روايات حديثة

رواية زهرة اصلان الفصل الخامس والثلاثون




الفصل الخامس والثلاثون

بعد أسبوع من الأحداث :

مازالت الزهرة غارقة فى غيبوبتها اللذيذة .... يحرسها إخوتها و أبناء عمها صابر بالتناوب بينما لم يغادر جانبها أبوها و عمتها صفية .... اللذان تلحفا بالصمت بينما يصبان كل إهتمامهم على زهرة العائلة .... الأمر الذى آثار حنق باقى أفراد العائلة .... فلا هما أفصحا عن غضبهما و لا هما يتعاملان بأريحية مع أفراد العائلة ..... و كأنهما درع أحاط أبنتهم القابعة بغرفتها .... درع منع حتى إخوتها من دخول غرفتها بالمستشفى و إنما سمح الحج حامد لهم فقط بالمكوث أمام الغرفة لحمايتها و المقصود طبعا بذلك " عائلة قدرى" .

و من الغريب عدم إعتراض إخوة زهرة صابر و طه على ذلك خاصة بعد ما
شهدوا هم و أبناء عمهم و الحج صابر و السيدة صفية المنصورى لقاء أبيهم الحج حامد مع إبنه عابد .... و الذى استقبل إبنه الذى جاء مسرعا إلى المشفى بعد يومين من الأحداث ... و قد أخبرته والدته ما حدث من مرض أخته فقط و مكوثها بالمستشفى لأنها هى الآخرى لا تعرف أكثر من ذلك .... الأمر الذى جعله يأتى هو و إسراء مسرعين من القاهرة .... تاركا زوجته فى بيت أهلها ثم انطلق هو للإطمئنان على أخته غالية العائلة .... إلا أنه لم يتمكن من رؤيتها بعد أن قابله أبوه لحظه السىء أمام غرفة زهرة بعد أن سمعه يستعلم عن حالتها من إخوته الماكثين خارجها مع الباقين و لكن لقلقه الشديد على أخته لم يلاحظ أن صابر و طه لم يتمكنوا من دخول غرفة زهرة كذلك .... و عندما صمت طه و صابر و تطلعا لنقطة ما خلف أخوهم عابد .... ألتفت هو الآخر ليجد خلفه والده و من بعده عمته مشكلين حاجزا بينه و بين غرفة أخته .... و لم يتمكن من قول شىء خاصة بعد أن عالجه والده الحج حامد بصفعة شديدة تسببت بألتفات رأسه للجهة الأخرى و شهقة عمته و صمت الآخريين .

- الحج حامد بصرامة و غضب شديدين :
جيت ليه ؟
- عابد بتلعثم و صدمة :
أأ...أأنااا... أنا ...جاى أطمن على
زهرة .
- حامد بصرامة :
ليه ؟؟؟ .... جاى تشوف إذا كانت
ماتت و لا لأ ؟ .... بعد ما
خليت مراتك أخت اللى عمل فى


أختك إكده آمنة ف بيتك و جاى
تشوف أختك اللى لجيناها غارجة
ف دمها و مرمية من السلم ....
هاه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!
- عابد بعجز و صدمة :
يا بابا إسرا...................................
" صوت صفعة ثانية من الأب
لأبنه " .

و أسرع طه و صابر لإحتواء أبيهم للحول بينه و بين أخوهم .... دون أن يعير أحدهما إهتمام لعابد الذى أحمرت وجنته من صفعتى أبيه لإقتناعهم التام أن صغيرتهم كادت أن تقتل بعد أن تم التضحية بها ككبش فداء لنزوة أخيهم
دون أن يهتم بتابعات ما فعله عليهم ... بينما استقام أحد أبناء عمهم صابر لإحتواء عابد من أجل تهدئة الوضع بعد أن جذبت أصواتهم عدد لا بأس به من الموجودين بالمشفى .... إلا أن ذلك لم يمنع الحج حامد من صب كامل غضبه الذى أنفجر لأول مرة بعد ما حدث لزهرة على عابد الذى كان يحظى بمكانة لا بأس بها بين أهله بعد أن أكمل دراساته العليا .... و لكن أفعاله التى لا تمت إلى المسؤلية بصلة أنقصت من قدره بين أهله بعد أن حملوه مسؤلية ما حدث لزهرة العائلة و للحق أنه هو فعلا من وضعها وسط نيران الثأر بأنانيته .


- الحج حامد بصراخ :
لساتك واجف إهنه ؟ .... مش عاوز


أشوف وشك هنا تانى .... و من
دلوجتى ملكش أخت .... و أنى
مليش ابن ....
- عابد بصدمة :
يا باب...........................................

- الحج حامد مقاطعا ابنه بصراخ هز المستشفى :
و لا كلمة ..... أنا كمان حطيتها
بيدى دى هنا لما وافجتها إنها
تروح للأصلان بدل ليك عشان
متموتش .... و أعدتوا تجولوا أن
آنى مفضلها عنكوا .... لحد ما
خلتونى أديها للأصلان و آدى
النتيجة .... أختك ف دنيا تانية
بين آدين ربنا .... و أنت بكل
بجاحة معزز بنت قدرى و أختك
بين الحيا و الموت بعد ما كانوا
هيموتوها بدم بارد .... بسببك
..... فاهم يعنى إيه بسببك ....
يعنى عمرى ما هسمحك واصل على
اللى جرالها ده و هموت و أنا
غضبان عليك .

- تدخل صابر بعد أن وجد أخوه عابد يبكى على ما تسبب به :
يا حج.....................................

- الحج حامد :
و لا كلمة أنت كمان ... أنتوا زيكوا
زيه .
" قاصدا أن حكمه شمل صابر
و طه أيضا و ليس عابد فقط "

- طه بصدمة :



طاب و إحنا ذنبنا إيه بس ؟!

- الحج حامد بشراسة و غضب أسود كفيل بحرق الأخضر و اليابس :
اللى خلاه هو اللى مكنش بيفارج
أخته فى مصر يرميها بدم بارد
فى حجر الأصلان و يبدلها بأخته
يخلى أى حد فيكوا بعد كده يأذيها
.... أنى معدتش هآمن لحد فيكو بعد
كده واصل .... و أنت
" قاصدا عابد "
لما تبجى راجل و تقدر تاخد حج
أختك و تطلج بنت جدرى ....
تبجى تخش البيت .... أما غير إكده
ملكش داخلة لبيتى واصل .... أما
أختك فإن ربنا خد بيدها و شفاها
ليا معدش ليك صالح بيها نهائى
لأ ف خير و لا ف شر .... يلا برا
أنا معنديش ابن جبان زيك ....
برااااااااا .

تردد صدى كلمة الحج حامد الأخيرة بالمشفى مصاحبة عابد للخارج بعد طرده .... و الذى لم يعلمه الحج حامد و البقية أن عابد لم يكن يعلم شىء عن حالة زهرة .... و أن كل ما أخبرته به والدته فى مكالمتها له صباحا أنها مريضة بالمستشفى فقط ثم أنتقلت لموضوع آخر فى ثرثرتها الصباحية له ف الهاتف تنقل له كل خبر بالمنزل لتعوض غياب عزيز قلبها عابد .... و 


لكن ما لم يكن فى حسبانها فزع عابد على أخته و مغادرته لمنزله مع إسراء بالقاهرة صباحا ....ثم مهاتفة أخيها أسامة من أجل توصيل أخته لمنزل عائلتها بعد أن أنتظره مع إسراء على أطراف البلد ليتركها لأخيها بعد أن تبادل معه سلاما سريعا و انطلق هو مسرعا للإطمئنان على أخته .... دون أن يلاحظ صمت زوجته وشحوبها طوال سفرهم و الحراسة المشددة التى جاء بها أسامة لأستقبال أخته .... و التي علم سببها بعد ما أخبره صابر و طه حالة أخته زهرة قبل أن يستمع أبيه لأصواتهم .

و بعد حادثة زهرة بمنزل الحج قدرى .... تولت أسماء نقل ما حدث لأختها إسراء من إصابة زهرة زوجة أخيها الأكبر بسبب الأصلان و الذى أتضح لهم بعد ذلك من كلام زوجها محمد أنه لم يتنازل عن ثأره لأختهم بثينة بل 

أنه جعل قطته كبش فداء لها .... مما سبب شحوب الأخرى بعد أن لاحت لها رايات إنفصالها و هدم حياتها الزوجية أمام عينيها .... بل و خشت أن يفعل بها عابد شيئا مشباها لما حدث لأخته التى وجدوها غارقة فى بركة من الدماء .

و كان هذا الشك مسمارا فى نعش حياتها الزوجية مع عابد .... فلو كانت علاقتهم بنيت على ثقة تامة و حب ليس له حدود و عشق ناتج عن معرفة كل منهم بشخصية الآخر لم تكن لتظن هذا بزوجها .... و لكن يبدو كما قال الجد أن زواجهم جاء نتيجة الممنوع المرغوب و التمرد على التقاليد و الأنانية المطلقة مما جعله هشا غير قادر على الصمود أمام أقل العواقب .

و قد جعلتها مكالمة أختها لها ليلا فى عالم آخر .... يدور فى عقلها الكثير و الكثير من التساؤلات ....
* ما الذى سيفعله عابد بها بعد أن يعلم
ما حدث لأخته الصغرى ؟
* و هل ستؤول حياتها الزوجية إلى
الانفصال ؟
* هل سينسى زوجها الأستاذ الجامعي
مبادئه و تمدنه و يتراجع عن تمرده
ضد تقاليدهم و يقوم بإيذائها
بدنيا ؟
* هل أخيرا تحطمت فقاعتهما الوردية
على صخرة الواقع ؟
كل ذلك دون أن تعير أدنى إهتمام لزوجة أخيها التى طعنت فى قلبها غدرا و لا لدوافع أخيها التى جعلته يقدم على فعلته و لا لحال العائلتين اللتان على وشك خوض حرب جديدة


تحمل راياتها اسم "زهرة " .... كذلك تسببت لها أفكارها فيما يشبه الشلل و العجز .... فلم تمتلك الشجاعة لمواجهة عابد بما علمته و فضلت عدم إخباره
.... و مكثت فى غرفتها تنتظر ما سيؤؤل إليه الأمر .... و قد قضت ليلة كاملة لم يزور النوم فيها عينيها تنتظر ما سوف يقع لا محالة .... إلى أن رحمها النوم و قرر أن يزورها ساعات قليلة استيقظت بعدها فزعة هى و زوجها المستلقى جانبها على محادثة والدته الصباحية و التى إعتادت عليها من بداية إنتقالهم للقاهرة .

و بعد الكثير من الضحك و الأخبار المتناقلة بين عابد و والدته تجهم وجهه فجأة و صرخ فى الهاتف .... و أغلقت هى عينيها و علمت أن الأمر وصل له .... ثم أنتفض من فراشه و سارع بتبديل ملابسه و أمرها كذلك بتغيير ملابسها و تحضير حقيبة لهما من أجل سفره للاطمئنان على أخته
.... و لكنها لم تلاحظ رد فعله الطبيعى لهذا الأمر فلا هو مثلا قام بضربها .... و لا أعلن لها إنفصالهم .... و استنتجت بعد فترة قصيرة أن والدته لم تخبره بكل الأمر .... مما جعلها تحمد الله سرا
.... ثم أسرعت بإعداد حقيبتين و ليس
واحدة لهما معا و وضعت بخاصتها ما هو ضرورى فقط لزيارة عادية قصيرة لعدة أيام كما أخبرها عابد إلا أنها زادت فى حقيبتها كافة متعلقاتها الشخصية و أوراقها و كتبها .... و كل مستلزمات ضرورية لمغادرة أبدية و ليست وقتية
.... كما لم تهتم بحشو حقيبتها بالملابس حتى لا تثير شكوكه .... و دعت الله طوال طريق سفرهم أن لا يحادثه أحد و يخبره بحقيقة الأمر و هو ما لم يحدث لحسن حظها .... ليس لأن عابد لم يهلك هاتفه فى محاولاته للتواصل مع أبيه أو أحد إخوته و لكن لأن أى منهم لم يهتم بالرد عليه و البعض الآخر قد أغلقوا هواتفهم نهائيا .




و تكفلت هى بالتواصل من خلال الرسائل النصية مع أخيها أسامة .... بعد أن علمت أن الأصلان أصبح هائما على وجهه و لم يعد للمنزل منذ لقائه مع جده .... كما خشت أن لا يرى الجد رسائلها لضعف نظره .... فلم تجد إلا أسامة و الذى برهن لها صحة اعتمادها عليه من سرعة استجابته و تلقينها ما ستقوله لزوجها لتنجو بروحها من قبضة المنصورية .... و بالفعل كذبت إسراء على عابد و أخبرته أن الأصلان مع زوجته بالمشفى و أنه أبلغ عائلتها أن زوجته بخير .... و ليس هناك داعى أن تذهب معه إسراء للمشفى فى ذلك الوقت الذى شارف على أن يكون فجرا
.... و من أجل ألا تشكل عائقا له ستجعل أخيها أسامة ينتظرها على مشارف بلدتهم و ينطلق عابد للاطمئنان على أخته على أن تعود له إسراء نهارا مع عائلتها لزيارة زهرة ....
و هو ما فضله عابد و بالفعل ذهبت إسراء لعائلتها للأبد دون أن ينتبه عابد لخطتهم .... و لم تعلم إسراء أنها بفعلتها تلك طعنت حب عابد لها فى الصميم .
دخلت إسراء بيت أسرتها فجرا مع أسامة و بصحبتهم عددا لا بأس به من رجال العائلة الذين ربضوا خارج المنزل ما أن أتموا ما كلفهم به الحج 


قدرى و هو حماية أسامة .... بعد أن وضع الجد احتمالا أن من يتواصل مع أسامة بالرسائل النصية ليست إسراء و أن الأمر مجرد إستدراج لهم .... و لكن و لله الحمد لم تصدق ظنون الجد و عاد أسامة بأخته إسراء الباكية .... و التى وجدت فى استقبالها جميع أفراد المنزل بما فيهم بوسى التى تعافت إلى حد ما من صدمتها و لكنها لم تتحدث لأحد إلا الجد فقط و كذلك رائد الذى يبدو من هيئته هو الآخر أنه مغادر .... بينما عاد
عابد خائبا إلى منزل عائلته الخالى من سكانه ماعدا النساء و اعتزل بغرفته ....
صامتا لا يتطرق لذهنه سوى حالة أخته
المريعة و التى تكفل إخوته بوصفها له
كذلك سلوك زوجته المضطرب منذ تلقيه مكالمة والدته و الذى إن دل على شىء فهو علمها اليقينى بما حدث لأخته .... ثم توالت صور آخرى لذهنه مثل هاتفها الذى لم يفارق يدها طوال رحلة سفرهم .... كذلك محادثتها النصية المجهولة .... و أيضا سلوك أسامة المريب عند استقبال أخته و كأنه غير واثق من قدومها .... و أنتهت بالعدد الكبير من الرجال الذين كانوا خلف أسامة بأسلحتهم .... توسعت عينيى عابد بعد أن علم أنه سلم زوجته
إلى أسرتها بغباء منه .... و أنها لن تعود معه لمنزلهم بالقاهرة .... فعابد ليس ساذجا ليأخذ بكلام أبيه الذى بدر منه فى ساعة غضب كما يقولون .... و أنه على يقين أنه بعد تعافى أخته الصغرى بإذن الله سيتراجع أبوه بنفسه عن كلامه فليس الترهيب أو رد الإساءة من صفات حامد المنصورى .... كما أن زهرة بنفسها كانت لترفض مثل هذا السلوك ..... إلا أن ذلك لم يكن ليمنعه من الذهاب لمنزل عائلة قدرى للاستفهام عن الأمر و التوصل لحل مع الأصلان .... إلا أن زوجته سبقته بالتصرف و تخلت عن حبهما و الذى جعله فى مكانة صغرى بنظر عائلته
..... و يتبقى بذهنه السؤال الأهم الذى سيتصرف بناءا عليه :
* هل تركته إسراء بإرادتها ؟ أم أن عائلتها أرغمتها على ذلك بعد أن سلمها




لهم بمنتهى الغباء ؟
و للإجابة على السؤال لم يجد عابد بدا من التواصل مع زوجته لذا فهو هاتفها
بنفسه من أجل ضحد ظنونه .... غير منتبها أن الوقت متأخرا و لكنه لم يكن بأستطاعته التغاضى عن أفكاره و تطويعها حتى الصباح .
بينما فى الجانب الآخر زوجته منهارة
بغرفتها القديمة فى منزل عائلتها ....
بعد أن تآكلها الندم على تركها لزوجها غدرا بعد كل ما مرا به سويا خاصة بعد كلام جدها الذى لامها على تصرفها مع زوجها بداية من عدم إخباره بنفسها عن حالة زهرة .... و عدم مواجهته فيما يتعلق بإستمرارية حياتهما الزوجية .... و حزمها لجميع متعلقاتها الشخصية و التى سرعان ما سيكتشف ذلك عند عودته للقاهرة مما يضعها فى صورة غير لائقة أمام زوجها و تكون فى حكم من تآمر عليه و أنها بذلك ستثبت له إحتمالية علمها بما كان سيحدث لزهرة .... أو أنها اتفقت على ذلك مع عائلتها من البداية 
.... ففى مثل هذه الظروف تكثر الظنون و النوايا السيئة و التى تزيد من إشتعال الفتنة و التهور و كذلك تزيد من سرعة تساقط الضحايا .... و لما وافقت أسماء
أختها لما فعلتها و فضلت نجاتها عن حياتها الزوجية بل عن حياة فتاة بريئة تناستها من أجل الحفاظ على أختها و هو ما جعل بوسى تنظر لها بإشمئزاز لأول مرة ف التاريخ .... بينما صدم أسامة و سوما حتى محمد من موقف أسماء .... و صمتت إسراء باكية ينقبض قلبها مما أقترفته يداها و كذلك السيدة نعمة التى انفطر قلبها على حال آبنائها .... بينما الحج قدرى رد بعد تريث بما أفحم حفيدتيه أسماء و إسراء .... فلو كانت إسراء تثق بحبها لعابد مثقال ذرة لكانت واجهته بما حدث و انتظرت رد فعله و لكن ما فعلته يثبت للجميع أن ما كان بينها و بين عابد شىء متطير هوائى سريع ...
شىء حميم يفتقد للثقل .... رغبة فى التمرد .... ما بينها و بين زوجها يسمى أى شىء إلا حب .... و لما صمت الجميع من رد الجد أكمل هو يقضى على الآراء الغير منصفة مستحضرا فى ذهنه صورة قطة صغيرة أثبتت نفسها بمواقفها و حبها الكبير للأصلان فقال إن زهرة لو كانت من هى مكان إسراء
لم تكن لتفعل ذلك مع الأصلان حتى لو
قتلها بيديه لفضلت موتها على يد حبيبها متنازلة عن أى حياة أخرى بعيدا عنه و هو بالمناسبة ما فعلته بطريقة أخرى .... فقد أختارت قطة الأصلان غيبوبتها بديلا عن حياة ليس بها الأصلان بعد أن يتخلى عنها حسب ما سمعته و يعيدها لأسرتها .... فلو كانت أخرى مكانها لكانت تمردت و غادرت لأهلها أو إنفصلت أو واجهت و لكن كانت نتيجة كل ذلك واحدة و هى الوصول لنهاية حياتها مع الأصلان و لما كانت الحياة دون أصلانها موتا فضلت غيبوبتها غير متقبلة واقعها دونه .

...
صمت الجد فى إنفعال جلبه حديث أسماء و أطرق الجميع رأسه مقرين بصحة ما يقوله و خاصة السيدة نعمة التى أنقبض قلبها لغياب من عدتها أبنة لها بديلا عن أخرى فقدتها تتشابهان بحنانهما .... و انسحب محمد 


غاضبا من كلام زوجته ....لحقته إسراء التى صعدت هى الأخرى إلى غرفتها تبكى تسرعها و تخليها عن حبها بعد أن أنار كلام الجد فى عقلها مكانا جديدا من التعقل كانت قد غفلت عنه بطفولتها و دلالها .
و لم ينبهها من شرودها بكلام جدها و تشدقه بتصرف زهرة لو كانت مكانها
إلا صوت هاتفها الذى لم يكن سوى عابد .... تسمرت إسراء قليلا و لو كانت المكالمة أتتها من زوجها بوقت أبكر بساعة أو إثنين لكانت جبنت و تخاذلت عن مواجهته و لكنها أرادت أن تخطو بحبها الطفولى لمرحلة جديدة مرحلة نضج و ثقة متبادلة .... مرحلة شبيهة إلى حد ما بالمرحلة التى بها زوجة أخيها الأكبر تلك الفتاة الشجاعة .... لذا فقد أخذت نفسا عميقا و فتحت المكالمة تستقبل الصمت من الجهة الأخرى .... الذى سرعان ما أنزل دموعها و كلاما عشوائى من كل الجهات تحكى فيه إسراء ما حدث من بداية تلقيها لمكالمة أختها حتى كلام جدها .... و أنتهت آخر دموعها مع حديثها يرافقهما دقات قلبها الشديدة و بعض شهقاتها التى خلفها بكائها بعد أن ختمت كلامها بنيتها الصادقة برعاية أخته التى لم ترى منها إلا كل خير دون الاكتراث بما تلاقيه من عواقب .

لم يكن يتوقع عابد انهيار إسراء المرافق لنضجها المفاجئ فى محادثتهما .... بل كان يتوقع أى رد آخر أو عدم رد نهائيا .... كان ليرد عليه بإنفصالهما الفورى الذى جاء نتيجة عدم الثقة و الظن السىء به .... و لكن ما كاد ينطق أول أسئلته عليها حتى انهارت بصورة مؤلمة مضحكة فى نفس الوقت فهى حتى فى إنهيارها
كانت عشوائية و طفولية كما عهدها ....
لذا فبكل ثقة و صدق عاتبها على أخطائها و غامر هو بحبه لها بعد أن أعطاها فرصة للتفكير فى علاقتهما تعد فيها مكوثها بمنزل عائلتها بمثابة إختبار
لقوة علاقتهم من جهتها و صدق حبه بمواجهة عائلته من جهته هو .... و بذلك يكونا كفرا و لو جزء بسيط من ذنبهما حين إبتداءا علاقتهم بطريقة خاطئة .... و أنهى مكالمته بعد أن أخبرها بمكالمته لها يوميا فى نفس الوقت يتحدثان من أجل بناء علاقة على أسس متينة و كذلك متمنيا لها ليلة سعيدة 



و مزيد من الدعاء لأخته
..... بينما انطلقت إسراء بسرعة الصاروخ للجمع الذى مازال موجودا بالأسفل منذ أن تركتهم ما عدا محمد
و بشرتهم بما فعلته هى و عابد .... مما أثلج قلوب الجميع من جهة بعد أن عادت حياة إبنتهم الزوجية أفضل مما كانت .... و أخجلهم من جهة أخرى من حيث تصرف عابد الذى لم يخلط الأوراق ببعضها فى مقابل تصرف الأصلان الذى لم يسعفه القدر لفصل أولوياته .

... أما الجد فقد أرجع ذلك لشدة عشق الأصلان لزهرة هذا العشق الذى كان سببا فى إنهيار جليده و اضطراب حاله و تخبطه بشكل أشغله حتى عن الإنتباه للضرر المحيط به هو و قطته بينما حب عابد لإسراء فهو حب هادئ سمح لعابد بالتفكير و التحليل و فصل أوراقه بعكس أصلان العائلة و لكن الجد احتفظ بهذا التفسير
لنفسه .... و انشغل فقط بالأصلان الهائم على وجهه منذ حادثة زوجته
و زهرة التى لا تعى لما يحدث حولها
.... و لا يملك سوى أن يدعو الله بأن يحفظهما معا .... فهو على علم تام أن ابتعاد الزهرة عن أصلان سيقضى عليه تماما و الأسوء أن عائلة زهرة لا تعلم أن ابتعادهما سيقضى عليها أيضا و إلا لما كانت سقطتت فى غفوتها اللذيذة التى يبدو أنها ستطول إلى ما لا يعلمه
الله .
بعد ثلاثة أيام أخرى " مرور عشرة
أيام على غيبوبة زهرة الأصلان " :

لم يعد الأصلان إلى منزله نهائيا منذ الليلة التى غادرت بها قطته المنزل .... بل سار هائما على وجهه بعد خروج جده من المنزل للقاء وجيه ليلا .... لم يكن يعى إلى أين تأخذه قدماه حتى وجد نفسه أمام أرضهم الزراعية التى انشغل عنها قليلا بمصنعه و لم يعد يراها منذ وفاة تؤامه التى كانت تحب زيارتها بشدة .... سار بها الأصلان ليلا
غير عابئ بالخطر فكانت تحاوطه ضحكاته مع أخته و حديثهم سوية ....
و حركاتهم الطفولية فى الوصول للأشجار و قطف الفاكهة حتى اللعب بالكوخ الذى بناه الحج قدرى من أجلها
.... و الذى وجد الأصلان نفسه يقف أمامه .... و قد دمعت عيناه تأثرا و 


نزف قلبه من جديد .... فبثينة قتلت و غادرته بلا رجعة .... كما أن كوخها غطته الأتربة و العناكب دلالة على نسيانه و غيابها .... فهى لم تكن تسمح بإتساخه من كثرة زياراتها له .... فتح الأصلان القفل الموضوع على الباب بمفتاح أخرجه من محفظته لأول مرة منذ وفاتها .... لم يكترث بالأتربة و لا بالإضاءة التى يظنها غير صالحة بالأساس .... و جلس على فراش صغير
موجود بزاوية من زواياه و أغمض عينيه التى تتساقط منها الدموع و أجهش الأصلان ببكاء صامت لم يقم به منذ وفاة شقيقته .... و لكن هذه المرة يبكى كمدا على قطته التى خسرها بغير رجعة .

يبكى و يبكى و يبكى حتى أفرغ ما يحويه قلبه من مشاعر الحزن و الحسرة و أخيرا الخوف .... فعلى الرغم من عنفوانه و وحشيته إلا أنه دون قطته الصغيرة أصبح يشعر بخوف رهيب يتغذى على قلبه .... و استمر وضع الأصلان بين قضاء الوقت أمام المشفى التى ترقد به قطته نهارا لعله
يستطلع أخبارها .... و المكوث فى الكوخ ليلا يؤنسه ذكرياتها طوال الثلاثة عشر يوما التى مرت منذ أن سقطت قطته فى غيبوبتها .... نقص وزنه قليلا و طالت ذقنه و فقد شعره إنتظامه من كثرة تمرير أصابعه به ....
و أتخذ الصمت رفيقا له بجانب حزنه و يأسه .... ففقد ببعدها كل جميل .... و تحالف ضده قلبه و عقله فلا يصمت أحدهما عن المطالبة بالقطة الصغيرة
.... و بمرور الأيام أنضم جسده إليهما فكان يأن شوقا لمعشوقته .... و كأنه فات على فقده لها سنوات و ليس أيام فقط .... هذه الأيام القليلة البائسة 


جعلت من عمره يزيد سنوات و كأن الكبر حل لعنة عليه لما جنته يداه ....
و قد وعى كل من حوله لذلك إلا هو الذى لم يرى وجهه فى المرآة منذ أن ترك المنزل .

و فى منزل عائلة قدرى الذى خلا من الجميع الأصلان و قطته و كذلك رائد الذى ترك المنزل بأمر من جده و استقل بشقة راقية بقرب الجامعة لمتابعة عمله الذى لا يستطيع التغيب عنه إطلاقا .... كذلك أسامة الذى يذهب فى مثل هذا الوقت يوميا إلى أخيه الأكبر بالأرض يحضر له ملابس نظيفة و يتناول معه طعام الغذاء إجبارا لأخيه الأكبر حتى يأكل ثم يتركه بعدها و يجلس بعيدا عن الكوخ بقليل خوفا على أخيه .... بعد أن رفض الأصلان أن يتحدث لأحد بل رفض أيضا أن يمكث معه أحد .... لذا اضطر أسامة إلى الجلوس خارج الكوخ بعيدا عن أخيه الذى لا يكاد يعى من حوله .... حتى الجد حينما ذهب بنفسه للتحدث معه لم يجد من حفيده الأكبر إلا الصمت و عيون دامعة و كأنه فقد رغبته فى كل شىء .

لذا لم يجد الحج قدرى بدا من الأسراع
لأنقاذ العاشقين الأصلان و زهرته و إلا هلك كلاهما بالبعد عن الآخر .... إلا أن الأمر يحتاج إلى سرعة البديهة و حشد القوات المتمثلة فى كبار رجال البلد و الذين شكلوا سابقا المجلس العرفى لحل النزاع بين العائلتين .... كذلك يحتاج إلى أن يستطلع أخبار زهرة و حالتها الصحية بشكل دورى .... و لكن لم يحالفه الحظ بإيجاد أى من يساعده نظرا لأن عائلة المنصورى بأكملها محتشدة خارج غرفة زوجة حفيده الأكبر .... كما أن أبوها و عمتها لا يتحركون من جانبها .... لذا فإنه سار على طريقة نصف العمى ولا العمى كله
.... و بعث بأحد رجاله إلى المشفى يكشف على قريب له بالكذب ليستطلع الأخبار هناك من آن إلى آخر .... و لما استطاع رجله التوصل إلى الممرضة التى تساعد زهرة أثناء مرضها .... اتفقوا معها إلى مبلغ كبير جدا تتقاضى نصفه الآخر عندما تبشرهم بإستفاقة المريضة .... و هو ما قبلته الممرضة بنهم .... و لم تبخل عليهم ببعض الأخبار البسيطة التى لا تغنى ولا تسمن من جوع إلا أن الجد أوصى رجله بالحرص على التواصل معها حتى تأتيهم بالخبر اليقين .

فى غرفة زهرة بالمستشفى :

ترقد الجميلة النائمة على الفراش لا تعى ما حولها .... يلازمها فقط عمتها صفية و الحج حامد أما باقى أفراد العائلة فقد اصطفوا خارجا بأمر من الحج حامد المنصورى .... يلتزم كل منهما الصمت .... تتنهد السيدة صفية من حزنها تارة .... و تبكى على إبنتها أخرى .... يستغفر أخوها تارة .... و 


يشرد فى حال إبنته و ما الذى يجب فعله أخرى .... و يتفقان سويا فى الصلاة و قراءة القرآن و الدعاء لها
..... و قد انتهى الحج حامد من صلاة الفجر .... بينما سبقته أخته و جلست على مقعد بجانب فراش زهرة ممسكة بيديها الرقيقة الباردة و قد نالها الشحوب من كثرة المحاليل المعلقة بها
.... تدعو لها بقلب أم .... لحقها الحج حامد و جلس على مقعد بجانب فراش ابنته فى مقابل أخته .... يتنهد و ينظر لابنته فى صمت .... مفكرا فى حالها و حاقدا على أصلان الذى هانت عليه زهرة و فعل بها ما فعل .

- السيدة صفية :
بتفكر فى إيه يا حامد ؟!
- الحج حامد بحزن :
يعنى هيكون إيه غير زهرة .

- ربتت السيدة صفية على ساق شقيقها
بحنو :
ربنا يأومها بالسلامة .
- الحج حامد متحيرا :
أنا بس مش عارف .... ليه يعمل
فيها إكده
" ظنا أن أصلان قد أوقع زهرة
على السلم "
دول كانوا زى السمن على العسل
.... و كل ما أسألها فى التليفون
تجولى أنى بخير و الأصلان كويس
معاى .... و أنتى بنفسك جيتى معاى
ليها كام مرة و كانت زينة ....
جوليلى بس إيه اللى حصل ؟!
.... أنا دماغى هتشت منى ؟! و عمال
استغفر ربنا من ظنونى .... بس مش



جادر .
- تنهدت السيدة صفية فى حيرة :
و الله و مين سمعك يا خويا ....
أنا بردوا مش مصدقة اللى بيحصل
.... زهرة عمرها ما اشتكتلى منه
.... دى كانت روحها فيه و هو كان
الشهادة لله بيعاملها كويس خالص
و حاططها على كفوف الراحة ....
يمكن فى حاجة غلط يا حامد ؟!
-الحج حامد بحنق :
أنى حجتلك كل اللى شفته لما رحت
هناك و كانت زهرة غارجانة فى دمها
و هو زى ما يكون مذهول .... مش
مصدج .... و الله ما أنى عارف ....
و كان حاضنها جامد لحد ما كان
هيجطع نفسها و هو مش دارى
.... و بعد ما جه معانا المستشفى
و دخلوا زهرة جوضة العمليات
كان عمال يطلع لكفوفه بطريجة
غريبة .
- السيدة صفية فى استياء :
بس برده كل ده ميقولش أنه رماها
من السلم .
" و أكملت بعد برهة من الصمت "
و برده هيرميها ليه ؟! .... ما كان
طلجها و رجعهلنا بدل ما يورط
نفسه فى قضية .

- قطب الحج حامد حاجبيه بتركيز بعد أن شعر أن هناك مقصد آخر لأخته :
جصدك إيه يا صفية ؟!
- السيدة صفية :
جصدى إن فى حاجة مش مظبوطة
فى الحكاية دى .... و بكرة تجول



صفية قالت .
- الحج حامد بهدوء :
ما هو علشان كده أنا مش راضى
أتصرف إلا أما الغالية تجوم
بالسلامة .... لعل و عسى تعرفنا
إيه اللى حصل .
" و قبل أن ترد السيدة صفية على شقيقها سمعا صوت أنين خافض لم يصدر إلا من تلك المستلقية على فراشها بينهما "

أمممممممممممممم .... أممممممم
- الحج حامد ناظرا لأبنته :
اللهم لك الحمد و الشكر ....
اللهم لك الحمد و الشكر .
- السيدة صفية بفرحة و لهفة على ابنتها :
زهرة .... رورو .... أنتى كويسة
يا نور عينى .... ردى عليا يا
زهرة .... ياااارب .... اللهم لك
الحمد و الشكر .... بنتى ....
رورو .

بدأت رموش قطة الأصلان بالتحرك قليلا و تغضن جبينها .... بعد أن شعرت بثقل كبير على عينيها .... كما عجزت عن ابتلاع ريقها لجفاف حلقها .... و قد شكل لها ذلك صعوبة فى تحريك لسانها .... ظلت زهرة تحاول فتح عينيها و تحريك لسانها للنطق .... حتى نجحت فى الأولى وساعدها فى ذلك ضعف الإضاءة الموجودة بالغرفة و قد قامت بذلك السيدة صفية بعد أن انتصف الليل لعل أخيها يستريح قليلا على السرير المرافق فى الغرفة إلا أنه رفض .... و ظلت زهرة تنظر لما حولها حتى استوعبت ما هى فيه .... مريضة طريحة الفرش بمشفى و حولها أبيها و عمتها .... ثم ضربها الإدراك و أتسعت عينيها و حركت يديها بسرعة هائلة لتفقد طفليها .... إلا أن أبيها و عمتها
سرعان ما أقتربوا منها لمنعها من الحركة المفاجأة التى و للأسف مع أنها بسيطة إلا أنها آلمتها
- السيدة صفية و هى تمسك بيد زهرة :
حسبى يا بنتى .... الحركة غلط
عليكى ....
" ثم أكملت بحنق بعد أن تلاشت
الفرحة و حل محلها الخوف "
ما تروح يا حامد تجيب الدكتور
يشوفها لتأذى نفسها و لا حاجة .

- أفقدت فرحة الحج حامد باستيقاظ إبنته تفكيره السليم لدقائق إلا أنه سرعان ما إستعاده بنداء شقيقته :
حاضر .... حاضر .... أنا خارج
أهوه .





و ما كاد أن يتحرك حتى أمسكت يد إبنته الرقيقة يده الكبيرة تمنعه من
الذهاب .... و قد أعتقد الأب و شقيقته أن ابنتهما تريد التريث أو خائفة من تركه لها .... و لكن تعابيرها الهلعة و دموعها التى طفرت من عينيها و تحول أنينها لشهقات عالية .... جعلهما يدركان أن الأمر ليس خوفا من تركها وحيدة و لكن فقط حانت لحظة الحقيقة التى أنتظرها الجميع .... الحقيقة التى من خلالها سيحدد الحج حامد خطواته التالية .... و لما حاول أبوها تهدأتها من أجل إحضار الطبيب للإطمئنان عليها
هزت رأسها نافية هلعة .

لذا بكل طاعة جلس الأب و العمة على مقعديهما محاوطين فراش ابنتهما من كلا الجهتين فى صمت تام .... بعد أن لاحظا لأول مرة أن ابنتهما لا تريد إخبار أحد بإستيقاظها .... و قصت السيدة صفية بفطنتها على زهرة ما حدث من لحظة وصولهم لمنزل الحج قدرى و وجودها غارقة وسط بقعة من الدماء يحاوطها زوجها حتى إستيقاظها
.... حتى تعطى العلم لربيبتها بأنها سقطت فى غيبوبتها لمدة خمسة عشر يوما بعد أن لاحظت اظطرابها و جهلها
بما حدث .

- الحج حامد بعد أن لاحظ شرود زهرة التى سارت أمام عينيها أحداث يوم عودتها من سفرها :
إهدى يا بتى .... و على مهلك
إحنا معاكى .... لما تقدرى تتكلمى
إحنا سمعينك .
ظلت زهرة مستلقية غير قادرة على تحريك شفتيها و لا إيقاف دموعها ....
لا يتردد فى عقلها سوى زواج الأصلان
بأخرى .... و رغبته بالانتقام منها .... لذا بكل بساطة حاولت أن تنفى ما حدث لعدم تقبلها له .... و كما هو واضح لها أن جسدها خذلها ثانية .... جمدت عينى زهرة و لم تشعر بمضى نصف ساعة منذ آخر حديث تم بالغرفة و أشارت لعمتها على الماء حتى تبلل جوفها قليلا من أجل مساعدتها على الكلام .... و هو ما فعلته عمتها فقد بللت لها شفتيها فقط حتى يأتى الطبيب .... ثم بدأت زهرة تقص عليهما ما حدث منذ بداية اليوم و حتى آخر كلمات سمعتها من الرجل الغريب الذى لم تتعرف عليه مع الأصلان .... بعد أن ظلوا يستمعوا لها دون التفوه بكلمة لمدة ساعة كانت تستريح خلالها عدة مرات لعدم قدرتها التامة على الحديث
..... سواء بسبب ضعف صحتها و مرضها الذى لم تتعافى منه تماما أو بسبب بكائها أثناء الحديث .... و بعد إنتهائها جمدت تعبيرات كلا من الحج حامد و السيدة صفية مما سمعته من ابنتهما ....
و على الرغم من أن السيناريو الذى قصته زهرة عليهم ليس مستبعدا تماما أو بمعنى أصح ليس غريبا على منطقتهم .... كمنطقة للثأر .... فبعض ممن لا يملكون ذمة أو ضمير لا ينهون سلسال الدم بمجرد النسب و لكن ينهونه بالفتاة نفسها بتعذيبها أو الانفصال بعد فترة .... بعد أن تكون الفتاة تحولت لبقايا إمرأة تاركين لها ذاكرة ممتلئة بالمشاهد البشعة كمحصلة
لمثل ذلك الزواج .... إلا أنه استبعد أن يحدث هذا الأمر مع ابنته لحبها الشديد للأصلان و الذى فى وجهة نظره لن يأتى اعتباطا و لكن نتيجة لأفعال و معاملة حسنة أنشأت هذه المشاعر لدى زهرة تجاهه .... و هو ما لاحظه هو و عمتها فى زياراتهم لها .... بل و الأكثر استغرابا لين الأصلان إلى حد ما إتجاههم .... أيعقل أن يكون كل هذا



خدعة لهم ؟ .... و أنهم قد وقعوا فى فخه بمنتهى الغباء .... ثم أنتبه من شروده على صوت شهقات ابنته عزيزة قلبه .... شهقات بسبب جرح الأصلان لها .... فصغيرته أصبحت إمراءة عاشقة طعنها زوجها فى أنوثتها بعد أن أعجبته غيرها و تزوج عليها .... و بكل خسة و ندالة أتفق مع غريب عليها من أجل استدراجها فى حبه ثم تطليقها
.... بل و من الواضح أن حمل ابنته لم يكن فى مخططهم لذا وجد أن ينتظر قليلا ريثما تلد صغيرته و يحرمها هو بكل جبروت من أبنائها و يلقيها خارج منزلها .... إلا أن الحظ لم يكن بجانبهم فى هذا اليوم .... و جعل القدر ابنته شاهدة على مخطط زوجها ضدها .....
و يتبقى أخيرا السؤال ما الحل ؟!
.... إذا كان الأصلان خطط للفظ ابنته خارج بيتها و الاستحواذ على أبنائه ....
و لحسن الحظ أعطاه الله الفرصة للحد
من مخططه .... إذا فبكل بساطة سيقلب خطة الأصلان عليه و يسبقه هو بخطوة .

و لما نظر الحج حامد إلى شقيقته وجدها شاردة هى الأخرى بأفكارها ثم ألتقت عيناهم دلالة على نفس الأفكار التى تدور فى عقل كلا منهم .... و قد هالهما جمود زهرة وشحوبها .... حاول الحج حامد تركها و الذهاب لاستدعاء الطبيب إلا أنها أمسكت يديه فى رقة لا
تليق إلا بها
- زهرة ببكاء :
رايح فين يا بابا ؟! .... أنا كويسة .

- السيدة صفية بحزن :
كويسة إزاى يا بنتى ؟! دا أنتى
وشك أصفر خالص .... خلينا ننده
حد يشوف مالك لتتعبى تانى .
- زهرة بصوت شابه الحزن :
بالعكس أنا كويسة خالص ....



خلاص يا ماما إللى حصل حصل
.... و أنا مش زعلانة .
" و لكن كذبتها دموعها التى أثرت على
رؤيتها "
- الحج حامد و قلبه يتمزق على حالة إبنته :
متبكيش يا غالية .... و الله لبكيهم
بدل الدموع دم عللى عملوه فيكى .

- زهرة بدموع و قلب فطر من غدر أصلانه :
لأ .... بالعكس كده أحسن يا بابا .

- الأب بحيرة و استنكار :
بعد كل اللى عملوه ده بتجولى
لا .
- زهرة :
أيوه .... أنتوا إيه مشكلتكم معاه
" تقصد الأصلان لكنها لا تريد
نطق اسمه "
هو ملوش ذنب .... هو وافق بالجواز
عشان أخته بس .... أنا اللى حبيه
أنا اللى بادرت بكل شىء و هو
ماعملش حاجة .... كتر خيره الراجل
ماهانيش و عاملنى كويس جدا ...




لكن ده واحد أخته ماتت قصاد عينه
بأبشع طريقة .... استحالة ينسى إن
أنا من العيلة اللى أتسببت فى ده
" ثم أكملت مقاطعة أبيها حينما
هم فى معارضتها بالنسبة لمسألة
قتل بثينة "
بالنسبة ليه هو .... هو مش مقتنع
إن حتى الآن محدش عارف
الرصاصة جت منين ساعة الخناقة
.... بس فى الآخر هفضل أدامه
بنت الناس اللى قتلوا أخته و
حرقوها .... عشان كده بقولكوا إنى
عذراه و مش زعلانة منه .... أنا
أرتحت إن هو قدر يحس أنه انتقم
و لو من خلالى .... أنتوا ما تعرفوش
هو كان بيتعذب إزاى كل ما ينام
.... و لا لما إيده تيجى على جرحه
و يلمسه أو حد يبصله بطريقة
وحشة لما صدره ينكشف .... أنا
بس اللى أعرف .... مع أنه جرحنى
ب اللى عمله لكنى مسمحاه ....
ربنا يريح قلبه و يبرده .... هو
ماحبنيش و أنا مش هأضغط عليه
أكتر من كده .
- الحج حامد بدموع على حال ابنته و صوت هادىء كله شجن :
ياه يا غالية .... أد كده بتحبيه
يا بتى؟!
صمتت زهرة و لم ترد و كانت إجابتها هى أبلغ رد .... و بعد فترة من الصمت
أبلغتهم الزهرة الرقيقة بقرارها الذى استمع له والدها و وافقها عليه بعد أن سبق و أخذ على نفسه وعدا فى غيبوبتها أن يحميها بحياته دون الحاجة لأحد و هو ما سيفعله .

يتبع

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-