روايه بيت البنات الفصل الثامن 8 بقلم أمال صالح
#الثامن
- طب وحياة حتة العباية السمرا دي لأكسر دماغها ودماغ أبوها.
توسعت عيني ضابط الشرطة وهو يخرج من خلف مكتبه ليدفع شقيقه الغبي من أمام جنى بسنت معتذرًا عما تلفظ به بغباء: أنا بعتذر جِدًّا من حضرتِك يا آنسة جنى عن اللي قاله...
ثم أشار بذراعه للأمام: تقدروا تروحوا وأنا هبلغ حضرتك لو توصلنا لأي حاجة.
كان سليط اللسان ذاك يجلس على أحد المقاعد أمام مكتب أخيه الظابط، يضع قدمًا فوق الآخر بإنتظار أن ينتهي ذلك الحوار ليخرج كل ما بجعبته بوجه أخيه.
نظرت له جنى بغيظ لذلك البرود الذي يتحلى به وكأنه لم يقل شيئًا ثم نظرت للضابط واومأت: تمام يا حضرة الظابط، عن إذنك.
خرجتا من المكتب فسرعان ما انمحت تلك الابتسامة المُجاملة التي كان يرسمها على ثغره، التفت لذلك الأحمق الذي يأكل أظافره بغيظ ليصرخ وهو يتقدم منه دافعًا قدمه بغضب: يا بجاحة أمك يا شيخ، يا بجاحة أمك!
- طب ليه الغلط طب! الست نايمة في تُربتها لا بيها ولا عليها.
عاد مصطفى ليجلس خلف مقعده، ضرب على المكتب ليصرخ به: عثمان! قولتلك ١٠٠ مرة القسم هنا مش حديقة ملاهي، ازاي تدخل كده وأنت عارف إن معايا ناس جوة، وازاي تتكلم عن البنت كده وهي واقفة...
اخذ مصطفى يردد بدهشة: عباية سمرا؟؟!!
نظر لها يتابع وهو يلقيه بالقلم: يلعن أبو شكلك يا زبالة.
التقط عثمان القلم سريعًا ليجيبه بضيق وهو يضرب بيديه هو الآخر فوق المكتب: ومالها حتة العباية السمرا؟؟
رفع مصطفى سبابته أمام وجهه: مش هنعمله زفت موضوع، اخلص جاي ليه وسايب شغلك؟؟
لوى عثمان شفتيه عاليًا وهو يجيبه بسخرية واستهزاء: سايب شغلي! شغل مين يابو شغل، هو اللي يخلي باله من بنتك دي يعرف يشوف شغله، دا هي بقت شغلي بروح أبوها.
تنهد مصطفى مغمضًا عينيه يحاول تمالك أعصابه أمام لسان ذلك الذي من المفترض أنه شقيقه، يذكر نفسه أنه بمكان عمله وأن كل فعل سيجازى عليه.
صفع عثمان المكتب للمرة الثانية على التوالي: لأ مش وقت يوجا، فتحلي كده وصحصح.
فتح عينيه وتحدث بهدوء وابتسامة صغيرة يخفي خلفه غضبًا كبيرًا: فتحت، إنجز..
بالخارج وما إن خرجتا من المكان حتى لاحظت جنى تلك الابتسامة على وجه بسنت التي تحاول كبح ضحكاتها على هيئة جنى المنزعجة من ذلك الوقح.
- اضحكي يا حبيبتى متخليش في قلبك حاجة.
انفجرت بسنت بالضحك فتوقفت جنى عن السير تنظر لها بغيظ بينما تحدثت الأخرى من بين ضحكاتها: مش قادرة والله معلش، من أول ما اتكلم جوة وأنا هموت واضحك.
صاحت جنى وهي تلكزها بذراعها: دا بيئة ولسانه زفر، وأنتِ اتلمي شوية!
نظرت لما ترتديه وهي تستكمل بضيق: أنا ملحقتش ألبس حاجة، كنت مستعجلة وأنا عمري أصلًا ما روحت بالعباية في حتة.
ابتسمت بسنت بعد أن توقفت عن الضحك وهي تتعلق بذراع جنى التي تحاول إبعادها بتذمر مصطنع: وسعي يابت أنتِ، وسعي بقول!
- أنتوا خلصتوا؟؟
رفع الاثنان وجهيهما على ذلك الصوت أمامهما والذي لم يكن سوى صوتِ المتعجب، تحدثت جنى بإستغراب وهي تتقدم منه: سامر! بتعمل ايه هنا؟!!
أجابها وهو يوزع نظره بينها وبين بسنت التي كانت تعقد حاجبيها بعدم فهم لوجوده: بسملة عرفتني باللي حصل وطنط حبت حد مننا يكون معاكم بس للأسف طارق ومجد مش فاضيين.
ابتسمت جنى وهي تربت على كتفه: ولا يهمك إحنا أصلًا خلصنا ورايحين مشوار كده على السريع وبعدين هنرجع البيت.
أشار بإصبعه للخلف: أنا معايا عربية بابا لو كده تعالوا معايا بدل ما تتبهدلوا في المواصلات وغيره، واحكولي برضو عشان بسملة الله يمسيها بالخير لطشتني كام جملة كده مفهمتش منها حاجة.
نفت جنى: لأ لأ ملوش لزوم، المكان اللي راحين قريب من هنا وهخلص وهرجع أروح المكتب عندي تاني أشوف وصلوا لإيه، روح أنت وأنا لما ارجع البيت هحكيلك كل حاجة من طقطق لسلام عليكم.
رفض بإصرار وبغضب مصطنع: لا والله! وايه تاني؟؟ عمك مخلف رجالة يا حبيبتى ولا أنتِ شايفاني سمر قدامِك؟؟
ابتسمت بسنت على طريقته المرحة بالحديث فنظر لها وابتسم وهو يضيف: ما تقولي حاجة يا بوسي!
رفعت عينَها له مع ذلك اللقب الذي ناداها به، ابتسمت وهي تقف لجانب جنى بعد أن كانت تبعدها بخطوات: أنا رأيي من رأي جنى، ارجع استنى في البيت وخلاص على ما نرجع إحنا.
- والله انتوا الاتنين جوز بلحات!
ضحكت بسنت بخفة وقالت جنى وهي تدفعه بمزاح: يعم ارجع بيتكم وفكك مننا، يلا يابت يا بسنت مش هنخلص منه.
ظل في مكانه، رفع هاتفه عاليًا يصيح عاليًا: طب كلموني لو حصل أي حاجة، ماشي.
رفعت له جنى ابهامها دون أن تلتفت بينما التفت له بسنت تجيبه بـ"ماشي" ليلوح لها بالهواء يودعها.
نظرت لجنى: مشوار ايه ده؟؟
تنهدت جنى واخذت تقص عليها حوارها مع الشيخ وأخبرتها أنها طلبت منه أن يأتي لمنزلهم ليرقيه ويرقي مَن به، كما اخبرتها عما قاله وأنه لا داعي للقلق وأنه سيتولى أمر ذلك السحر فاطمئنت بسنت وكأن عبء انزاح عن قلبها..
ببناية عائلة الهلالي التي تتكون من أربعة طوابق بالإضافة للسطح، الطابق الأول كان لكبير عائلة الهلالي "طه" وزوجته "صفاء" واللذان توفيا ليتركا خلفهما أبناءهم الثلاثة "حامد" والد الشباب وزوجته رجاء بالطابق الثاني، "توفيق" والد البنات وزوجته وجيهة بالثالث، وأخيرًا أصغرهم "سلطان" والذي لم ينجب سوى "نرمين" من زوجته منة، ولكنه في العام الثالث لثانوية ابنته قرر أن يسافر خارج البلاد بحثًا عن عمل يساعد في تنمية رأس ماله ليساعد ابنته في هذا العام الذي يحتاج الكثير.
ببيت سلطان الابن الثالث، كانت منة تتحدث معه على الهاتف بضيق وشيء من الغضب: يعني إيه يا سلطان؟؟ بقالك ست سنين برة ومهنش عليك تنزل اجازة اسبوع حتى، حرام عليك بنتك دي!
زفر على الجانب الآخر بضيق وهو يمسح على وجهه: بقولك ايه يا منة، مش أنا ببعتلك كل شهر فلوس تكفيكِ أنتِ ونرمين وزيادة؟؟ عايزة ايه مني ياستي؟؟
صرخت به بعدم تصديق وصوتٍ عالٍ: أنت معندكش دم؟؟ حرام عليك أنت مش حاسس باللي إحنا فيه! ست سنين ياخي عدينا فيهم بكل حاجة وحشة وأنت كل اللي في دماغك اننا عايزين فلوس! اتقي الله فينا ياخي، اتقي الله فينا حرام عليك.
القت الهاتف من بين يديها وانهارت على الفراش تبكي بعنف وهي تشعر بالألم بقلبها، لما يحدث معها هذا، جميع أخوته يعيشون بسعادة مع أبنائهم ودون ذلك السفر اللعين!!
تغار؟؟
نعم تغار وبشدة، بالأخص من توفيق ووجيهة، فحامد كان حاد الطباع بعص الشيء وقاسي على أولاده وهي لا تريد ذلك الزوج القاسي، تمنت أن يكون لين هين كتوفيق الذي يعيش حياة بسيطة مع عائلته، دون ذلك المال اللعين!!
خرجت نرمين من غرفتها على صوت بكاء والدتها كالعادة، طرقت باب غرفتها: ماما.
لم تجيبها منة وظلت تبكي بقهر، قلبت نرمين عينيها بملل وعادت لغرفتها وهي تغمغم بضيق: دي عيشة قرف!
صف ناصر سيارته أمام البناية، تنهد وهو يفكر في إلى أين سينتهي بهما المطاف بعد هذا اللقاء، هل سينتهي بفراق؟؟ أم سينتهي بعناق؟!
ترجل من السيارة ليصعد السلالم بهدوء، وقف أمام الباب يتنهد للمرة التي لا يعلم عددها قبل أن يرفع يده يطرق الباب.
لحظات من الإنتظار حتى فتحت له وجيهة التي رحبت به بسعادة، عانقتها وأخذت تمسح على ظهره بحنان تمنى لو حظى به تلك الأيام التي مضت.
اغمض ناصر عينيه يمنع نزول تلك الدموع التي كلما اتيحت لها الفرصة تندفع خارج مقلتيه، ابتعدت عنه تربت على كتفه: حمد الله على السلامة يا حبيبي، ادخل اقعد على ما أنادي لندى.
التفت لتنفذ ما قالته فاستوقفها يسألها بحرج: ممكن أدخلها أنا؟؟
حركت راسها إيجابًا: وماله يا حبيبي وماله، هي في الأوضة دي تعالى.
وقفت خلف الباب وهو خلفها، طرقت الباب تنادي بلهفة: ندى، ندى!
- تعالي يا ماما.
رفع وجهه ينظر للباب وكأنه ينظر له، تنهد من جديد بعد أن ابتعدت وجيهة عن الباب تعطيه مساحته ليدخل هو لها.
فتح الباب ودفعه بهدوء وبطئ، كانت تجلس فوق الفراش تغطي نفسها بأحد أغطية السرير بينما تنظر لشيء ما بيدها، اقترب منها بعد أن أغلق الباب ورفعت هي وجهها لتتفاجئ بوجوده.
توسعت عيناها واعتدلت سريعًا تزيح الغطاء عنها، رأته يجذب المقعد أمام التسريحة ويحركه ليجلس قبالتها فظلت في مكانها.
ابتلعت ما بجوفها وهي ترى حالته وهيئته الجديدة، وكم تألمت!
- جيت؟!!
اومأ وهو يشبك أصابعه معًا بهدوء: جيت.
بالغرفة المجاورة، كانت غرفة بسملة وبسنت، انتفضت في الفراش بفزع بعد تلك الرسالة التي بعثها لها "أنا تحت البيت."
توسعت عيناها بصدمة وخوف، اهتز الهاتف بين يديها يعلن وصول رسالة أخرى "انزلي".
ارتعشت يدها وكذلك جسدها، نظرت حولها وهي لا تعرف ماذا تفعل وكيف تخرج وماذا ستكون حجتها.! هي مشتاقة لرؤيته كثيرًا والتحدث معه لكن كيف واين.!
أخذ صدرها يعلو ويهبط وأخذت هي تحاول تهدئة نفسها لتفكر في حل لهذا المأزق وبالنهاية وجدتها!
ارتدت إسدال الصلاة على عجلة وخرجت من غرفتها للمطبخ: ماما أنا هنزل اجيب حلويات وأطلع آكلهم مع نرمين بنت عمو.
التفت لها وجيهة بإنزعاج: مينفعش طلوعك ونزولك كده عمال على بطال يا بسملة، كِنّي في البيت واسكتي.
تذمرت: يا ماما يعني أنا هنا كل يوم؟! أنا كده كده راجعة السكن أنا وبسنت كمان اسبوع ومش هتشوفي وشي.
لوحت وجيهة بيدها بالهواء: اعملي اللي أنتِ عايزاه.
خرجت بسرعة مهرولة بسعادة، وتناست حتى ان تأخذ معها بعض الأموال لتكتمل كذبتها!
هبطت السلالم بسرعة فاصطدمت بمجد الذي تآوه ألمًا، نظر لها وهي تتابع دون أن تلتفت وبتلقائية لحق بها ظنًا أن شيئًا ما قد حدث لها.
وقف أمام بوابة البناية، رآها وهي تنظر حولها كلص هارب، دخلت أحد الشوارع الصغيرة فتحرك خلفها وما كاد يدخل هو الآخر حتى سبقه ذلك الشاب.
توسعت عيني مجد وهو يرى ذلك القرب بينهما، ذلك الشاب وابنة عمه!!
لمتابعه باقي فصول الرواية اضغط هنا👇