان من مامته وباباه، علشان يلاقي حد يهتم بيه واحتياجاته، فبيقرر الطفل في سن معين"النظريات والأبحاث بتقول أنه خمس سنين" أنه لازم يعمل عملية تجميل لنفسه، عملية تبقى مناسبه للوضع اللي أهله عايزاه بيه، يعني يبقى ماشي بوجهة نظر اهله، عاوزينه مقاس ٣٩ يبقى لازم يبقى مقاس ٣٩ بالظبط، عاوزينه ٤٠ يبقى ٤٠، وهكذا ويفضل هكذا علشان ياخد منهم بس شوية حب، فبيقرر الطفل أنه ميكونش نفسه اللي اتولد بيها بالعكس هيبقى اللي هما عايزينه، فبيقرر دفن نفسه الحقيقية ويعيش بنفس مزيفه مصطنعه مش عاوزينه يقول لا فهيبطل يقول لا ويبقى مؤدب، تيجي ثانوية عامه عايزينه يدخل طب او هندسه ينفذ كلامهم فورًا ويحقق احلام وطموحات اهله، نفسه الحقيقة هتفضل حية نابضة، بس هتبقى مسختبيه جواه، مستنيه تتطمن، تلاقي ونس، تحس بالدفا، تلاقي اهتمام علشان تخرج وتظهر من جديد، هما للاسف مش شايفين أن كده هما بيدفنوا ابنهم بايديهم، أنا مش مفسره للقرآن ولا ادعي بذلك بس احنا محتاجين نقرأ الآية ديه ده في "سورة التكوير آية ٨ و٩".
"بسم الله الرحمن الرحيم.
وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ﴿٨﴾ بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴿٩﴾

صدق الله العظيم."
الو..أد يا زين مش بس للبنات ايام الجاهلية الوأد ظاهرة إنسانية بتتكرر كل يوم عن طريقة تربية قاسية من أهالي انانيين، كل يوم نفس حقيقة ممكن تتعرض للوأد، كل تلقائية، حيوية، طفولة.

عايزاك تهدى بقى كده وتاخد نفسك علشان اقولك ازاي ترجع نفسك الحقيقية.

فعل زين كما طلبت منه.

فتابعت هي بهدوء: اللي يقدر يخلي نفسك الحقيقية ترجع هي علاقة، علاقة صداقة، علاقة حب، علاقة جواز، هو مش اللي بوظ نفسك الحقيقية هي علاقة برضه؟ يبقى اللي هيصحلها علاقة، علاقة تبقى حاسس بيها بحب غير مشروط، حب من غير مقابل، علاقة تبقى شايف اللي قدامك يهتم بيك لحسابك أنتَ مش لحسابه هو، علشانك أنتَ مش علشانه هو، وأنه شايفك أنتَ مش شايف نفسه أو شايف حد تاني فيك، علاقة تحس فيها أنك موجود ومتقدر، و وجودك يفرق مع الشخص التاني، علاقة متكونش مضطر فيها تدفع التمن علشان ترضي اي حد أيًا كان مين، علاقة تبقى فيها بحرييتك، تكون فيها نفسك، نفسك أنتَ وبس، وفي الحقيقة أي علاقة حقيقة توصلك للرسايل ديه هي علاقة علاجية، موجوده العلاقة ديه في حياتك؟ مش موجوده؟ يبقى تدور عليها وتتمسك بيها لآخر لحظه في العمر، لان هو ده الطريق لخروج نفسك الحقيقية، فهمت كلامي؟ 

اومأ زين رأسه بابتسامه ثم قال وهو ينهض: شكرًا جدًا لحضرتك.

رحل زين ثم صدح صوت هاتفها معلنًا عن وصول رسالة إليها، أمسكت هاتفها ثم صدمت من محتوايات تلك الرسالة وظلت تنظر حولها.*

لمتابعه باقي فصول الرواية اضغط هنا👇

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-