روايات حديثة

رواية لخبايا القلوب حكايا الفصل الثالث عشر للكاتبة رحمة سيد

رواية لخبايا القلوب حكايا

 الفصل الثالث عشر
قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏نص‏‏
تماوجت الأفكار برأسه حتى اضطرب، والغضب اللحظي بدأت تخفت شرارته رويدًا رويدًا، وتدريجيًا تعود السيطرة لعقله الذي إنحنى -لحظيًا- لقبضة الشيطان..
فكيف لفيروز أن تخطط لما حدث وهي لم تكن تعلم أنه سيذهب لذلك المطعم اصلًا !؟
ولماذا ستضع نفسها على المحك والفضيحة تكاد تلطخها بسوادها ؟!
وفي نفس الوقت عيناه تفرض عليه احتمالًا اخر ممزوج بالشك المُبطن، فهاهي تتلقى رسالة من احد الصحفيين الذي يُنبئها بتمام ما أرادت..
وهو حتى الان لا يعلم ما الذي تريده، لذا لا يستطع استئصال الشك الذي ينحره نحرًا..!
تنفس بعمق مغمض العينين، آن الآوان ليقود العقل مسيرته التالية نحو الحقيقة، لذا صور بهاتفه الرسالة، وأعاد هاتفها مكانه، ثم اقترب من فيروز وهتف بصوت هادئ مدروس:
-يلا نمشي عشان ورايا حاجات كتير.
اومأت برأسها على مضض تخبره:
-تمام، ممكن تسبقني وأنا هتكلم مع ماما وجايه على طول.
 

 

 

هز رأسه موافقًا ثم غادر الشقة بالفعل، ينتظرها في سيارته بالأسفل، وبالفعل بعد قليل كانت قد نزلت من منزلهم، ركبت سيارته جواره دون كلام..
قاد دون أن ينطق هو الاخر، يحاول استهلاك كل الوقت في حسبان كل شيء بالعقل..

وصلا بعد فترة لمنزل "فارس" وكانت سيدة خمسينية ذات ملامح بيضاء متجعدة، تستقر فوقها الطيبة بابتسامة بشوشة ترحب بفيروز:
-اهلًا وسهلًا، نورتي البيت.
بادلتها فيروز ابتسامتها الحلوة متمتمة:
-منور بيكوا.
أمسك فارس بكفها يسحبها خلفه دون كلام، سارت خلفه متعجبة، حتى وصل بها لغرفة يبدو أنها غرفته، أدخلها ثم دخل وأغلق الباب خلفه..
اقترب منها ببطء وهدوء، متسائلًا بجدية:
-إيه علاقتك بالصحفيين؟
عقدت ما بين حاجبيها مرددة بعدم فهم:
 

 

-صحفيين إيه؟
أخرج هاتفه من جيب بنطاله، ثم قرّبه من وجهها، وتابـع بصوت أجش:
-ده، اللي باعتلك المسدج دي؟
زاغت عينا فيروز عن الهاتف، وحيا فيهما شبح التوتر الذي جاهدت لقتله في الدقائق الماضية، ثم تنهدت بعمق قبل أن تجيبه برتابة:
-ده شخص معرفة، بتسأل ليه؟!
واصل بنفس النبرة التي مالت لشيء نابت من الحدة:
-تعرفيه منين ويقصد إيه بـ "اللي اتفقنا عليه حصل" ؟
سألته بعناد تحلى بالبرود المتعمد:
-يهمك في إيه؟
تربضت الحدة بحروفه وهو يردف محذرًا:
-جاوبي على السؤال من غير اسئلة كتير يا فيروز.
عقدت ذراعيها، وتأرجحت حروفها ما بين المكر والبرود حين استرسلت:
-هجاوب لما أفهم، واوعى افكر إنك غيران ولا حاجة؟!
نفى بخشونة دون تردد:
-ولا غيران ولا زفت، وبعدين حتى لو غيران يعني؛ هو أنتي مش بقيتي مراتي ولا أنا متهيألي؟
هزت رأسها نافية ببساطة:
-لا الغيرة دي بتبقى آآ.....
قاطعها بنبرة غليظة هو يقترب منها اكثر، حتى كاد صدره الذي يعلو ويهبط من الغضب الذي بدأ يناغش صدره، يلامسها:
-الغيرة مش دايمًا مرتبطة بالحب، أي راجل حر هيغير على الست اللي شايله أسمه وبقت عرضه، لكن لو على الحب أنتي أخر واحدة ممكن أحبها.
 

 

كل حرف خرج منه كان منافيًا لصوت قلبه الذي صدح ثائرًا، معترضًا..
فيما تشدقت فيروز بقوة ترد له الصفعة:
-على أساس إن أنا اللي ميتة في دباديبك.
اقترب فارس منها أكثر، يرى عيناها تنفي ما يردده لسانها، تهدجت أنفاسها حين أصبح على بُعد انشات قليلة منها، ثم همس بخشونة متهكمًا:
-واضح واضح من غير ما تحلفي.
تراجعت خطوتان، وهي تردد بثبات زائف بينما داخلها مُهدد بالذوبان بسبب قربه ذاك:
-ياريت ماتقربش كده، وخلينا منضايقش بعض الفترة اللي جايه.
اقترب فارس منها أكثر وكأنه يتحداها، ثم استطرد والعناد يلفح كلماته:
-مبحبش حد يقولي أعمل إيه وماعملش إيه، لإني غالبًا بعمل عكس اللي بيقوله.
ثم جذبها بحركة مباغتة من خصرها بقوة لدرجة أنها اصطدمت بصدره العريض، وابتسم بمكر متابعًا :
-تمام؟
تلجلجت كليًا، كورقة لينة جدًا لا تقوي على تحمل هجومه العابث العاتي، ثم حاولت دفعه بشيء من الوهن وهي تبتلع ريقها، فتركها فارس رغم أن داخله يرفض مفتقرًا ملمس جسدها الطري ضد يده، ثم أضاف مغيرًا الموضوع:
-ماخدتش اجابة سؤالي برضو، مين الاخ تعرفيه منين وإيه هو اللي حصل؟
تنهدت بصوتٍ عالٍ حانقة قبل أن تجيبه على مضض:
-ده صحفي معرفة من زمان، وشغال في جريدة من اللي نزلوا الخبر وأنا كلمته عشان لو يقدر يمسح الصور، وبلغني إنه عمل كده، بس.
 

 

سألها بنبرة ذات مغزى مضيقًا عينيه:
-متأكدة؟ بس كده؟ مفيش حاجة تانية عايزه تقوليهالي؟
توترت وسألته بعدم فهم مصطنع:
-حاجة إيه يعني؟
ابتسم فارس ابتسامة غامضة وغمغم بحروف مُبهمة:
-تمام كده.
ثم تحرك ليغادر، لكن رنين هاتفه أوقفه، أخرجه من جيب بنطاله مرة اخرى ثم أجاب:
-ايوه.
ملامح وجهه ترجمت المفاجأة التي سمعها من الطرف الاخر، واجاب:
-ماشي ماشي أنا جاي.
المفاجأة هذه المرة كانت من نصيب معالم فيروز التي ارتدت للخلف وكأنها لم تتوقع هذا القرار منه حاليًا، نعم هي تردد أنها لا تحبه ولا يشكل فارقًا معها، ولكنها بالنهاية فتاة عاطفية؛ او بمعنى أصح عروس قرر زوجها تركها ليلة زفافهم بدلًا من وجوده جوارها حتى لو كانت ظروف زواجهم مختلفة!
ألا يحسب حساب رؤية أي شخص له؟ او مظهرها الذي سيوحل بالطين بسبب قراره هذا ؟

استدار بعد أن أغلق الهاتف، ثم هتف لفيروز المتأهبة في وقفتها:
-أنا لازم أسافر دلوقتي ضروري.
استفسرت من بين أسنانها وحاولت ألا تُظهر ذلك:
-خير ان شاء الله؟
راح يخبرها بهدوء مختلط بالجدية:
-شريكي تعبان واتحجز في المستشفى، ومش هينفع ماكونش معاه في 

 

محنته وهو وحيد.
اختلط داخل فيروز بشتى المشاعر، من ناحية غمرتها الراحة لأنه حتمًا لم ولن يرى صورهم التي انتشرت، ومن ناحية اخرى ارتفع داخلها شعور الشماتة والتشفي حتى حلقها، فهي تريده أن يدفع ثمن آثامه بأي طريقةٍ كانت!
وبتلقائية كانت تبثق الكلمات مغموسة بالسواد الذي وصل حد التخمة داخلها:
-ياريته يتعظ بقا.
شدد فارس على حروفها مستنكرًا وقد ارتفع حاجبيه معًا:
-يتعظ!!
اومأت مؤكدة برأسها، وبدأت تحاول تصحيح ما اقترفته تلقائيتها التي لا قدرة لها على التحكم بها حين يصل مجرى الحوار لذلك المقيت "خالها" :
-اصل الأغنيا كده، مابيتعظوش غير بالمرض.
ازداد الاستنكار تكتلًا وسط رده وهو يتابع:
-أنتي شيفاني كده يعني؟! مابتعظش غير بالمرض؟
غمغمت ببرود وبجاحة لا تُصدق:
-هو أنا جبت سيرتك دلوقتي؟
التوت شفتاه بما شابه الابتسامة ولكنها كانت ساخرة خالية من المرح، وأردف متهكمًا:
-لا ابدًا، جبتي سيرة الأغنياء اللي سبحان الله وبالصدفة أنا منهم، لأني رجل اعمال، تخيلي؟
سايرته وهي تقول بتعجب ساخر مصطنع:
-لا والله


-طب هسيبك أنا واروح عشان شكلك مجنونة دلوقتي.
ثم ألحق الفعل بحديثه حين تحرك بالفعل مغادرًا الغرفة ليبدأ التجهيز لسفره، بينما داخل فيروز كانت اخرى عاطفية تعاني سكرة الموت؛ ففيروز كانت تُصر على قتلها طعنًا بقناعات عقلها التي لا يجب أن تهتز !

****

رابط البارت الرابع عشر

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-