روايات حديثة

رواية زهرة اصلان الفصل الثامن

 




الفصل الثامن


فى منزل الحج قدرى :

-وصل الجد شاردا وكان فى استقباله أهل المنزل ماعدا أصلان ، فتخطاهم
لغرفة مكتبه المشتركة بينه وبين أصلان ، مما آثار استغراب الجميع
وقلقهم بعد مجيئه بمفرده دون زاهر وصفية ،إلا تلك التى كانت فى حكم
ابنته لأربعين عاما ، وبعد أن وضع الحج قدرى الأمور فى نصابها اتجه
للخارج لأكمل خطته .

- استقبله خارجا الكل نعمة وأسامة ،سوما و أسماء ،محمد واسراء التى
انزلوها منذ سفر أصلان ،وقص عليهم الجد ما قامت به صفصف من
إهانة لعائلة المنصورى مما أدى لإشعال الجانب اﻵخر وتصميمهم على
عدم إكمال الزواج ،لذا لم يجد أمامه مخرج سوى أن يزوجها ﻷصلان ،
وتغاضى عن شهقات الجميع الذين يعلمون مسبقا أن أصلان لن يوافق
حتى لو تهدم الدنيا من حوله ،لكنهم مضطرون لذلك حتى لا يعود
الثأر مرة أخرى ، و اﻷهم لسمعة اسراء حتى لو اجبره الحج قدرى على
ذلك ، أى أنهم سيكونون فى استقبال عروس جديدة لهذا المنزل فى
آخر اﻷسبوع ، وقد طلب منهم كتمان اﻷمر حتى لا يصل ﻷصلان فيتصرف
بأى طريقة أخرى وأنه هو من سيخبره .


 -بعد أن غادر الجميع لغرفهم ولم يتبقى سوى الجد و نعمة ،أزال الجد قناع
الجدية الزائف وظهر على وجهه الفرح ولم يفت ذلك نعمة التى قالت :
خير يا عمى .... أنا مش فاهمة حاجة .... لسانك بيقول كلام ووشك
بيقول كلام تانى خالص .... طمن قلبى .
الجد :
نعمة أنا مش عجبنى حال أصلان ... ولكنى كنت ساكت عشان ملقتش
البنت المناسبة ليه ، ومردنيش عن تفكيري غير إلا لما لقيتها .
نعمة ( بلهفة ) :
مين دى يا عمى ؟ .. ثم أصلان هيتجوز .
- نعمة سيبك من الكلام اللى قلته لولادك لأن مفيش منه حاجة حصلت
إلا موضوع صفصف .
- امال ليه......
- اسمعينى... لما كانت مرات زاهر العقربة عمالة تجعر هناك ..

( وقد قص عليها ما حدث مرة أخرى وأضاف عليها وصفه لزهرة ) واكمل..
..... أنا فاكر حكاية أمها اليونانية اللى اتجوزها حامد من غير ميشور حد
وأنه كان بيحبها جدا ،بس كان عندها مشاكل فى الخلفة اللى خلت أبوه
يجبره إنه يتجوز بنت عمه أخت مرات صابر ،وبعد ما خلفت صابر وطه
وعابد ، خلفت اليونانية الغالية وبعدها بحاجة بسيطة اتوفت ، فخلاها
فى مصر مع أخته وجوزها يربوها وهما كمان مكنوش بيخلفوا وفضلت
هناك طول حياتها ومجتش هنا إلا عشان موضوع التار ، هى فى سن
سوما والبت بوسى و نفس الكلية اللى هيدخلوها أن شاء الله .1

- نعمة الملاك اللى بحكيلك عنها هي اللى هتنفع أصلان ومتخفيش مش
هيأذيها .



- انتقلت الفرحة التى احتلت وجه الجد إلى نعمة التى أحبت زهرة دون
رؤيتها ،فلم تكن تحلم أن تزوج أصلان .... وأثناء حديثهما انتبها لاسراء
التى استغل الجد وجودها للسؤال عن زهرة .

- احمرت وجنتا إسراء عند سؤال الجد عن زهرة ، لإن إجابتها ستثبت عليها
الخطأ أكثر لانها تؤكد علاقتها ب عابد ، ولكن لم يفت ما في خاطرها
الجد الذى يعتبر أبا لهم من بعد والدها وطمأنها، قصت عليهم القليل
الذى تعرفه عن الغالية وأنها المفضلة عند اخوتها ،وأنها تربت على يد
عمتها وزوجها ، وأنها قليلة الاختلاط بالناس لحرصهم الشديد عليها
و لجمالها الذى لم يصفه لها عابد ولكنه ذكره فى أحاديثه لها عن أخته ،
وأضافت أنها سعيدة بأنها ستتزوج أخيه، مما زاد الفرح والبشرى على
وجه نعمة فأخيرا قد استجاب المولى لدعواتها .


- اليوم السابق للزفاف تمت مراسم الحناء بمنزل كل عروس بما تتضمنه من
أغانى وعجن الحناء ورسم بعض نقوشها على الايدى و الارجل، كتقليد
للزواج فى تلك اﻷماكن مما أسعد زهرة للغاية لأنها لم ترى ذلك من قبل،
منشغلة بذلك عن أعين النساء التى كادت تلتهمها، وفرحة عمتها بها التى
لم تتركها وظلت تحصنها بآيات الذكر الحكيم .

- يوم الزفاف صباحا عاد أصلان من سفره وفى استقباله تلك الكارثة التى
أثارت جنونه ورفضه وصراخه، مما أقلق أهل المنزل على مستقبل تلك
الزيجة التى إذا ألغيت سيواجهون مشاكل لا يعلمها إلا الله ، أمر الجد
الجميع بمغادرة مكتبه للتفاهم مع أصلان وبعد مغادرتهم ترك أصلان على
حريته فى التعبير عن رفضه بالصراخ والتفسير وجلس على كرسيه
متجاهله تماما ويحاول جاهدا كتم ضحكته على اﻷصلان الشبيه بالطفل
المدلل الذى اجبروه أهله على فعل ما لا يريد .

- انتهى أصلان من تكسير كل مايصلح لذلك فى مكتبه وصدره يعلو ويهبط
لشدة غضبه الذى امتد لعينيه السوداوان فاستوحشتا مما أثار قلق الجد
الذى مازال محتفظا بهدوءه لكسب معركته ضد الاصلان والتى هى
بالأساس لمصلحته ، ولما لم يجد أصلان أى استجابة من الجد جلس على
كرسيه المقابل له مطأطأ رأسه ،فهو يعلم مثلهم جميعا أنه لا حل أمامه
سوى إتمام تلك الزيجة للحفاظ على سمعة اخته ،إلا أن الجد قرر رحمته
من تفكيره وقص عليه ما فاته من أحداث تمت فى غيابه ،ولم يجعله يغادر




مكتبه إلا بعد أن أعطاه وعدا بإتمام الزواج ، وبعد أن خرج من مكتب الجد
استوحشت عيناه التى دلت على وعدا آخر لم ينطقه للجد بتعذيب تلك
التى ألقوها بعرينه .

- إلا أن اﻷب الجد الذى يعلم فكره قد أجاب عليه بعد خروجه بقوله :
مش هتقدر تأذى الزهرة يا أصلان .... أنت بنفسك
اللى هتحميها حتى من نفسك .

- أما نعمة اتجهت للاطمئنان على تجهيزات الزفاف الخاصة بابنها وابنتها
التى تركتها مع سوما وأسماء وخبيرة التجميل .

- أما زهرة قد انعزلت صباحا عن الكل هى والعمة صفية التى لجأت
لصلاتها وبعد الانتهاء من صلاتها اجلست زهرة بجانبها ووضعت رأسها
على فخذها كعادتها دوما حين ينتبها الخوف ، وقامت بالمسح على
رأسها و ترديد آيات الله عليها مما جعل العينان الزرقاوان تنعمان ببعض
السلام وتغمضان وقد زارتهما سنة من النوم و احتضنت دبا يصل لأكثر
من منتصف جسدها وقد اعتادت على احتضانه أثناء نومها ،وعندما انتهت
أمها من الذكر ايقظتها برفق واصطحبتها لتجهيزها.




- تجهز كلا من العريسين بارتداء الزى التقليدى الجلباب والعباءة والعمة ،
بعد أن انتهيا من عند الحلاق أحدهما الدنيا لا تسعه من الفرحة ،والآخر
يكاد العبوس يلتهم وجهه .
- وفى المغرب بالحديقة اﻷمامية لكل منزل (حامد المنصورى / قدرى )
تجمهر الرجال للاحتفال على الطريقة التقليدية من ضرب النار ، والرقص
بالخيل، التبارز بالعصى ، فى حين تنتظر كل عروس بالداخل فى الصالة
الواسعة للبيت مع باقى نساء العائلة، أما زهرة فقد خشيت العمة عليها
من أعين النساء فآثرت البقاء بغرفتها بالطابق اﻷول مع ابنتها التى أخذ
الخوف منها كل مأخذ ، بعد أن باركت لها زوجة عمها وابنتيها ثم جلسن
بالخارج لاستقبال نساء العائلة.

- عند سماع طلقات النار بشكل أعلى علمت كل عروس أنه حان وقت ذهابها
لعالم جديد إحداهما اختارته بملئ إرادتها ،واﻷخرى أجبرت على الدخول
فيه ، ذهب عابد لأصحاب عروسه من منزلها بصحبته إخوته وعمه صابر
وجزء من أبناء عمه ،أما الجزء اﻵخر من أبناء عمه وأبوه بالمنزل مع زهرة
والفرحة لا تسعه قامعا الجزء الصغير من ضميره المتألم على حال الغالية
وعاد بصحبة عروسه بعد أن ودعت أهلها ومعها أصلان وأسامة، لاصطحاب
العروس اﻷخرى .

- عادت الطلقات من جديد فعلمت الغالية أنها على وشك الذهاب وقد
استولى على تلك الرقيقة الخوف خاصة بعد أن تركتها عمتها واتجهت
للخارج للمباركة لاخوها و عروسه ، فما كان منها إلا أنها ألتفت حول
نفسها و احتضنت قدميها ووضعت رأسها فيها وأجهشت بالبكاء ، أما هو
بعد أن صعدت أخته مع زوجها لغرفتهما ،أرشدوه لغرفة بالطابق اﻷول
توجه إليها والشياطين تتراقص من حوله على تلك أبى حظها العاثر
إلا أن يوقعها بيده ليذيقها بعض من عذاب روحه وظلام قلبه .

- دخل الغرفة وقد برمج نفسه على الصراخ بها لتلحق به إلا أنه وجدها
فارغة وكاد أن يخرج للاستفسار عن ذلك الهرج ولكن قبل خروجه سمع
صوت شهقات خافتة تتبع مصدرها ليجد أنها لكتلة من الشعر اﻷسود
الكثيف الذى يغطى صاحبته ويتعداها وينتشر على اﻷرض من حولها

لم يتحدث ..... لم يصرخ ..... بل صمت ...........................
وهو يتسآل داخله ما هذا الممتد من رأسها للأرض وكأنه حجاب بينهما
........ من المستحيل أن يكون هذا شعرا ..... وعند اقترابه.......
إنه شعر ،ولما لاحظ طول صمته تنحنح لجذب انتباه صاحبته التى لم
تكن سوى عينين كبيرتين زرقاوين يتحركان فى كل اتجاه ماعداه استحال
بياض عينيها لأحمر من كثرة بكاءها .. ففطن أن قطته الصغيرة خائفة ..
.... لم ينتبه لنفسه إلا وهو يتقدم ببطئ ويجلس أمامها ليرى ما تحويه
تلك القطة غير العينان والشعر ...... وجد أنه محقا .... لها ملامح فى
غاية الرقة والبراءة والجمال ، وبركتان زاد جمالهما إلا أن الخوف الذى
كان مسيطرا عليهما حل مكانه ... الذهول ....
.............صمت ........... صمت ............. صمت .................
1
- هى :
من حديث الجميع حولها فى اﻷيام السابقة عن اﻷصلان ووحشية طباعه
كون ذهنها صورة بشعة عنه وتزداد بشاعة بوحشية طباعه .
وعندما دخل عليها غرفة عمتها وسمعت نحنحته انكمشت أكثر على نفسها
وأظهرت عيناها فقط له ولم تنظران له ، إلا أنه عندما اقترب منها وجلس
أمامها وأمسك وجهها ليجبر عيناها على النظر له
وجدت ........ وجدت ......... فى الحقيقة وجدت أنه وحشا لطيف جدا
.... نعم لطيف ....فله عينان عميقتان ذات سواد رائع .... وجه برونزى
جذاب متوسط الجمال لكنه رجولى جدا .... شفاه جميلة .... ذقن مشذبة
بدقة .... إحدى وجنتيه و جزء من ذقنه ورقبته بها ندبة لم تزد وحشها
إلا جمالا وهيبة ثم عادت بعينيها إلى عينيه مرة أخرى
تنظران له بذهول. ...... هو فعلا وحشا لطيف .



- تتبع أصلان حركات العينان الزرقاوان الكبيرتان على أنحاء وجهه ، ثم
عادت مرة أخرى لعينيه ،لم يجد منهما نفور أو اشمئزاز بل اعجابا
مغلف ببراءة أشرح صدره لتلك القابعة أمامه ، ثم ساعدها على الوقوف
فانتقل انشراح صدره لوجهه من صغر حجمها أمامه .
- أما هى فإن كانت ذهلت من جمال ملامحه فقد زاد ذهولها من ضخامة
حجمه ......... فوحشها اللطيف ضخم جدا.. جدا..جدا ..
تكاد تصل ﻷعلى بطنه كما أن جسدها لا يظهر من جسده ، فهو عريض
جدا يصل عرضه لثلاثة أضعاف عرضها ، ولكنه عرض محبب لم يزده فى
نظره سوى جمال وهيبة بجلبابه وعباءته، فانتقل الذهول من عينيها إلى
فمها ففتحته قليلا ،واحمرت وجنتاها. ... مما دفع اﻵخر الذى مازال
مستمرا فى تأمل حركاتها إلى الضحك بشدة على تلك القطة اللطيفة
التى وجدها ، وقد زرعت فى صدره زهورا صغيرة ، وحركت فيه ما لا
يرغب فى تفسيره .



- إلا أنه استفاق سريعا وعندما شعر بتأخر الوقت حثها على الخروج معه
بعد أن قام وللعجب بمسح دموعها وخرجا معا لا يغلفهما إلا الصمت ،
الذى وجد نظيره عند من بالخارج الذين يتطلعون لردة فعلهما إلا أنه لم
يكن من توقعاتهم هذا الصمت ، بعد أن وجد أصلان الصمت مسيطرا على
الجميع تنحنح مرة أخرى ، فسارع الكل إليهم لتوديع الغالية بدموعهم
واحتضنها اخوتها وأبيها و عمها وزوجته وعمتها مما سبب حريق صغير
بدرجة كبيرة جدا ..جدا..جدا لذلك الواقف بجانبها .

1
- وقد نبه هذا الحريق الصغير صاحبه لنفسه ......لحظة ....لحظة....

أهو من لم يصرخ عليها؟

أهو من جلس أمامها بالغرفة ؟
أهو من طال تأمله لها ؟
أهو من حدق بها بح.... لا بإعجاب ؟
أهو من انشرح صدره لها ؟
أهو من مسح على رأسها ؟

أهو من ساعدها بوقوفها؟
أهو من مسح دموعها ؟
أهو من ضحك بالداخل ؟
أهو من اشتعل صدره من احتضان الكل لها ؟
لا....لا....... ليس هو ...... ليس هو .

يتبع
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-