جديد

رواية فراشة في جزيرة الذهب (كاملة جميع الفصول) بقلم سوما العربي

رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل السادس عشر رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل الحادي عشر رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل التاسع رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل الثالث عشر رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل العشرون رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل التاسع عشر رواية فراشة في جزيرة الذهب واتباد رواية فراشة في جزيرة الذهب pdf رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل العاشر رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل الرابع عشر رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل الخامس عشر رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل الثاني عشر

رواية فراشة في جزيرة الذهب (كاملة جميع الفصول) بقلم سوما العربي





رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل الاول 



في غرفة ملكية مهيبة وقف من على الفراش الوثير رجل أسمر البشرة طويل الجزع عريض الجِرْم ولف حول جسده ملائه حريرية يولي ظهره للفراش ومن عليه حيث هنالك أنثى يافعة ذات عيون سوداء لامعه تنظر له بإنبهار وتمني.....تتمنى لو كانت نالت إعجابه...




رفع كأسه يرتشف ماتبقى فيه ثم ألقاه بإهمال وقال : -أذهبي.




تلاشت إبتسامتها المتمنية وحل محلها الصدمة لكنها لم تقوى على الأستفتسار بل وثبت مكانها لكن لم تقدر على الحراك، فلم يعجبه تأخرها...




لذا صرخ بصورت عاصف:


- كاكا.




وفي الحال دلف رجل أسود عريض عاري الصدر يخفض رأسه وعيناه أرضا وردد بخضوع:


-أمرك سيدي راموس.




ألتف راموس مرة أخرى ثم قال بفتور:


-خذها من هنا في الحال.




على الفور نفذ "كاكا" أوامر سيده "راموس" وأخلى الغرفة تماماً.




____________________________




-قصدك إيه يا منة بالكلام ده؟




قالها شاب في مقتبل الثلاثينات من عمره بحدة لتجاوبة صديقته التي تواجهه وهي ترفع حاجبها الأيمن وتكتف ذراعيها حول صدرها:


-قصدي إنك رايلت عليها أول ما شوفتها.


-منه خدي بالك من كلامك وماتنسيش إني مديرك، شكلك نسيتي قواعد الشغل.


-أنا أن كان عليا مش ناسية، لكن شكلك أنت إلي نسيت يا مدير، تقدر تقولي إزاي عيلة بنت أمبارح، حديثة التخرج وماكملتش ست شهور على بعض في الشركة هنا وحضرتك تحطها بالأمر في رحلة زي دي؟ إنت مش عارف العملية دي مصروف عليها أد إيه ولا جمالها وسحر عيونها نساك يا فهمي؟




وقف فهمي غاضباً وضرب سطح المكتب بكفه ثم ردد بحزم:


-أنتي تجاوزتي حدودك.. خدي بالك من كلامك وأعرفي أنتي بتقولي إيه، والعيلة بنت أمبارح دي شاطرة وسبق وأثبتت كفاءة ولا تحبي أفكرك بالي حصل في كامب السويس، أنا ماردتش أعيد وأزيد في الموضوع عشان مايبقاش بعد طول سنين ليكي في الشغلانة وتيجي عيلة بنت أمبارح زي ما قولتي بنفسك وتعلم عليكي .




إرتدت منه خطوة للخلف بصدمة وكأن كلامه كالطلقة التي ردت في صدرها قتلتها وبقت تتنفس بلهاث و غيظ ليردد بلا مجال للجدال:


- رنا فكري هتطلع معاكم رحلة جزيرة الدهب ...خلص الكلام..أتفضلي على مكتبك .




إلتفت بسرعة و گمد تتجه نحو الباب تفتحه لتغادر لكنه أوقفها بصوته أمراً:


-منه




إعوجت رقبتها تنظر له دون أن تستدير فقال بما يشبه التهديد:


- ياريت مايحصلش مشاكل..فهماني طبعاً..




صرت على أنيابها بعداوة ثم غادرت سريعاً و بداخلها نار متقدة .




____________________________




في حي شبرا




في أحد البنايات متوسطة المستوى وقفت فتاة معتدلة الطول، بجسد ملفوف، مصرية القوام، وشعر بني طويل تفتح حقيبة سفر كبيرة وتضع فيها ملالسها تغمض عينيها بقلة حيلة وهي تستمع لصوت بكاء والدتها فألتفت لها ليظهر وجهها المستدير وعيونها اللوزية بلون الزيتون الأخضر تبتسم لها تحاول تهدئتها قائلة:


- يا ماما كفاية حرام عليكي صحتك.


-أنا عارفة كان مالك ومال الشغلانة دي بس يا رنا بنتي .. ياما قولت لك ونصحتك أن البن....




قاطعها رنا ضاحكة تكمل عنها:


-البنت مالهاش إلا بيت جوزها ..عارفة ياماما ..بس انا كمان ياما قولت لك إن مش انا البنت دي، أنا عندي طموح وتطلعات لو سمحتي يا ماما ماتقفيش في طريقي.


نظرت لها والدتها بيأس ثم أردفت بقلة حيلة:


-خايفة عليكي يا رنا وأنتي حلوة وصغيرة خسارة


-خسارة ؟! يعني لو كنت مش حلوة وكبيرة كنت هبقى مش خسارة؟ ايه اللي بتقوليه ده يا ست الكل ؟


زمت والدتها شفتيها وقالت:


-مش قصدي .. أنا قصدي إن فيكي الطمع.


ضحكت رنا بزهو وردت عليها:


- هاههه..طب خلي حد يقرب مني كده.. ده انا متمرنة كويس قوي ..بنتك يتفات لها بلاد يا حجة صباح الفل ... أنا هروح أسلم على حورية قبل ما أمشي ...سلام.




إلتفت تغادر بحماس تاركة والدتها خلفها تنظر لها بعدم إرتياح لكنها ما تستطيع إيقافها عن أهدافها ولم يعد بيديها سوى التضرع لله بأن يحميها ويحرسها .




____________________________




في منزل من نفس المستوى 


دقت رنا جرس الباب ففتحت لها سيدة متقدمة في السن تعرج على قدمها وما أن رأتها حتى قالت بحاجب مرفوع:


-أهلاً بخلفة الهنا .




زمت رنا شفتيها بابتسامة عريضة متكلفة و قالت:


-حتى إنتي يا خالتو ؟ أنا عملت إيه بس؟ 


-و كمان مش عارفه.. ده إيه البجاحة دي..هي اختي هتتجلط من شوية.




نظرت رنا أرضاً كانت تعلم أن خالتها غير متقلبة كل ما يحدث فقالت بضحكة مستفزة متبجحة:


-طب إيه مافيش ادخلي..اتفضلي يا رنوش ياحبيبتي.. عايزة أدخل.


-مافيش دخول وأمشي غوري من قدامي


-ليه بس كده ده انا جاية أسلم عليكم قبل ما أمشي يا فوزية .




ضربتها فوزية على يدها وقالت بحدة:


-فوزية في عينك يا قليلة الأدب بس هقول إيه مانتي ناقصة رباية ..


-يا دين النبي...ياخالتو بقا كفاية بسطفة فيا أنا ماشية كمان ساعة .




كادت أن تجيب عليها فوزية لولا صوت أحداهن الذي أتى من خلفهم يردد:


- إنتي بردو مسافرة يا رنا؟ مش عارفه بجد أنتي في أي في دماغك ...طول عمرك غاوية تسوحي نفسك.


ألتفت رنا لتبصر جارتهم "رشا" التي تصغرها بعام تقف أمامها تحدثها بضحكة ساخرة فقالت فوزية تثني على رأيها:


- قولي لها يا رشا يا بنتي .. أنا عارفة بس بنتي ولا البت الهبلة بنت أختي دي ما طلعوش زيك ليه؟




تنهدت رنا وقالت :


-ماعلش بقا يا جماعه.. أصل ربنا وزع الأرزاق ماحدش عجبه رزقه ..وزع العقول كل واحد عجبه عقله وأنا عقلي عاجبني قوي .




ضحكت رشا بسخرية وتقدمت تدفع رنا معها للأمام ثم قالت:


-على رأيك ...تعالي تعالي ..تعالي ندخل للمخبولة التانية ..ماعلش يا طنط فوزية سبيها تدخل المرة دي عليا.


- عشان خاطرك بس يا رشا لكن أنا لو عليا الود ودي أجيب شعرها تحت رجلي يمكن ترتجع عن إلي في دماغها... 




ثم تركتهم وذهبت تكمل متابعة مسلسلها الهندي المفضل بينما تقدمت رنا و رشا لغرفة حورية.




وفتحت رنا الغرفة بحدة وتبعتها رشا حتى وصلا لفراش صغير عليه جسد متكوم تحت الغطاء يهمس في الهاتف مع أحدهم وصوت ضحكة خفيفة صادرة عنها تردد:


-ههههه يا مجنون حد يعمل كده.


فاقتربت رنا منها ونزعت الغطاء فجأة ليظهر وجه حورية آلتي كانت حقا إسم على مسمى ، وجهها كالدائرة وملامحها صغيرة دقيقة ،عيناها عسلية، شعرها قصير يصل بالكاد لأول كتفها .




ترجلت من على الفراش و وقفت أمامهم معترضة تردد:


- إيه ده في إيه ما براحة .


نظرت لها حورية بضيق و قالت:


- قاعدة أنتي هنا تحبي في التليفون وسايبة أمك تبهدلني برا .




زمت حورية شفتيها بضيق ثم رفعت الهاتف على أذنها وقالت بهمس رقيق:


- عصفور حبيبي هقفل معاك دلوقتي وأرجع أكلمك تاني .


صمتت تضحك بخفة ثم قالت:


-ايوة هي رنا .... هههههه باي يا عصفوري .




ثم أغلقت الهاتف وهي تتنهد بهيام بينما قالت رشا بنزق:


- أه ياختي ماليكي حق .. ناس تاخد محمود الفرفوش الصغير الي بيعشق السفر والروشنة و الخروجات وناس تانية يتقدم لها زيدان الكبير إلي دراعة سابق دماغه ...حظوظ.




















نظرت لها حورية و رفعت أصابعها الخمس في وجهها بينما تردد بخوف:


-خمسة و خميسة في عينك ..هتحسدينا يخربيتك... وبعدين في إيه مش أبن عمك وأنتي أولى بيه.


- يعني هو زيدان هو إلي إبن عمي بس؟ ما في غيره.. أنا عارفة بس أيه سر التصميم على زيدان؟




-ما يمكن بيحبك؟


قالتها حورية مفكرة فقالت رشا:


- وهو زيدان ده بيعرف يحب ...شوفي أنا بنت عمه وعايشين مع بعض في بيت واحد أهو إلا عمري في يوم ما شوفته بيتكلم براحة ولا حتى بيضحك ... لأ لأ... أنا رفضته خلاص...طبعاً مش موافقة ... ده أنا و أخواتي وكل بنات عمي بنخاف منه ..حتى واخواتي الولاد و ولاد عمي بردو بيخافوا منه زي أعمامي و أكتر ... قال زيدان قال .. ليه هو العمر بعزقه؟




زمت رنا شفيتها بأسف ثم قالت:


- بصراحة... عندك حق ..حتى البنات في المنطقة كده .. أنا سمعت من ماما إن أمه أتقدمت لكذا واحده وكلهم رفضوا بعد ما أنتي رفضتيه بيقولوا طبعه صعب وكمان ... بصراحه...كبر في السن.




أكملت حورية تردد:


- ومين سمعكوا ده حتى محمود بيخاف منه و بيقول إن ابوه خايف لايكون عنس زي البنات و ليل نهار وزيدان بيتخانق معاه .




عوجت رشا فمها وقالت ساخرة:


- بس في دي بقا يمكن زيدان معاه حق فيها ... أصل ماتزعليش مني يا حورية أنتي حبيبتي وكل حاجة بس محمود ده لاسع قوي ولحد دلوقتي مش ماسك شغلانة هيفتح بيت إزاي ده بالذمة لأ لأ... أنا شايفة إنه مش عريس كويس خالص.




تطلعت لها حورية بضيق وسألت:


- هو مش ده محمود إلي كنتي لسه من شوية بتحسديني عليه… دلوقتي بقى وحش وزيدان عنده حق مش ده زيدان إلي دراعة سابق دماغه ؟




لم تكد حورية تنهي جملتها حتى أنتبهن ثلاثتهن على صوت صياح غاضب أتي من الخارج فركضن باتجاه الشرفة ليظهر لهم ما يحدث بالشارع .




وشهقت كل منهن بحزع وهن يبصرن رجل عريض المنكبين غليظ الذراع يوليهم ظهره وهو يقبض في يده على تلابيب أحد الشباب و لجواره ثلاثة من أصدقاء الشاب يصرخون فيه بغضب:


- خلاص يا معلم زيدان ماجراش حاجه لكل ده


- ماجراش إزاي.. ده بيعلي صوته وأنا واقف .


-عندي أنا دي يا كبير... سيبه بقا الواد مش حملك..أكبرلنا عيب أحنا في منطقتك وبعدين أنت متفق معانا تسلمنا الشغل أول الشهر وده عريس و فرح متحدد


 فهتف زيدان بإنفعال:


- وهو أول الشهر كان جه؟




بعدها ترك الشاب يسقط من بين يديه ثم قال:


- أنا هسيبه يروح وانسى غلطه فيا وفي عمالي عشان خاطر أبوه بس لاني بفهم في الأصول بس تعاملي مش هيبقى معاه و أنت إلي هتيجي تستلم العفش مني... آمين ؟


نظر الشاب لرفيقه المتسبب في كل ماحدث بسبب لسانه الفالت ثم تطلع لزيدان بخزي وقال :


- آمين يا معلم زيدان.. عداك العيب... سلام عليكم.




بعدها تحركوا مغادرين ولم يجرؤ أي منهم على التفوه بحرف زيادة .




وتقدم والده يقف بجوراه ويضع يده على كتفه فالتف له زيدان ليظهر وجهه المنحوت كتمثال لرجل مصارع يزيد عليه لحيته الكثيفه و عيونه الثاقبة،ثم ردد بعدم رضا:


- ما كان من الأول..لازمته إيه إلي حصل ده بس؟


-يعني أنت ماشفتوش ياحاج كلمني إزاي ولا انا بفتري.




زم الرجل شفتيه بضيق ثم نظر على الناس وهم يطلعون عليه وعلى نافعله فقال:


-طب تعالى ... تعالى ندخل جوا الناس بتتفرج علينا يالا بينا..




زفر رضوان بضيق و تحرك معه منصاعاً لأمره.




__________________________




في أعلى نقطة بالجزيرة 




خرج راموس من غرفته وهو عاري الصدر يرتدي بنطال من القطن فقط وعلى كتفه وشاح خفيف، تطلع للسماء بأعين لامعة ثم تقدم حتى وصل لجلسته التي صنعت له في البراح أمام باب غرفته وتطل على البحر مباشرة.




أضطجع على مقعده و بقى يتطلع للسماء يلاحظ شكل القمر و هو بدر في تمامه وبقى يطالعه بصمت ... صمت طويل لم يزحزح عينه من عليه تقريباً إلا بعدما أقترب أحدهم وقال بصوت هادئ:


- أنه البدر في تمامه سيدي.




ألتف ونظر بصمت لتلك السيدة السوداء قصيرة الطول ممتلئة القوام وهي تقف أمامه وتنظر له بحنان ثم أقتربت و وقفت على مقربة منه أكثر ثم سألت بشفقة :


- لما طردت الفتاة؟ 




لم يجيب عليها وعاد ينظر أمامه للسماء بعيداً عن البدر فعادت تستفسر:


-ألم تعجبك هي الأخرى؟




أسبل جفناه لثواني وهو يتنهد بحزن ثم قال:


-يبدو إنني قد كتب علي أن أملك كل شيء إلا ما أحب .


صمت لثواني ثم إلتف لها يسأل:


-أتظنين أنها لعنة؟




ردت بلهفة:


- لا؟ لما؟


-لا أعلم ...لا أجد راحتي مع أي فتاة.




وقف من مكانه و وضع يديه في جيوب سرواله و تمشى في المكان ينظر على البحر بينما يردد:


- من كل الحريم التي أملكها من كل شكل ولون ورغم كل الفتيات التي رعضتموها علي من مختلف البلاد لم أجد تلك التي تجذبني حتى بيت أجن.




تنهد بتعب ثم قال:


-ربما سأتزوج من أحد أميرات البلاد المجاورة للجزيرة .


-لم تكن هذه وصية والدك الملك والتي كنت أنا شاهدة عليها فقد أوصاك إن تتزوج بفتاة تحبها مثله كي يساعدك الحب على أعباء الحكم .


- وأين هي؟ أتعلمين كم عمري؟ 


-أعلم سيدي راموس.


هز رأسه وأردف:


-و للأن لم أنجذب لأي فتاه حتى بت أشك في أمري.


-أنت من يبعدهم عنك..أستغرب جداً تصرفك.. أين تلك التي ستعجبك وأنت لا تثق في أحد ولا تدع المجال لأن تحاول أحداهن أرضائك، قلت أن ولائك لفتيات جزيرتنا فقط و تلك الفتاة التي طردتها من عندك من اجمل فتيات الجزيرة ولم تبقى بغرفتك ساعة واحدة...لقد طردتها .




ضرب سطح الطاولة أمامه فسقطت الفاكهة و الكؤس بينما يردد بغضب محذراً:


- أنچا ....قلت لك لم تعجبني.


إرتدت السيدة "أنچا" للخلف بخوف من عصبيته ثم صمتت لبرهة وحاولت إستكمال حديثها معه مرددة:


-ربما لم يحن الوقت.


-لن أنتظر.. أنا ملك ..يلزمني وريث للعرش ..سأتزوج من أي أميرة..زواج سياسي ينفع الجزيرة اكثر من الحب والإعجاب.




لم تعجب"أنچا" بكلامه و سألت بضيق:


-و وصية الملك.


انفعل عليها وأحتد مزاجه فهتف فيها:


-وأين أجدها تلك؟ أين هي؟




نظرت أنچا للسماء وأبتسمت ثم قالت:


- أتعلم تلك الأسطورة التي تقول أنه....




قاطعها بملل يردد بينما يهز رأسه ساخراً من تفكيرها:


- ملكة جزيرة الذهب تولد ليلة أكتمال البدر في آخر شهر بالصيف... أليس كذلك؟ 




غربت عيناه بضجر بينما يردد:


-لقد مللت مهاتاراتك أنچا ....مر العمر وأنتي تمنيني بتلك الأسطورة والغريب أن والدتي كانت ملكة جزيرة الذهب وهي من مواليد الشتاء و ببداية الشهر .. أنصحك بأن تخلدي للنوم فقد تأخر الوقت .




تحركت أنچا وهمت لتغادر لكنها توقفت مرددة:


- أسخر مني كيفما لكني سأظل مؤمنة بتلك الأسطورة.




أنحنت له تحييه بأحترام تسمعه وهو يردد:


-من الجيد معرفتك بأنها أسطورة يعني خرافات وليست حقيقة .




تنهد بسأم ثم أكمل:


-الأعمال كانت مرهقة الفترة الماضية، سأذهب برحلة صيد في منطقتي المفضلة،بلغيهم ليحضروا كل شيء.




هزت أنچا رأسها بطاعة ثم غادرت وتركته ينظر للفراغ وسرعان ما نظر للبدر و تنهد.




__________________________




دلف زيدان للبيت وهو يخلع قمصيه الممزق بسبب عراكه مع هؤلاء الشباب طواه بيده ثم بدأ يجفف عرق جسده الغزير به حتى وصل لوجهه و وضع القميص عليه ينشف به وبتلك الأثناء كانت حورية تهبط الدرج بسرعة كبيرة كي تلحق برنا تودعها .




ومن سرعتها تعثرت قدمها اليسرى بدرجة السلم المكسورة لتشهق برعب وهي على وشك السقوط تبعتها شهقة اخرى لكن هذه المرة بصدمة و هي تشعر وكأنها قد أصدمت برصيف خرساني .




صدم زيدان بالبداية و رفع القميص عن وجهه بينما لف يده كرد فعل سريع يحمي تلك التي ستسقط فما حدث أنه قد ضمها له بقوة كبيرة وبعدها تحقق من هويتها وردد :


-حورية.




أتسعت عيناها بمهابة وهي تجد نفسها بأحضان زيدان وهو كذلك صدم فحررها من بين أحضانة بسرعة كمن صعقته الكهرباء فارتدت للخلف وكادت أن تقع مرة أخرى، لكنها أنتبهت على صوته بردد بسطوة:


- مش تاخدي بالك وأنتي نازلة قولنا كذا مره في عتب مكسور.




لم ترفع أنظارها له، لم تريد، تمقته وتمقت شدته أو....تخاف منه؟؟




لا تعلم كل ما تعلمه أنها لا تحبذ النظر له ولا التعامل معاه ويستحسن ألا تستمع لصوته الخشن .




فهتف بضيق:


-أنا بكلمك على فكره...بعد كده وأنتي نازلة تبقي تبصي قدامك.


حاولت إلا تصرخ فيه من طريقته فقط لأجل عصفورها وقالت إنهاءً للموقف:


- حاضر .




ثم غادرت سريعاً وتركته خلفها ينظر عليها بضيق مردداً :


-ماشية بربع عقل ...صحيح ما جمع إلا و وفق .




ثم عاد يستكمل صعود الدرج بأتجاه شقتهم.




_____________________________




وقفت رنا بالشارع أمام أحد السيارات الخاصة تودع أهلها مرددة:


-ماتزعليش بقا يا ماما ..هي دي أن شاء الله آخر سفرية وإن شاء الله هرجع لكم بفلوس كتير قوي .




أعوج فم خالتها فوزية وقالت:


- ياختي ارجعي لنا بعريس.


دبت بقدميها في الأرض تردد:


- ياخالتو بقا ياخالتو .


-بلا خالتو بلا هباب ده انتو خلتوها خل .




صمتت لثواني وهي تبصر حورية حضرت للتو فقالت بتوعد :


- وأنتي يا بت أنتي تقولي لعصفور الجنينه بتاعك إن تأجيل فرح تاني مش هيحصل ولما يجيلي لينا كلام تاني .




نظرت حورية لرنا وقالت:


- عجبك كده هتمشي أنتي وتسبني لوحدي معاهم يتكاتلوا عليا ؟




ضحكت رنا و ودعت والدتها التي وقفت باكية لا تتحدث وحاولت طمئنتها ثم سلمت على خالتها ورنا وغادرت مع السيارة التي أوصلتها للمطار .




_________________________




في ظهر اليوم التالي كانت رنا وسط زملائها من العمل وقد حطت الطائرة بالمطار ثم ذهبوا للشاطئ كي يسيروا بالبحر كي يصلوا للجزيرة .




وقف قائد المركب يردد:


- دلوقتي يا شباب احنا على بعد تلات ساعات من جزر الدهب.. هي مجموعة جزر بيحكمها الملك راموس وبيسكن أكبر جزيرة فيهم و الدخول هناك له ترتيبات و تصاريح .. أهل الجزيرة هناك ليهم نظام خاص جداً فياريت كلنا نلتزم بالتعليمات عشان نوصل للمكان إلي فيه مهمتنا لأنهم أكتر من جزيرة زي ما قولت .




ظلت رنا تستمع للتعليمات بإنصات تام وباقي زملائها كذلك لكن بعينهم نظرة خاصة لها وهي تلاحظ ذلك لكن لا تعرف ماذا هناك.






















بعد مرور ساعة ونصف تقريباً وقفت المركب على أحد الشواطئ وقال القائد:


-هنقف هنا نريح مكنة المركب ونكمل ...تقدروا تنزلوا تريحوا شوية قبل ما نمشي.




هزوا جميعاً رؤسهم بينما تقدم أحداهن بمن رنا وقالت بإبتسامة واسعه ودودة:


-رنا ... بيقولوا الموز هنا في الجزيرة حته من الجنه .. ماتيجي نجرب .




نظرت رنا للجزيرة بريبة ثم قالت بتردد:


-لأ ماعلش ... أصلي...




قاطعتها الفتاه وقالت:


- أخس عليكي بقولك نفسي فيه هو احنا هنيجي الجزيرة هنا كام مرة في العمر يعني ؟


-طب ما تاخدي منه؟


-دي عيلة باردة...قولتلها و قالتلي لأ وحرجتني ..هتيجي معايا ولا هتحرجيني زيها ؟




زمت رنا شفتيها بحرج ثم وقفت و ذهبت معها رغم ترددها .




ظلت الفتاة تسير مع رنا حتى تعمقا داخل الجزيرة بجوار أشجار الموز فقالت الفتاة لرنا:


- الله شوفتي مش قولتلك الموز هنا مختلف .. لأ وفي جوز هند كمان...وااااو .




صمتت لثواني تخرج هاتفها ثم قالت بأنبهار:


- مش معقول ....ده في شبكة هنا... طب أستني أكلم ماما أطمنها وانتي أجمعي الموز .. ماشي.




لم تترك لها فرصه بل بدأت تتصل بوالدتها بالفعل وتتحدث معها تسير خطوة بخطوة بجوار رنا التي أنشغلت بجمع الموز كي تنتهي وتذهب من هنا قبلما تغادر المركب.




لكن لم يمر ثوى دقيقة ...هي فقط دقيقة واحدة ولم تجد أحد بجوراها .




ألتفت حولها برعب تنادي الفتاة التي كانت معها لكنها لم تجدها .




حاولت الخروج من بين الأشجار كي تصل للشاطئ لكنها صدمت بعدم وجود المركب أو أي أحد من أصدقائها.




حاولت التماسك وألا تصرخ بأنهيار الآن وظلت تركض على طول الشاطئ لكنها لم تجد أي أثر لهم .




وقفت تلهث وقد سيطر الرعب على خيالها وجسدها لتنتفض على شئ معدني مصوب بظهرها وصوت جهوري يردد بلهجة حادة:


-من أنتي؟؟؟ 



🌹



رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل الثاني 2 بقلم سوما العربي



-سوسو سو....سوسو سو


-عصفوري .




قالتها حورية ترد بها على محمود خطيبها الذي وقف خلفها قائلاً:


-أنا جيت .


=خيبة الأمل راكبة جمل.




قالتها فوزية وهي تطالعه بضيق شديد فقال:


- إيه يا حماتي بس في إيه مالك ...ماتروقي أمال...ماتكلمي ماما يا حورية.




تقدمت حورية من والدتها وهمست لها:


-جرى إيه يا ماما ... مش كده ...ده إحنا حتى في الشارع.


-و هو انا مسكتني غير أننا في الشارع.




لكنها ألتفت تناظر محمود وقالت بحدة وحزم:


-أسمع يا أبني أما أقولك...خير في سلامة وسلامة في خير وإنت أديلك سنتين داخل خارج بالخطوبة والدبلتين بتوعك وقولنا ماشي لكن كده كتير بقا وأنت زودتها ... أسمع يا أبن الناس أخرك معايا الشهر ده لو جه يوم تلاتين منه وأنت ماتممتش الجوازة دي يبقى أعذرني.




تقدمت حورية وقالت بغضب:


- كلام إيه ده ياماما ما.....




قاطعها فوزية بحزم وقالت:


-ولا كلمة يابت.... أنا إلي عندي قولته ماذا وإلا.....




قاطعها محمود هذه المرة وقال :


-ماذا وإلا إيه بس يا حماتي...ده حتى الشقة ماجهزتش .


-ماهو من لاكاعتك ... وأنا ماليش فيه .. أنا إلي عندي قولته .




تطلعت لابنتها وقالت:


-قدامي على البيت


-طب والفراخ إلي أتدبحت دي؟


-ماشي ...تجبيها وتيجي ورايا أنتي فاهمه.




ثم غادرت وتركت محمود ينظر عليها بضيق شديد وأقترب من حورية قائلاً:


-هي الست دي بتعمل معايا كده ليه؟


-معذورة يا محمود إحنا بردو طولنا وأنت لا حس ولا خبر..واقف محلك سر وبتتفرج عليا.




تغيرت ملامحه على الفور وإستدار يوليها ظهره مردداً:


- وأنا أعمل إيه بس يعني يا حورية


-ما أخوك زيدان ياما أتحايل عليك تنزل معاه الشغل .


-مابحبش النجارة يا حورية.


-حبها عشاني يا محمود.




تحرك حولها بضيق شديد ..كان كطفل أرعن صغير بالضبط وقال بنزق:


- بقا ده كلام تقوليهولي وأنا إلي جاي مزقطط وفرحان أول ما جالي الخبر.




اقتربت منه تسأل:


-خبر أيه؟


لمعت عيناه ورد:


-قدمت في مسابقة الغنا وبعد بكرة هروح أعمل آخر أختبار.




تهلل وجهها وقالت بفرحه شديدة:


-بجد يا محمود...بس أنت مابتعرفش تغني ..طول عمره صوتك وحش.


-أيش عرفك أنتي.. أنتي هتفهمي أكتر منهم يعني ..هغني راب وبعدين بعرف اغني مابعرفش مش مهم .. إحنا في زمن الهجايس .. وأنا عايز أبقى غني ومشهور والفانز حوليا من كل مكان مش ابقى نجار زي زيدان طب ده كلام بالذمة .




شعر بيد قويه وضعت على كتفه وقد زمت حورية شفتيها بأسف عليه وخوف ممن خلفه لينتفض على صوت رخيم يعرفه جيداً وقد ردد :


-ماله زيدان بقا مش عاجبك في إيه عشان ماسمعتش ؟




تلجلج محمود وأرتبك بحضرة زيدان وردد بإرتباك:


-ولا حاجه ؟


-ولا حاجه أزاي؟ مش عايز تقول.




صمت وتطلع لحورية يسألها:


-خليكي أنتي اشجع منه وقوليلي كان بيقول إيه ؟


أبتلعت رمقها بصعوبة...تتوتر بوجوده ..هي بالفعل تخاف فقالت طالما هو مصمم و كي ينتهي الموقف :


-كان بيقول أن زيدان ده سيد الرجالة و أن مافيش منك أتنين .




نظر لها زيدان نظرة شاملة مطولة ثم قال:


-علمك الكدب؟




فردت بسرعة وغضب ممزوج بالضيق الشديد:


-لأ طبعاً..ده ...ده حتى أنا كمان رأيي كده .




نظر أرضاً وهو يضحك بسخرية ثم رفع عيناه فيها لترتبك و تتوتر بوقفتها و تنسحب ناحية محمود قليلاً تختبئ خلفه من خوفها منه تسأل متى سيغادر فأشاح زيدان نظره عنها وتحدث إلى محمود :


-الست فوزية لسه معدية عليا وبتقول أنها عايزة تيجي النهاردة لابوك.. في إيه ؟




-يادي النهار الي مش فايت ..شوفتي يا أختي أمك.




لم تتحدث حورية ونظرت لمحمود بضيق فقال زيدان:


-في إيه يابني أنا بكلمك.


-بقولك إيه يا زيدان أنا فرحان و ورايا أودشن بعد بكره ومش عايز حاجه تعكنني.




-أودشن؟ ده إيه ده بقا إن شاء الله ؟


فرد محمود ظهره وهو يعدل من ياقة قميصه بينما يردد بفخر:


-اخوك وبكل فخر هيبقى مغني.




تحولت ملامح زيدان للغضب الشديد وسأل:


-أنت بتقول أيه أنت أتجننت .




تغيرت وقفة محمود وإنكمش على نفسه ثم ردد بخوف:


-أيه بس يا كبير مالك .




تجاهله زيدان ونظر لحورية يسألها:


- أنتي موافقاه على الهبل ده ؟


-وفيها إيه هو حد....




قاطعها بغضب يقول:


-فيها أيه؟ ده عادي يعني؟!




ضم أصابع يده في كفه من شدة الغضب و قال:


-واحد دماغه مفوته وخطيبته مطوعاه في الهبل .. أكيد مش هحرق في دمي معاهم ... أنا ماشي أحسن .




قالها وغادر على الفور فتنهدت حورية وبدأت تلتقط أنفاسها مرددة:


-الحمد لله.. أخيراً مشي... أنا بخاف منه قوي يا محمود.


-ومين سمعك... أنا كمان بخاف منه والله أكتر من أبويا.


-بقولك إيه يا محمود ماتجيب شقة في بيت تاني للجواز.. أنا ياخويا مش هقدر أعيش مع أخوك ده في بيت واحد ..ده انا جسمي لسه بيترعش لحد دلوقتي.




-أتنيلي هو أنا عارف أشطب شقتي عشان أجيب لك واحده برا ...يالا زمان الفرارجي خلص ..خدي الفراخ وروحي لأمك احنا مش حمل لسانها .




وعلى ذكر سيرة والدتها انتفضت حورية وتحركت سريعاً فأخذت الدجاج وحاسبت على ثمنه ثم غادرت سريعاً للبيت.




__________________________




ألتفت رنا ببطئ والخوف ينفض جسمها بوضوح وما أن ألتفت حتى شهقت برعب شديد وهي ترى أمامها رجل أسود عريض عاري الصدر يصوب بندقيته ناحيتها ثم تحدث بلغة أجنبية يسألها من هي فقالت بخوف:


-يعني إيه ؟ مش فاهمه..




نظر لها بعينه المرعبة بتدقيق ثم قال بالإنجليزية :


-عربية؟


-أيوة ... الحمدلله...أنت بتتكلم عربي ؟


-قليلاً من أين أنتي ؟


-مصر


-لما الكذب إذاً ..أنتي لستِ عربية.


-ماشاء الله شكلك عارف تاريخنا كويس...طيب ممكن تساعدني أخرج من هنا.




أخرجت هاتفها من جيب سروالها الجينز ثم قالت مكملة:


-أنا كنت مع صحابي في رحلة تبع الشغل وشكلهم مشيوا ونسيوني وبحاول أتصل بيهم بس تقريباً الشبكة واقعة هنا.




نظر لها بتدقيق ثم قال:


-أتبعيني إذاً


نظرت له بشك ثم قالت:


-أتبعك فين؟ لأ أنا مش عارفاك وبصراحة نظراتك مش مريحاني.


ألتفت ينظر لها ثم ردد بلا مبالاة وهو يهز كتفيه:


-جيد إذاً ،ظلي هنا حتى تتحلل حثتك.




ثم هم بالرحيل لتنتفض و تتحرك بلهفة تنادي عليه :


-يا أستاذ..يا أستاذ..أستنى بس مايبقاش خلقك ضيق .




توقف بنزق يسألها:


- ماذا ؟


-هتساعدني إزاي؟


-سأخذك إلى الضفة الأخرى بقاربي فقط أتبعيني لو أرداتي.


بالطبع ذهبت خلفه ...لا حل تملكه الأن فسارت معه حتى دخلا وتوغلا في الغابة .




سارا حتى وصلا عند مكان كله مخيمات كبيرة بدى وكأنه معسكر فسألت بريبة:


-أنت ياحضرت...مش قولت هتساعدني.. إحنا فين؟




إلتف ينظر لها وعلى شفته ابتسامة توحي أنها قد وقعت في الفخ جعلتها ترتجف أكثر وأكثر ثم أنتفضت على صوته الذي صدح بجملة من لغة غريبة لم تعرفها .




شحب وجهها و وقفت مبهوته وهي ترى مجموعة من الرجال عرايا الصدر فقط يلفون قطعه من القماش على جزعهم السفلي وبيد كل واحد منهم عصا خشبية يتكئ عليها رغم قوة بنيانه يصدح منهم صوت واحد في نفس اللحظة بطريقة سحبت الدماء من جسدها وزاد الطين بلة وهي تراهم يلتفون حولها ويطوفون في حلقة مغلقة بطريقة جنونية، بدوا وكأنهم لأول مرة يرون أنسي ثم توقفوا وهم يسحبونها معهم للأمام يرغبون في أخذها لمخيمهم.




فلم تتحمل كل تلك الصدمات بداية من تيهها ثم غدر ذلك الخبيث وختاماً بمايحدث الآن فسقطت أرضا فاقده للوعي بين أيديهم وهم حولها مازالوا يهللون، يتعارك كل منهم مع الآخر على من سيحملها ولم يتوقفوا إلا على صوت أنچا الجهوري التي رددت بحزم:


-توقفوا .. ملكنا في قيلولة ...ستزعجونه هكذا...ماذا هنا وما سر كل تلك الضوضاء.




توقفوا جميعاً فسقطت رنا أرضاً منهم وتقدمت أنچا حتى باتت أمامهم و رأت رنا لتقول بتفهم :


-آه ...فتاة بيضاء...الآن فهمت .




نظروا كلهم أرضاً بخوف ورمقتها أنچا بنفور، فتحدث الرجل الخبيث وهو ينظر أرضاً:


-أسمحي لي سيدتي لكن أنا من جلبتها لهنا و أنا من سأبيعها .




تقدمت أنچا حتى توقفت أمامه وقالت بغضب:


-نحن هنا جميعاً في خدمة الملك راموس ...لسنا بالجزيرة كي تفعل .. أنها عطلة الملك ولا أريد أي مشاكل جانبية تعكر صفوه .




ظهر الأعتراض على وجه الرجل فرغبت أنچا بإنهاء الموقف وقالت :


-حسناً سأضمها لجواري الملك ...كم تريد فيها .




لمعت عينا الرجل بجشع فقد طمع ببيعها لأحد الأشراف بالجزيرة لكنه الآن سيبيعها للملك راموس نفسه لذا طلب مبلغاً كبيراً... كبيراً جداً و قال :


-مئتي دولار.


-ماذا ؟ 


-أرى أنها تستحق سيدة أنچا وهذا ما أريده لا تنسي لمن أبيعها؟ أنه الملك راموس.




نظرت أنچا للفتاة بضيق شديد ثم قالت:


-حسنا لك ما أردت.




ثم نادت على الحرس وما أن حضروا حتى قالت بإزدراء:


-خذوا تلك البيضاء لمخيم جواري الملك .




ثم أقتربت من الرجل تدفع له المال وهي تراقب تلك الفتاة بينما يحملها الحرس و تحركوا بها ناحية المخيم.




____________________________




في صالة شقة فوزية جلست أمام محمود وأهله مرددة بحسم:


-المدة طالت يا حاج راشد وابنك من ساعة ما شبك من سنتين ومافيش أي حاجة جدت .. أعذرني بس احنا ولايا من غير راجل وكلام الناس كتير.




فرد الحاج راشد بهمة:


- كلام إيه ده يا ست فوزية أنتي على راسنا وحورية بنتنا ومتربية وسط عيالنا .


-كلام حلو يا حاج... بس ما تأخذنيش أهو كلام إبن عم حديت ولو دي نظرتك لينا فأنت مش كل الناس وأحنا مش عايشين لوحدنا.




صمت راشد يقر أنها تتحدث الصواب وتدخل زيدان:


-طلباتك ياست فوزية .


-الفرح وكتب الكتاب يكونوا آخر الشهر.




صمتوا جميعا من طلبها وهتف محمود:


-ده إلي هو إزاي هو أنا ساحر..أجيب منين ده الشقة على الطوب.


-مانت لو كنت بتشتغل زي الحاج راشد و المعلم زيدان كان زمانك مشطب ومخلص، ألا أنت مش غاوي شغل وإلي بتاخده بتفرتكه، وأنا يابني صبرت عليك كتير وطولت بالي على الآخر لكن لاقيتك سارق الود و زودتها قوي .. يابني ده حتى المثل بيقول إن كان حبيبك عسل ماتلحسهوش كله .




حاول زيدان التفاهم معها وقال بمهاودة:


- عداكي العيب يا ست فوزية بس بالعقل كده هو في حد هيعرف يخلص كل الطلبات دي في شهر؟


-معاك حق بس ماعلش اعذرني يا معلم زيدان، أنا لو رخيت له الحبل و زودت المهله هيرجع يسوق فيها، أنا سيبته سنتين بقولك ..خاطرك على عيني يا معلم بس ده آخر كلام عندي .


-طيب ماحنا ممكن نكتب الكتاب عشان نسكت الناس وبعدها نرتب للجواز براحتنا .




أحتدت ملامح فوزية ورفضت رفض قاطع مرددة:


-لاااااا ... كتب الكتاب مع الفرح .. أخوك ده أنا ما استأمنوش على بطه بلدي وبعدين ماتأخذنيش أنا أضمن منين أنه هينجز و يتجوز مش يمكن يكتب الكتاب ويضرب على الجواز والفرح عوافي ويبقى بقا هو إلي مسكني مش أنا إلي مسكاه وأفضل تحت رحمته لا ماعلش مش موافقة وهو شرط زي ما أتفقنا .




في منزل الحاج راشد 




جلسوا جميعاً بالصالون يفكروا بحل فقالت والدة زيدان و محمود:


- وبعدين إيه الحل؟ دي الشقة على الطوب الاحمر.




نظرت لابنها وقالت من بين أسنانها بضيق:


-مانت لو كنت بتسمع كلام ابوك وأخوك وبتشتغل زي الرجالة ماكنش ده بقا حالنا وحالك ...أتصرف بقا .




-أتصرف أزاي يعني .




صمت لثواني ثم زاغت عيناه وردد :


-أاا...أحمم..كده مافيش حل غير أني أخد أنا بقى شقة زيدان و أمري لله.




أنتبهوا كلهم له وتطلعوا له بأعين متسعه مصدومة ومنهم زيدان فتحدث راشد:


-أنت أتجننت يالا ..دي شقته وهو إلي شقي فيها وعارف أنه بيحب الشقة دي وأسسها من الصفر بعرقه .




تهرب محمود من أعينهم خصوصاً عين زيدان وقال:


-ماهو مافيش حل تاني.




وقف زيدان و تركهم يخرج للشرفة المجاورة للصالون يشعل سيجاره و قد تجلت على ملامحه علامات الحزن و الضيق يسمعهم وهم مازالوا يتحدثون حيث قال والدهم موبخاً محمود:


-أنت إيه...مافيش دم بقولك شقته وبعرقه وبيحب الشقه دي وهو إلي مختارها .


- وفيها إيه يا حاج بس ما ياخد هو الدور التالت إلي كان هيبقى ليا ولا يعني عايزين الجوازة تبوظ .


-كلام إيه ده بقولك شقة أخوك وهيتجوز فيها.


-يتجوز مين بس هو في واحدة راضيه بيه ...بيخاوفوا منه ..ما على يدك أتقدمت للي يسوى والي مايسواش وماحدش راضي بيه.




ليغمض زيدان عيناه بحزن دفين يجاهد على مواراته ،قد كان على علم بما يقال عنه أن كل فتيات الحي ترفضنه خوفاً منه حتى كبر بالعمر حتى إبنة عمه رفضته، ووصل به الحال أنه بات يصدق ما يقال عنه فأطفأ سيجاره قبل أن يخرج على والده ثم دلف للصالون من جديد في الوقت الذي وقف فيه راشد وصرخ بغضب:


-أخرص يا قليل الأدب و لو عايز تتجوز أتجوز بشقاك مش بشقى أخوك .




لكن زيدان وضع كفه على كتف والده وردد بنبرة هادئة:


-هدي نفسك ياحاج.... أنا شايف إن مافيهاش حاجه والمليان يكب على الفاضي .




رفض راشد بحدة :


-أيه إلي بتقولوا ده أنت كمان 


-أنا ومحمود واحد يا حاج 


-لأ أنا مش موافق 


-ماعلش بقا يا حاج عديها...خلي الفرح يدخل بيتنا.




ثم نظر لمحمود وقال:


-مبروك عليك يا محمود ... أنا هبقى أطلع أشيل حاجتي من فوق لما أفضى وأنت هات خطيبتك عشان لو عايزه تغير حاجه في الشقه وتفرشها على زوقها وطبعا عفشك كله من عندي .


-شكراً يا زيدان..طول عمرك كبير في كل حاجة.




راقبت أمه ضحكته المتأملة وأستأذنه ليذهب للمواصلة عمله ثم قالت لمحمود:


-تصدق وتؤمن بالله أنت ماعندك دم وأنا ماعرفتش أربيك.


-أنتو عاملين حوار ليه انتي و أبويا...طول عمركم بتحبوا زيدان اكتر مني و مدلعينوا.




جلس راشد بإنهاك على كرسيه بينما يردد ساخراً بخيبة أمل:


-أه أهو حتى عشان كده طلع بايظ وعواطلي ومش بيعمر في شغلانه وعايز يتجوز بس مش مشطب شقته... إحنا فعلاً دلعناه عنك.


-يووووه ...أعملوا لي عزا بقا ...ما صاحب الشأن وافق .




فقالت الأم:


- حتى لو هو وافق كان المفروض انت تستحي وتقوله لأ ده شقاك أنت لكن ده أنت أصلاً إلي طلبت..يا خسارة تعبي .




فقال راشد:


خلاص يا فردوس .. خلاص المفروض نفرح .. عندنا فرح .




وقف محمود وغادر بغضب شديد و ضيق من حديثهم بينما راقبته فردوس حتى خرج من الباب وجلست بحزن لجوار زوجها تردد:


-كان نفسي أفرح بزيدان الأول ومش على أي واحدة...ده احنا وصل بينا الحال إن بقينا نتقدم لأي بت والسلام...اااه يا راشد أاااااه...ياما كان نفسي اجوزوا لواحدة مافيش منها ..كان نفسي حظة يبقى ضارب زي أخوه محمود وياخد واحدة زي حورية كده ولا رنا بنت خالتها ... لكن هقول إيه نصيب .. أنا عارفة بيخافوا منه ليه .. هو صحيح زي ضلفة الباب وصوته عالي بس والنبي طيب.




-أنتي هتقوليلي يا فردوس ..بس هنعمل ايه..أدي الله وأدي حكمته... أدعي له .. أدعي له يا فردوس ربنا يهنيه.


- وأنا بأيدي حاجة غير الدعا يا راشد.




قالتها فردوس بحزن وبداخلها تدعوا وتبتهل من أجل عزيزها .




_______________________________




في مخيم حريم الملك


دلف الغلمان وهم يحملون رنا فأنتهت كل الحريم و وقفن بتأهب يتابعن ما يحدث مستغربين و زاد إستغرابهن وهن يرون أن الوافدة فتاة بيضاء البشرة، شقراء الشعر.




وأمرت أنچا بمقط: 


-ضعوها هنا .




تقدمت سيدة في منتصف الأربعين عريضة الجسد و طويلة وسألت :


- من تكون ؟


-جارية جديدة للملك ..أشتريتها له كهدية، حضريها كي تلتحق بالحفل السامر الليلة، وأتمنى أن تضعي بعض التغييرات فلليلة الأمس أصابت ملكنا بالضجر هااا..




هزت السيدة رأسها بإذعان بينما عادت أنچا تنظر على رنا بنفور ثم نظرت لعدد الفتيات ذوات البشرة البيضاء في المكان و رددت ببغض:


-لقد كثر عدد البيضاوات هنا ..لكن لا بأس سأجد حل لهن.




ثم غادرت على الفور وتركت خلفها رنا وقد بدأت بعض الفتيات بحملها لفراش بدائي صغير .




ومر الكثير من الوقت حتى قربت الشمس على المغيب ورنا لم تستفيق بعد فقالت السيدة الأربعينية:


-لا وقت أمامنا يجب أن تتجهز .




تقدمت منها فتاة كانت سمراء البشرة بعيون مستديرة مليحة الوجه وقالت بمهادنة:


-لكن سيدة "أنكي" أنها لم تستفق بعد...المخلوقة يبدو أنها مجهدة لما لا نتركها الليلة.




رفعت أنكي إحدى حاجبيها وقالت بحسم:


-لا تتدخلي "سوتي" فلا أنا ولا أنتي يمكننا الإعتراض على أوامر السيدة أنچا فهي شقيقة الملك بالرضاعة و صديقته المقربه و أوامرها لا تعصى في مملكة جزر الذهب كلها، وطالما أمرت أنچا بتجهيز تلك الفتاة للملك فيجب أن نفعل وإلا فلن نسلم من غضبها ...أذهبي وخذي معكي بعد الفتيات لتجهيزها حتى لو كانت غافية ....هياااا.




بالفعل بدأت الفتيات بقيادة سوتي بجر رنا للأستحمام ولم يجدوا بد من ألقاء الماء البارد عليها.




-هييييييييييييييي.




كانت شهقة عالية صدرت عن رنا التى وثبت من مكانها إثر سقوط الماء عليها مع جحوظ العينين وبدأت تتلفت حولها بجنون تسأل أين هي؟ 




فأقتربت منها سوتي وقالت بتريس :


-أهدي أهدي عشان أفهمك.




تطلعت لها رنا بلهفة كالغريق وقبضت في ثيابها تردد:


-بتتكلمي عربي صح؟ صح والنبي... قوليلي.. أنا فين.. أنا..أنا ..أنا المركب ..و..شكلهم غدروا بيا والراجل... الراجل ابن الكلب الأسود و...و...وطلع عليا ناس زي الي بياكلوا لحم البني أدمين..و.. عملوا عليا داوارية .. عملوا عليا داوارية و.. أنا فين.. أنا بعمل إيه.. وأنتو.. انتو مين...يالهوي...تعالي خديني ياما .




جلست لجوارها سوتي تحاول تهدئتهة ثم قالت:


-حاولي تهدي .. لأن ده مش كويس عشانك ..شكلك تعبانة شديد .




-أنتي سودانية؟


-أيوة وعشت بمصر فترة كبيرة قبل لأجي هنا؟ دي قصة طويلة 


- أنا فين وبعمل إيه..و المهم هخرج من هنا إزاي عشان أرجع على مصر .




هزت سوتي رأسها بأسف ثم قالت:


-أنسي مصر خلاص... إنتي بقيتي جارية عند الملك راموس وملك يمينه.




رفرفت رنا أهدابها بغباء ورددت بعدم إستيعاب:


-هو أنا ركبت مركب للجزيرة ولا آلة الزمن ...رمسيس مين .. ده التاني ولا التالت أنا شخصياً بحب التاني أكتر عشان بيقولوا أنه أبو كل المصريين الموجودين دلوقتي .


-مش وقت هزار 


-أنتي يا حبيبتي إلي بتهزري وأنا قسماً بالله ما حمل هزار ...ملك مين وجارية إيه.. أنا واحدة مسلمة وحرة هو لسه في أصلا زمن عبيد وجواري.




زمت سوتي شفتيها وقالت: 


- النظام هنا مختلف عن كل بلاد العالم.. الجزيرة هنا فيها كل الخيرات وأقتصادها قوي خصوصاً بعد ما أكتشفوا الدهب إلي بقا زي النفط ونقل أقتصاد الجزر كلها حتى غيرو أسمها وسموها جزر الدهب ..هي في الأصل كانت جزيرة واحده لكن جد الملك راموس بدأ بالحروب والمعاهدات يفرض سيطرته على كل الحزر المحيطة ويعملوا زي مملكة ليها قواعد بدائية غير قابلة للتغير و بيحكمها دلوقتي الملك راموس إلي أنتي بقيتي جارية عنده.




شبت رنا واقفة تردد بغضب و هستيريا 


-بردو هتقولي جارية ... أنتو كلكوا مجانين... أنا مش هسكت على الجنان إلي أنتي بتقوليه ده.


-مش أنا إلي بقول ...ست أنچا هي إلي قالت.




فزاد صراخها و غضبها بينما تردد:


-مين أنچا دي عشان تقدر تعمل كده و تحول واحدة حرة لجارية ... أنتو فاكرين الدنيا سايبة .




تحركت من مكانها وبدأت تهتف بحدة و غضب :


-هي فين إلي أسمها أنچا دي .. أنا مش هسكت على الجنان ده.




ظلت تهتف بحدة و غضب وهي تتحرك بهوجائية لم تتحمل ما قيل لها، فلم تستطع أي من فتيات الحرملك أن يتصدوا لها وأستمرت رنا في صراخها حتى خرجت من مخيم الجواري وأصبحت في منتصف المعكسر تهتف بجنون:


-أنا لازم أمشي من هنا ... أنا مستحيل يحصل فيا كده .. أنا مش هسكت .




وعلى أثر صوتها أجتمع المعسكر كله وخرجت أنچا من خيمتها تسأل بحدة :


-ماذا هناك ..ما هذة الغوغائية...




تطلعت لرنا وقالت بقسوة:


-أنتي أيتها البيضاء.... شغب من البداية...حسابك معي عسير ؟ 


-أنا لازم أمشي من هنا .. مستحيل أقعد هنا لازم أمشي.




لحظتها خرج الملك راموس من خيمته بسبب صوتها العالي مستغرب يسأل ماذا هناك.




ليبصر أمامه فتاة متوسطة الطول ملفوفة القوام شعرها أشقر وكان أشعس يصنع حول وجهها الأبيض المشرئب بالحمرة هالة من البهاء، كانت كمقاتل شرس وقع في الأثر ومازال يقاوم غير قابل للخضوع أو الهزيمة.




بينما رنا مستمرة في الصراخ الغاضب تردد:


-مشوني من هنااااااا.


أقتربت منها أنچا وقالت بحزم:


-خفضي صوتك أيتها البيضاء...عن أي ذهاب تتحدثين لقد أصبحتي جارية للملك راموس أنا أشتريتك له.




أشتغل جنون رنا وصرخت فيها:




-جارية مين و راموس مين يا ولية يامهبوشة أنتي.. أاااه... أنا عارفة الدماغ دي .. أنتو شكلكوا ضاربين حاجة.




ظلت تتحدث وتهذي بجنون بينما راموس يتابعها بتركيز وهو يتقدم من خلفها رويداً رويداً حتى بقا خلفها تماماً.




توقفت فجأة عن الحديث تسأل بترقب:


-الصهد ده جاي منين؟




شعرت بأنفاس ساخنة خلف عنقها تقريباً فالتفت وما أن فعلت حتى صرخت برعب:


-عاااااااااا.




بقى يناظرها بصمت تام وحاجبه مرفوع بإستنفار وهي بدت كمن نست النطق تتطلع له بخوف شديد إلى أن تحدث ببطء مثير يقول لها:


-أنا هو الملك راموس وقد أصبحتي جاريتي من الآن.




أرتفع صوته أكثر يحدث أنچا بينما عينه مازالت مثبتة على رنا بتدقيق وإستفزاز:


-هدية مقبولة أنچا بل ورائعة كذلك .






















رفع رأسه وفرد جسده ثم ردد أمراً بشموخ:


- وأريدها الآن بغرفتي .




شهق الجميع بصدمة وكذلك أنچا ...لأول مرة يطلب الملك فتاة بنفسه كانوا دوماً يعرضونهن عليه .




نظرت أنچا للفتاة بضيق وسخط تشعر بالخطر، لكنها هزت رأسها بخضوع وسحبت رنا التي كانت تصرخ وتركل بقدمها في الهواء معترضة تحت أنظار راموس الذي وقف يتابع تمردها بإنتباه حتى أختفت مع الفتيات داخل الخيمة.




_________________________




وقف زيدان في شقته أو التي كانت شقته، يجمع منها أغراضه قبلما يأتي محمود مع خطيبته 




وقف في إحدى الغرف ومعه كرتونة كبيرة يهم بجمع أشياءه فيها ليستمع لصوت من الخارج يردد:


-تعالي يا حور...هاااا ايه يا ستي رأيك في الشقة ..تحفة مش كده .. شوفي عايزة تغيري فيها ايه وأفرشيها على ذوقك .




لم يستمع زيدان لرد من حورية لكن أستمع لصوت محمود يقول:


-ماتردي عليا يا حور... مبوظة كده ليه يابنتي؟ 


-مش عارف ليه يا محمود..الشقة دي بتاعت أخوك وهو إلي مشطبها ...هتستحلها إزاي؟


-وفيها إيه ماهو قاعد من غير جواز ومن ناحية تانية أمك مش رحماني ولا عايزاني افرط فيكي يا حور...طب لعلمك بقا زيدان هو إلي عرض عليا أخد الشقة ...ده أتحايل عليا كمان ...فكي بقا يا حور...هاا..هتفرشي الشقة إزاي بقا.




لحظتها خرج زيدان من الغرفة فتفاجئت حورية بوجوده وأرتبكت في وقفتها فقال محمود ينتهز الفرصة:


-تعالي يا زيدان قولها أنك موافق أخد الشقه أصلها مستحرمة تاخدها.




فنظر زيدان لحورية وأغتصب إبتسامة خفيفة على شفتيه ثم ردد:


-لأ يا حورية خلاص دي بقت شقتك..عايزك تفرشيها على ذوقك وأي فلوس أنا سداد فيها.




تطلعت له حور بتفاجئ فقطع الأمل من تلقي أي جواب منها، بالتأكيد مثلها مثل بقية فتيات الحي تخشاه .




فتنهد بصمت ثم خرج بهدوء لكنه توقف على السلم وهو يسمعها تقول لمحمود:


-طب ما هو طلع طيب أهو يا محمود.




أبتسم بخفة فقد حدث لمرة في حياته ولاحظ أحدهم أنه شخص جيد بخلاف والديه .. أنه لشعور رائع لأول مرة يجربه .




_________________________




وقف راموس بجوار غرفته القريبة من مخيم الجواري يضحك بقوة وهو يستمع لصوت تلك الفتاة الذي خرج من المرحاض بالمخيم تردد:


- أنتو بتعملوا إيه؟




اقتربت منها أنكي تردد:


- لقد طلبك الملك لذا يجب أن تتجهزي .. وسنبدأ بالحموم ...هيا يا فتيات اخلعوا عنها ثيابها .




زادت ضحكات راموس وهو يسمعها تصرخ:


-تخلعوا إيه إنتي وهي وتحموا مين أنتو أتهبلتوا ولا إيه ؟ ده عادي عندكوا يعني؟


-كفي عن الصراخ...يجب ألا تتاخري على ملكنا.


- مللكك أنتي أنا مالي ... أنا ماتكشفش على حد أبداً أنتي عبيطة ولا إيه؟


-لقد سئمت صراخك ... ألم يفهمك أحدهم قواعد وقوانين الحرملك ؟




ضحك الملك وهز رأسه بيأس منها ثم تحرك تجاه غرفته ينتظرها .




وتقدمت منها سوتي تردد:


-رنا ... أسمعي الكلام..ده عادي هنا .


-هو إيه إلي عادي .. أنت شاكة في أمركم أصلا.. أنتو ملتكوا إيه ؟


-كلهم هنا مسلمين بس دي القواعد هنا..لازم يحموكي ويعطروكي قبل ما تدخلي غرفة الملك ده هو اللي طالبك ودي أول مرة تحصل...عارفة يا رنا لو ...




قاطعتها رنا وقالت بهمس :


-مش عايزة أعرف...بصي أنا عايزاكي تساعديني...وقبل ما تعترضي ولا تخافي أنا مش طالبة منك غير تليفون اكلم بيه أي حد ييجي ينجدني .. أبوس أيدك أستجدعي معايا .




زمت سوتي شفتيها بأسف تردد:


-أسمعيني...هنا لافي موبايلات ولا شبكة محمول ولا أنترنت .


-أه هو أنا كنت حاسة ..ركبت آلة الزمن .. احنا في العصر العثماني ولا احنا في القرن الكام.


-لأ أحنا 2023 عادي بس هنا كل وسائل التواصل ممنوعه... مجلس الشيوخ في المملكة مانعها شايفين إنها بتقلل إنتاج الشعب وتأثر على النشئ ... العيشة هنا بدائية جداً...ويالا عشان أتأخرتي على الملك .




سارت رنا معهم تجاه غرفة الملك بصمت تام تشعر بالعجز خصوصاً بعدما أستمعته من سوتي ... لا تعرف كيف ستخرج من هنا.




وقفت عند الباب تلاحظ إنسحاب الفتيات ثم مد أحد الحرس يده وفتح لها غرفة الملك فتقدمت بخوف و رهبة.




وجدته يجلس عاري الصدر يرتدي بنطال من الكتان..كانت هيئته مهيبة ومخيفة في نفس الوقت خصوصاً مع ظلام الليل الذي لا ينيرة سوى بعض كلوبات الإنارة .




و وقف من مكانه يتقدم منها ليزيد طوله هيبة على هيبته ثم أقترب منها بحاجب مرفوع من وقاحتها .




فقد كانت تنظر له برأس مرفوع وقال بصوت غاضب:


-ألم يعلموكي أن تخفضي عيناكي وتنكسي رأسك أرضا وأنتي بحضرة الملك.


أشتعلت عيناها بغضب ...هذا ما كان ينقصها فعلاً.




وصرخت فيه:


-أنا مابوطيش راسي لحد...لا عاش ولا كان إلي يكسر عيني.




أهتزت شفتيه بإستفزاز منها وتقدم يقبض على ذراعها مردداً:


-تأدبي وأنتي بحضرة الملك.. أخفضي عيناكي ورأسك.


-لأ




قالتها بإباء و رفض تام جعلته يصرخ بغضب:


-كاااكاااا .




عادت للخلف خطوتين أثر صوته الجهوري ثم رددت بصوت مرتعش:


- كاكا ايه...عايز فاكهة ولا أنت حكايتك إيه ؟




لكنها أنتفضت تلتف خلفها على صوت جمهوري وبعدها رأت شخص تقريباً ليس من بني البشر 




تحدثت بصوت باكي :


-أنت كاكا ... ده حتى مش أوانك ...هتعملوا فيا أيه؟


نظر كاكا لراموس وبعدها خفض كتفيه ورأسه يحيه بخضوع مردداً:


-أمر مولاي


-خذها للسجن .




لم يتوانى كاكا وسحب معه رنا التي كانت تصرخ بخوف ورعب.




توقف بها أمام حرفة عميقة محددة بقفص من الحديد والأغلال ثم ألقاها فيها و هي تصرخ فتقدمت أنچا تسأل :


-ماذا حدث


-هذا أمر الملك.




وأخيراً تنفست أنچا الصعداء وقد زال خوفها ترى كاكا وهو يغلق الاقفال عليها ورنا تردد:


-ليه كده حرام عليكم.. طب طلعني وأنا هسمع الكلام.




لكن كاكا لم يعيرها اهتمام كذلك أنچا التي أستدارت تغادر وعلى شفتيها إبتسامة إنتصار.




















لكنها تلاشت على الفور وهي تسمع رنا تردد بعويل ودموع:


-ليه كده ..طب فكوني النهاردة بس...ده انا النهاردة عيد ميلادي يا ناس .




تخشبت قدمي أنچا في الأرض ونظرت للسماء الصافية لتصعق وهي ترى أن القمر مازال بدر في كماله .




لتشعر أنها محاطة ومحاصرة بقدمها في الأرض والبدر بالسماء وتلك الفتاة من خلفها .




إستدارت لها ببطء مخيف تنظر عليها وهزت رأسها بجنون ....لااااا ...لن تسمح لذلك بأن يحدث.




لكنها تحركت وتركت رنا في محبسها ..يجب أن تتريث وتعيد ترتيب أوراقها .




في ساعة متأخرة من الليل...مالت رنا برأسها على طرف الحفرة وقد غلبها النعاس ودمعها على خدها.




لتشعر بيد تهزها بغلظة ...فتحت عيناها تصرخ برعب :


-في إيه ؟




لتجد أنچا امامها تردد:


-ششششش ..أخفضي صوتك ...ألم تريدي الهرب ...أنا سأساعدك...هيا.




تهلل وجه رنا وبدأت تتنفس بسرعه تسأل:


-بجد والنبي.... ربنا يخليكي .. أنتي شكلك طيبة وأنا إلي فهمتك غلط .. ربنا يردهولك في عيالك..مانتي لازم تساعديني احنا ولايا زي بعض ربنا مايغلب لك ولية ابدا..


-ششششششششش ...كفي عن الثرثرة ... وآلان اركضي بهذا الإتجاه حتى تصلي للشط ستجدي قارب بأنتظارك والباقية عليكي..هيا ..أذهبي سريعاً ولا تنظري خلفك .




هزت رنا رأسها بجنون وبدأت تركض في الإتجاه المطلوب.




ظلت تركض وتتعسر من شدة التعب.. تلهث بخوف وإرهاق لكنها تحاول الوقوف كي تصل لهدفها .




لكن توقفت في منتصف الغابة على صوت جهوري أمرها بالتوقف .




ألتفت ببطء وخوف لتشهق برعب و هي تجد نفسها في حضرة الملك ....... 



🌹🌹



رواية فراشة في جزيرة الذهب الفصل الثالث 3 بقلم سوما العربي



بعد منتصف الليل في غرفة الملك راموس


ظل يتقلب على الفراش يميناً و يساراً كأنه يتقلب على جمر متقد .....و هب فجأة يقف على الأرض يشعر بجسده مشتعل ..... يشتعل بلا سببب.




أغلق جفناه بقوة.....تباً لها...صورتها وهي رافعه رأسها وعيناها القوية بعيناه تناظرة بشموخ لا تفارقه .




ضم أصابع يده في قبضة وحدة من شدة الغيظ و الغل كلما تذكرها.




وتحرك حتى وصل لنافذة غرفته يتطلع للفراغ المؤدي للسجن ثم هز رأسه بجنون رافضاً.




مد يده يسحب كأسه ورفعه على فمه يتجرعه دفعه واحده عله يطفئ نار جسده لكن لم يحدث.




عاد يهز رأسه بجنون وتحرك ناحية الفراش يرتمي عليه وهو مُصر على النوم وأن يقتلع تلك الجارية من عقله قلعاً .




مرت ساعة فأخرى وهو مازال على وضعه يفكر هل يقتلها مثلاً ليتخلص من تلك الحالة أم ماذا ؟




ترك الفراش وظل يجوب الغرفة ينظر عبر النافذة من جديد يلاحظ إنبلاج بسيظ للنهار في الأفق من بعد الفجر.




عاد يجوب الغرفة كالممسوس ذاهب وعودة حتى فرغ صبرت و صبتت عزيمته فخرج مندفعاً من غرفته لينتفض الحراس خلفه يحيطون به لكنه أمرهم بحزم:


-أبقوا هنا .


فلم يعد بيدهم شئ ونفذوا الأمر بينما سار هو بإتجاه السجن المؤقت .




لكنه صدم واتسعت عيناه حينما وجده خالي فهتف بحدة :


-يا حراس .




فأجتمع حراسه في الحال وأمرهم بتمشيط المنطقة كلها بحثاً عن الفتاة البيضاء ولم يقف بل تحرك معهم يبحث عنها حتى صدح صوت أحدهم:


-مولاااي ...وجدتها.




ثم صرخ عاليا :


-توقفي عندك....توقفي فوراً.




أتسعت خطوات الملك حتى وصل عند ذلك الحارس ليجدها أمامه توليه ظهرها تنتفض من الرعب و اللهاث من كثرة الركض .




أخذت تستدير ببطئ شديد ...إنها بأسوء كوابيسها على الإطلاق...بل حتى الكابوس أحياناً يكن أكثر منطقية عن ما يجري لها هنا .




إلتفت والرعب يهز خلاياها هزا لتجد نفسها بحضرة الملك ورفعت إصبع السبابة للسماء وأسبلت جفناها تردد بإستسلام:


-أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله.




أنتظرت إختراق الرصاص لجسدها وهي تنتفض مرعوبه لكن لم يحدث ففتحت عيناها تبصر الملك الأسود المخيف مازال واقفاً وحراسه من خلفه ينظر لها بنظره الحاد ثم هتف:


-توثف أقدامها وأيديها بالأصفاد وتحمل على الجزيرة حتى توضع بالسجن هنا....هيا تهيؤا ...سنرحل اليوم .




سكت واقترب منها عدة خطوات مثيرة للرعب والريبة حتى توقف أمامها وتحدث بفحيح:


- هناك سنرى كيف ستستطيعين الهرب مجدداً.




ثم صرخ في الحرس:


-خذوها ... وأريد تحقيق شامل ومفصل لأعرف كيف هربت ومن ساعدها.




إلتف ينظر لها بغضب ثم ردد من بين أنيابه:


-بظرف ساعات أصبح لك موالين في مخيمي ..من ساعدك ها وماذا دفعتي كي يفعل..أخبريني .. هل أغويتي أحد الحراس ؟




أتسعت عيناها بصدمة حينما استوعبت مقصده وتقدمت تزجره بغضب ...تصرخ بغل وهي مكبلة بالأغلال:


-كيف تجرؤ ..من تظن نفسك.


-أنا الملك راموس...سأعرفك بل ألقنك مع الأيام ومن داخل السجن من أنا ..أعدك أن يكون الدرس قاسياً لأقصى حد وقتها .




ثم صرخ في حراسه و قدزاد غضبه وهو يلاحظ تبجحها :


-خذوها من أمامي.. هيا تحركوا.




فتحرك الحراس يجرونها معهم وهو يتابعهم بضيق يهز رأسه بجنون ...تلك المجرمة... لقد كانت تنظر بعيناه ند بند دون أي خوف أو مهابة من فعلتها .




صر على أنيابه بغيظ يتوعدها ...لن يرحمها فقط ليعودا للجزيرة.




________________________




وقف زيدان وسط شقة خاوية تماماً ، ينظر للطوب الأحمر والأرض الغير ممهدة وهو يفكر هل سيبدأ من تحت الصفر مجدداً ؟ 




مقراً أنها يلزمها مبالغ كبيرة كي تصبح صالحة للإستهلاك الآدمي ...وتذكر حينها كم أنفق على شقته الأولى و كيف جلب تلك الأموال ، إنها نتاج جهد سنوات .




تنهد وهو يبتسم بحزن فلم ولمن يجهز شقته وهو للأن لم يجد من ......




عند هذه النقطة أغمض عيناه يقطع الفكرة، من شدة عزة النفس يرفض أن يعترف بالأمر الواقع حتى لو بينه وبين حاله، فخرج من الشقة كلها وأغلق الباب وبدأ يهبط درجات السلم حتى وصل للطابق ثاني محل شقته القديم ليقف بإستغرب وهو يرى الباب مفتوح على مصرعيه فتقدم للداخل يبصر حورية تقف موليه له ظهرها وحولها عمال يعملون باكتر من غرفة .




أقترب منها مستنكر الوضع برمته يردد:


-حورية؟ 




أرتبكت حورية وقد لاحظ زيدان تفزز جسدها ما أن حضر، تنهد بيأس لكن حاول التجاوز ثم سأل:


-بتعملي أيه هنا؟


جاوبت بتلجلج:


-جيت أعمل التغييرات إلي حباها وأختار لون الفرش.


-ماشي حقك، بس إزاي تقفي لوحدك وسط الصنايعية؟ فين محمود؟


-محمود! أنا نفسي مش عارفه وبكلمه بيكنسل عليا والرجالة كان معادهم النهاردة.




زفر بضيق غير راضي عن كل ما يحدث ثم قال:


-ماعلش تلاقيه بردو بيعمل حاجه في ترتيبات الفرح القاعة والذي منه..طيب خلصي بسرعة قولي إلي عايزاه للرجالة وانزلي وأنا هقف معاهم .




هزت رأسها بإذعان ثم قالت:


-ماشي ... أنا عايزة أشيل الحيطة دي عشان تدي وسع .


نظر حيث وصفت... زم شفتيه بعدم رضا ثم قال:


-كده هتفتحي الصالتين على بعض وهتبقى واسعه قوي.


-ده هيبقى حلو قوي خصوصاً لما نوسع البلكونة والشمس تبقى مالية الصالة مع السيراميك الأبيض بصراحه انا بحب كده قوي بيدي راحة نفسية.




هز رأسه بإذعان وهو يتخيل ماوصفت ثم ردد:


-فكرة والله.... عايزة تقولي لهم حاجه تاني ولا خلاص.


-ايوة عايزة أغير لون الجدار الكبير ده .


-تمام .... عايزاه أيه؟


-بفكر في الفيروزي .




نظر للحائط الكبير ثم لبقية الحوائط وقال:


-فاقع قوي ... يعني لو هتسأليني أنا كنت هعمل الأخضر وهيبقى حلو جدا مع باقي الحيطان لأنها بلون سن الفيل.




تطلعت في الحوائط تفكر فيما يقول فأردف مكملاً:


-وعلى فكرة هيبقى لايق أكتر من ألوان الركنة والأرضيات.




تطلع لها وهي مازالت صامته يبدو على ملامحها التردد فشرع بعدم أحقيته بما يفعل ..مستنكر جداً فعلته، تلك الشقة لم تعد له، صمتها نبهه إلى أنه ربما هو هكذا يفرض آراؤه عليها فعاد يقول:


-بس أنتي بردو أعملي إلي أنتي شيفاه... دي شقتك وإلي عايزاه هيتعمل بأذن الله.


-لأ أنا موافقة على الي قولته.




زاد حسابه لنفسه يبدو أنه ضغط عليها بأفكاره ولم تشئ إحراج شقيق زوجها تجنباً للمشاكل .....وبخ نفسه مراراً ....ماكان عليه أن يتدخل.




فأردف مشدداً على كلماته التي أتضح فيها ندمه:


-لأ لأ... أنسي إلي قولته...أعملي إلي أنتي عايزاه دي حاجة مافيهاش زعل وبعدين أنا بردو ذوقي قديم وكلاسيكي شوية وبميل للألوان الدافية ... وأنتي أكيد....




قاطعته مبتسمة:


-بالعكس ده أنا عجبني جدا..كمان أنت فكرتني بالوان الركنة ...أنا كنت نسياها خالص.




لمعت عيناه بفرحة ثم وقف يستمع لباقي طلباتها حتى غادرت وبقى هو مع العمال .




___________________________




وصل الجميع لجزيرة الذهب وسيقت رنا مكبلة للسجن ... كان السجن عندهم غير آدمي على الإطلاق عبارة عن زنازين حفرت بعمق تحت الأرض وحولوها لقلعة حصينة وسوروها بأسلاك شائكة موصله بالكهرباء..لذا أي محاولة للهرب من هذا السجن فهي بمثابة عملية إنتحارية.




ظلت فيه رنا لأيام...أيام من كثرتها بطلت عدها وأستسلمت للإمر الواقع.




بينما الملك راموس قد أنهى المرور على الديوان ومطالعة بعض المشكلات وحلها ...أتكئ على عرشه يفكر فيها .. منذ ذلك اليوم وصورتها لم تفارق خياله وهي عيناها بعيناه تجابهه ترفض الخضوع كالجواري .




أطبق جفناه بغضب من نفسه وتذكره الدائم لها، كيف نسى فعلتها وعدم أحترامها بحضرته علاوة على فعلتها الإبشع و هي الهرب .... الهرب بمملكتهم خيانة.




ضحك ساخراً...ماذا كان يتوقع من فتاة بيضاء يعني.




عاد يتناول قلمه ليكمل مهامة وقد قرر الإنشغال بها عوضاً عن التفكير في نكرة خائنة حقيرة لا تستحق وقت جلالته .




سابة نابية خرجت من بين شفتيه ..سب بها نفسه وهو يجد نفسه على أعتاب السجن.




أنتفض الحارس يحني رأسه بخضوع مردداً:


-مولااي.


-أين سجن تلك الفتاة


-أعذر جهلي مولاي...أي فتاة؟


-الفتاة البيضاء.


-نعم ...من هنا مولاي.




لم يحتاج الحارس الكثير من الوقت ليتعرف عليها ...فلا توجد ألف فتاة مسجونة وكذلك بيضاء.. كانت حالة فريدة .




فتقدم راموس حتى وقف أمام زنزانتها يراها من خلف القضبان تجلس بوهن بينما تنظر له بمقط شديد.




و صرخ فيها الحارس:


-قفي أنتباه وأخفضي رأسك ... أنتي بحضرة الملك.




لكنها لم تفعل وقالت :


-يموت الإنسان مرة واحدة ...أنا سأموت وهامتي عالية .




ثم نظرت لراموس وقالت بعداء وهجوم:


-هيا أقتلني لأخلص مما أنا فيه.


صر على أنيابه غيظاً فهي للأن وبعد كل ما حدث فيها لاتزال على تمردها لم تغيره، رأسها كالصخر وعيونها رصاص قاتل.


فقال الملك بفحيح:


-الموت راحة لن أنعم عليكي بها .


-ومن تظن نفسك لتفعل... أنا سأفعل.


-كيف؟


-سترى .




قالتها بترفع كباقي أسلوبها في الحديث معه ثم أشاحت بعينها بعيداً عنه كأنها تنهي النقاش ...كأنها هي التي تنهي اللقاء وكأن الأمر بيدها.




فجن جنون راموس...لولا الملامة لصرخ من شدة الغيظ والقهرة ... تلك المسجونة تحت رحمة قضبانه هي من تقرر إنهاء اللقاء أو أعطاءه مهلة.




الوضع كارثي حقاً ..لم ولن يقابل مثلها.. فخرج من السجن كله كالعاصفة وذهب لعرشة يجلس عليه و هو يضرب بيده على فخذه بجنون وغيظ بل وقهر...تلك الضئيلة ..قليلة الحيلة مقارنة به وبمُلكه تمكنت من قهره .




____________________________




تقدم زيدان من القهوة في منتصف الشارع حيث يحلس صديقة المقرب ..سحب كرسي لنفسه يجلس عليه ثم قال:


-سلام عليكم


نظر له صديقه شزراً ولم يجيب فقال زيدان:


-جرى إيه يا صالح ماترد السلام ده السلام لله يا صاحبي




وضع صالح مبسم إرجيلته وقال بحدة:


-أنا مابصاحبش عيال مستفزة؟ 


-عيال؟ ومستفزة؟ ماتاخد بالك من كلامك وتظبط بدل ما أظبطك أنا في إيه.


-أنت عايز إيه دلوقت؟ هااا؟ عايز إيه انا عايز أعرف ....ضيعت إلي وراك والي قدامك وقعدت؟ على الله تكون مبسوط.




تنهد زيدان ثم قال:


-ماهو أخويا بردو يا صالح...كنت أعمل ايه يعني.


-هو الأخ ياخد شقى أخوه... أنت عبيط يا زيدان ولا فاهم و واخد بالك بس عامل نفسك عبيط؟ محمود أخد منك كل حاجه.. أنت إلي بتشتغل وفاتح البيت...وهو يتصرمح وياخد إراد من الورشة قال إيه نصيبه زي ما أنت فهمته وطمعته...فلوس الشبكة أنت الي دفعتها..العفش عملتوا عندك حتى الشقة أخدها وأخد فوق البيعة أجمل بنت في المنطقة...معقول مش واخد بالك من كل ده ؟




وقف زيدان ثم قال بيأس:


-واخد بالي يا صالح ..بس عامل نفسي عبيط.




وقفت حورية في أحد المحلات التجارية تتحدث في الهاتف بعصبية مرددة:


-يعني الكلام ده يا محمود؟


-يعني كلها يومين وراجع ماتعمليش مشكله من مافيش.


-مشكلة من مافيش؟! أنا إلي واقفه مع الصنايعية ولا أما أكون أنا الراجل، وبعدين هما اليومين بتوعك دول مابيخلصوش يا محمود ولا بيتجددوا من العدم... أنت أديلك تلات أسابيع غايب وكل ما أكلمك تقول يومين..يومين إزاي ولا منين وأحنا أساساً فرحنا بعد يومين .




















-يا ربي على الزن والنكد ....وهو أنا خسرت من شوية ...أطمني ياختي وشك فلة شمعه منورة حياتي وخسرت في المسابقة...كلهم مسافرين اليونان عشان يسجلوا المباشر وانا هرجع على مصر .




رفرفت بأهدابها مصدومه ثم رددت بحسرة:


-أنت بتقول أيه يا محمود... أنت بجد قولت لي أنا كده؟ أنا وشي وحش عليك يا محمود.




ضحكت ساخرة ثم رفعت صوتها مرددة:


-ده على أساس أنك محمد منير و خسرت؟ ماتصحى لنفسك ده أنت صوتك نشاذ...بس يمكن أنا إلي غلطانة .. أيوة ماهو أنا إلي كنت عمالة أشجع وأحفز فيك لحد ما فكرت نفسك محمد فوزي....اتاري أمي عندها حق في كل كلمة بتقولها.


-أنتي بتتريقي عليا يا حور ؟


-اه بتريق عليك ...بقا أنت بتقول عليا نحس و وشي وحش عليك .. أنا يا محمود بعد كل ده


-حقك عليا .. أنا متنكد من ساعة ماعرفت إني سقطت وفشلت... أحلامي كلها إنهارت يا حور...حقك عليا ماتزعليش مني..وياستي أنا خلاص أهو خلصت وراجع على طيارة بكره عشان كتب الكتاب والفرح.




-ماشي يامحمود لما أشوف أخرتها معاك.




ثم أنهت الأتصال وهي تزفر بضيق شديد لتنتبه على صوت صاحب المحل يردد:


-ها ياعروسة ... أعمل الستاير للسقف ولا من بعد السقف بشوية .. الأستاذ محمود كان عايزها من تحت السقف بحبه.




وقفت حورية مترددة تشعر بالضيق لعدم وجود محمود كي يساعدها ولو برأيه.




لتنتبه على صوت الترزي يقف بأحتراك وقال :


-المعلم زيدان... وأنا أقول المحل نور ..أتفضل اتفضل نتبارك بيك.


أبتسم له زيدان بخفةيرد تحيته:


-تسلم يا أسطى خلف .. كلك ذوق




ثم نظر لحورية بحدة وقال:


- إيه يابنتي الي موقفك هنا؟ 




توترت ملامحها فهو حقاً كل يومان يتلقاها وسط العمال والرجال ولم يسعفها الرد فقال بحسم:


-أتفضلي لو سمحتي على البيت وانا ليا كلام تاني مع محمود.


-ايوة بس أنا لسه ماخلصتش و...




قاطعها بحزم هادئ يشدد على حروف كلماته:


-روحي دلوقتي يا حورية وأسمعي الكلام ... وأنا ليا كلام تاني مع محمود على الي بيحصل ده.




تحركت حورية مغادرة.... مستاءة بشدة، يعتقد من يراها أن أستيائها بسبب زيدان وتحكماته لكن على العكس تماماً كانت تعلم أن معه حق، فهو باليوم يقابلها مرات ومرات وهي وسط العمال ومره عند محل تصنيع الستائر ومرة بمحلات الثرايا و الأنتيكات ومرة أخرى في معرض للسجاد.




بالأساس لقد ألتقطت أنفاسها وأنتهزت الفرصه حين تفوه زيدان متطوعاً أن يكمل هو هنا عوضاً عنها وفرت للبيت تريد أن تجلس فقط .. تجلس قليلاً وتتناول بعض اللقيمات .




__________________________




وقفت أنچا محلها تضرب بغل قبضة يدها بالكف الأخرى تفكر فيما ستفعل.




نظرت لها خادمتها ثم قالت:


-مابكِ سيدتي ..منذ مدة و أحوالك ليست على ما يرام؟


تحركت أنچا في غرفتها بغضب وهي تردد مفكرة:


-تلك الفتاة البيضاء تؤرق مضجعي.


-وما شأنك بها سيدتي...إنها مجرد جارية..وهل تُشغل السيدة أنچا شقيقة الملك بجارية.


-ليت الأمر كذلك ... أنتي لا تفقهين شيئاً ولا ترين ما أراه أنا .. تلك الفتاة خطر كبير ويجب أن أتخلص منها.


-نقتلها؟


-لا فليكن القتل آخر حل ....تلك الفتاة يجب أن تغادر الجزيرة نهائيا.




تمشت حتى وقفت عند النافذة تنظر للسماء وأردفت:


-فعلى غير العادة يبدو أن تلك الفتاة حظيت على إعجاب من الملك ..ربما يتفاقم مع الأيام و هذا ما لن أسمح به.




أستنكرت الخادمة حديث سيدتها وسألت بإستغراب:


-ولما سيدتي... ألم يكن من أمنياتك أن يجد الملك فتاه تعجبه و يتزوجها ليعيش بهناء.




إلتفت أنچا على الفور بحده ورددت بغيظ وغل:


-نعم ...وللأن أتمنى ذلك لكن ليتزوج فتاة من جزيرتنا ...فتاة سوداء مثلنا ...لا من فتاة بيضاء...على جثتي هل تفهمين.




صرخت بجملتها الأخيرة جعلت الخادمة تتفزز في جلستها ثم قالت:


-فهمت سيدتي فهمت... لكن كيف؟ و لما من الأساس وهي مسجونة.




تحركت أنچا في الغرفة مفكره إلى أن توقفت وقالت:


-تلك الفتاة يجب أن تخرج من السجن... وجودها بالسجن يقيد حركتي ..لن استطيع تهريبها من جديد طالما هي هناك...لقد مر الأمر حينما كنا بالغابة ولم يغلق الملك الباب إلا بعد إعتراف حارس الزنزانة أنه هو سبب التقصير ، لكن من المعروف أن الهروب من سجن الجزيرة مستحيل إلا بمساعدة شخصية مسؤلة وأنا لن أجاذف.




-إذا ما العمل سيدتي.


-يجب إن تخرج ... احتفالات العرش أقتربت ...سأتحدث مع الملك بشأن الإفراج عن بعض المساجين إحتفالاً بتلك المناسبة وبعدها سأجعلها ترحل من حيث آتت وقتها فقط سأتمكن من النوم.




أنهت أنچا حديثها ثم جلست على الأريكة ممدة تقطف حبات العنب وتأكلها بتفكير وتدبر 




________________




جلس راموس على عرشة وحوله القاضي ورئيس الديوان و وزير الدولة يناقشهم في بعض المشروعات اللوجيستية الهامة، إلى أن أقترب منه أحد الحرس ومال على أذنه يخبره بشئ ما جعل الملك يهب من جلسته بسرعة.




فتح له باب السجن فنزل بخطوات سريعة حتى توقف أمام زنزانة رنا يراها وهي جالسة أرضاً هزيلة، وجهها شاحب وشفتيها بيضاء وكأنها من الأموات.




نظر للحراس وسأل:


-ماذا حدث لها؟


-مُضربة عن الطعام مولاي


-ماذا؟؟ منذ متى؟


-منذ ايام سيدي.




صرخ فيهم بحدة:


-كيف يحدث هذا؟ ولمَ لم يخبرني أحد ... أفتح هذا الباب...أفتح.




فُتح الباب ودلف سريعاً يقترب منها يناديها ولحظتهة فقط أكتشف أنه لا يعرف إسمها.




أخذ يقلبها بين يديه وهي تتحرك بلا أي مقاومة أو روح مع يده لحظتها فقط تذكر تهديدها له، أسبل جفناه بغباء لم يتخيل وقتها ماذا كانت تقصد بكلماتها...أعتقد أنه تهديد أجوف من فتاة متمردة تمثل التماسك، لتصعقه بما صنعت وأنها إن قالت ستفعل.




صرخ عالياً:


-كيف تتركوها هكذا؟ كيف؟




مال عليها كي يحملها وتقدم الحرس ليفعلوا عوضاً عن ملكهم فصرخ فيهم:


-أبتعدوا .




حملها بين يديه سريعاً وتحرك بيهة يخرج من السجن و هتف وسط القصر:


-أستدعوا الطبيب لغرفتي ..حالاً...هيااا.




________________________




زينت الأنوار منزل حورية التي جلست في غرفتها ومعها خبيرة المكياج تضع لها اللمسات الأخيرة مرددة:


-ماترفيش بجفنك ياعروسة عايوة أظبط الرموش.


-حاضر .




جاوبتها حورية بتوتر وهي تتصل بالهاتف بينما تقدمت منها صديقتها ريم (بطلة رواية جوري و ثلاث نجوم) وربطتت على كتفها مرددة:


-اهدي يا حورية مش كده.


-أهدى إزاي..كل حاجه زفت..كل حاجه غلط...هو في عريس يرجع من برا يوم فرحه على كتب الكتاب على طول ؟


-ماعلش يا حورية أهو إلي حصل وبعدين مش قالك في المطار خلاص؟


-أيوة....ربنا يستر .




-خلصي عشان العربية إلي هتوصلك القاعة تحت ... ربنا يتمم لك على خير يا حبيبتي.




نظرت لها حورية ثم غمزت عابثة:


-عقبالك .




فتراجعت ريم للخلف وزاغت عينها يميناً و يساراً تتهرب من أعين صديقتها خصوصاً وقد صدحت ضحكات حورية فتحركت ريم مغادرة:


-أنتي هتتسلي عليا وتطلعي كبتك فيا ... أنا سيبالك الأوضة كلها .


-خد هقولك...ماتبقيش قماصة.


-لأ ياستي .. أنا هسبقك على القاعة...عيلة زبالة أساساً وإلي يقولك على سره يبقى هو إلي فضح نفسه.




ثم غادرت ريم على الفور وتركت حورية تضحك .




في القاعة.


















وصل كل الأهل و الأقارب وتزين زيدان بحلة سوداء فصلت جسده العريض و وقف بمهابة لجوار والده يهمس له بقلق:


-المأذون وصل يا حاج والناس في القاعة جهزوا ترابيزة كتب الكتاب...محمود قدامه أد أيه... شكلنا وحش.




-مش عارف يابني.. كلمه تاني كده.




بتلك اللحظة وصلت فوزية تردد بحسرة:


-العروسة وصلت في العربية على باب القاعة ...محمود فين كل ده مش قولتو عند الحلاق.




نظر راشد لابنه الذي زم شفتيه بقلة حيلة ماذا سيخبرها؟ ماذا لو علمت أنه مازال بالمطار أساساً.




فيما أكملت فوزية:


-المفروض العروسة تدخل القاعة بالزفة مع عريسها ... الناس هتاكل وشي.


نظر راشد لزيدان وهتف بأعصاب منفلتة:


-كلمة تاني أستعجله.




وقالت فوزية:


-أنا هطلع عند البت .




لم يجد زيدان شبكة إتصال فخرج هو و والده مع فوزية التي فتحت باب السيارة لحورية كي يدخل لها هواء أكثر 




واتصل زيدان بمحمود وحين فتح الهاتف حدثه بضيق:


-أنت فين يابني.




صمت محمود قليلاً ثم قال:


-بقولك إيه يا زيدان.. أجل الفرح.




جن جنون زيدان وصرخ:


-أجل إيه يالا أنت عبيط .. المعازيم مالية القاعة والمأذون مستني.




صدمت فوزية و حورية مما يسمعون وصرخت فوزية:


-هو بيقول إيه ده....أديهولي.




فلم يجد زيدان بد إلا بفتح مكبر الصوت لأنه يريد أن يتفاهم معه هو الآخر فما يقوله كارثة .




فتحدثت حورية وهي ترتعش من الصدمة:


-محمود... أنا بالفستان يا محمود وعلى باب القاعة.. أنت أكيد عامل فيا مقلب عبيط من مقالبك صح؟


-لأ يا حورية... بصراحة كده أنا كنت خلاص راجع عشان سقط في الاختبار وبعد ما كنت وصلت اتصلوا بيا بلغوني إن في واحد من إلي أتصعدوا وكانوا هيسافروا اعتذر وأن ممكن أسافر مكانه ... يعني فرصة العمر وجت لي بمعجزة.




ثقل تنفس فوزية وكذلك حورية التي قالت:


-فرصة العمر ومعجزة؟ طب وأنا؟ 


-يووووه..فيها ايه يعني يا حورية...ماتقولوا للناس أي حاجة...الفرح ممكن يتأجل لكن الفرصة لأ.




حاولت حورية أن تتماسك وقالت:


-يا أنا يا الفرصة دي يا محمود.


-حورية... أنا على باب طيارة اليونان أصلاً وهقفل خلاص موبايلي عشان ممنوع زي ما أنتي عارفة أنا بس قولت المفروض أعرفكم الأول عشان تشوفوا هتعملوا إيه وتتصرفوا ازاي...سلام بقا عشان مافيش وقت.




ثم أغلق الهاتف في وجهها وهي متخشبة جاحظة العين والبقية ينظرون لها وكأن على رأسهم الطير....


لو عجبتك الرواية اكتب 5 تعليقات عشان نعرف انك مهتم و هنزل الرواية كامله 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-