جديد

رواية ان الله سيبطله الحلقة الرابعة ‏_ ‏احمد ‏محمود ‏شرقاوي



الحلقة الرابعة

وكأن العالم السفلي كله قرر يسكن القرية دي, قرية
 ديموان اللي بقت معقل لتلت عشاير نارية وعشيرة ترابية بتسكن الأرض التانية, وكله تحت رعاية الساحرة المتمرسة نوارة اللي قامت بعمل سحر رهيب, وكأنه مارد عملاق قادر على خسف الأرض بمن عليها..

الكل شايف جحيم, نار, وأطياف بتخرج من قطر الدائرة النارية وبتجري على كل أهالي القرية, الأهالي اللي صرخوا من الفزع وجري كل شخص لبيته هربا من فجوة الجحيم اللي اتفتحت دي.. 

واستقر كل واحد في بيته بس دايرة النار فضلت مشتعلة, وكأنها حفرة بتطل على عذاب الإله, الكل جوة بيته مذهول, خايف, محدش فاهم اللي بيحصل ولا هل هو وهم ولا حقيقة..

بس الإجابة كانت أسرع ما يكون, الاجابة اللي حضرت على هيئة صوت رهيب ارتجت الأرض كلها بسببه, وانطلق اكتر من الف طيف تجاه مقابر البلد, أطياف بتصرخ بأصوت شياطين مروعة, واتفاجئ عم عبدالجبار حارس المقابر بأجسام ملتهبة بتهجم على المقابر, وكأنه جيش من الشياطين بيهجم على الأموات..

ودخلت الأطياف لمنطقة القبور, واخترق كل طيف منهم لقبر من القبور, وفي دقايق بدأت طرقات مفزعة تضرب على أبواب القبور, كل الأبواب بلا استثناء, وفي لحظات كانت الأبواب بتتفتح وبيخرج منها الأموات..

وكأنه يوم البعث, المشهد اللي خلى عبدالجبار يسقط من طوله بسكتة قلبية وهو من عاش طول عمره مع الأموات, وخرج الموتى بأجسام كاملة ومتآكلة, بأجسام بيغطيها الكفن وأجسام تانية مجرد عظام.. 

وزي أي فيلم للزومبي خرج الأموات من القبور ناحية البلد, خرجوا بينوحوا ويصيحوا بأصوات جاية من قلب قلب الجحيم, وشكلوا موكب زي أي موكب ومشيوا فيه بهيئة مفزعة, أجسام متحللة لرجال ونساء ماشيين في صف طويل بيترنحوا وبيزوموا زي الوحوش, الدود بيجري على أجسامهم ومنهم اللي مجرد شوية عظام..

ومن فوق الأسطح كل الأهالي شافوا الموكب, الموكب الجهنمي, موكب الجحيم, وقع منهم اللي فقد وعيه ومنهم اللي جتله سكتة قلبية, ومنهم اللي كمل مشاهدة بأعين مذهولة وقلب مشقوق من الرعب..

وبدأ موكب الموتى يتلو ترانيم غريبة بصوت واحد, وكأنها ترانيم لاستحضار إبليس نفسه, ترانيم كانت بتخلي الأرض تهتز والطيور تقع ميتة من على الشجر, الشجر اللي مسكت فيه نار مخيفة وراحت تاكله في نهم..

ووقف الموكب قدام بيت من بيوت القرية, وترقب الأهالي الحدث الرهيب, لحظات بس وحاوط الموكب البيت كله, بل وبدأوا زي النمل يطلعوا على حيطانه, ووسط صرخات أهل البيت الملتاعة محدش كان يجرؤ انه يغادر بيته عشان ينجد أهل البيت..

وطلع الموكب كله على سطح البيت, وتلاقت نظرات الأموات مع كل الناس اللي واقفة على الأسطح بترتجف, ومن وسط الجثث صاحت جثة بصوت رهيب سمعه كل أهالي القرية, وكأنه صوت تنين اسطوري

"سنصحبكم جميعا الى الجحيم"

وهجموا على البيت, وارتفعت الصرخات الرهيبة, صرخات أهل البيت وصرخات الأموات, واشتعلت النار في البيت, نار تأججت لعنان السماء, نار رهيبة اتفحم بسببها أهل البيت, ومن وسط النار خرج الأموات من جديد, خرجوا يضحكوا ضحكات جهنمية, واصطفوا من جديد في موكب وطافوا البلد كلها وبعدها رجعوا للمقابر مع أذان الفجر..

وطلعت الشمس, نورت الدنيا بس مقدرتش تنور الظلمة اللي لفت على المقابر كلها, ولا قدرت تنور ضلمة الخوف اللي احتلت كل القلوب بلا استثناء..

وخرج الأهالي مذهولين قدام البيت اللي بقا رماد, نصف القرية تقريبا خرجوا من البلد في نفس اليوم وسابوا بيوتهم , والنصف التاني مكانش يقدر يسيب بيته, خاصة انه هيروح يترمي في الشوارع هو وأهل بيته لو خرج, ومع آذان العصر انتبه أهل البلد لأصوات عرس كبير بيطوف في البلد, كان فيه ست غريبة لابسة اسود وحوليها اكتر من خمسين امرأة بيلفوا حوليها ويغنوا ..

"الشيخ نوارة, الشيخة نوارة"
"مدد مدد يا نوارة"
"احنا خدامك يا نوارة"

واتضحت كل الأمور, نوارة جت البلد, نوارة اللي الكل كان بيخشاها وبيعمل لها مليون حساب, بس يا ترى ايه اللي جابها ديموان, اتفائل البعض انها ممكن تكون جاية تحارب الجن اللي سكن البلد وانها هتحميهم, بل وان بعض النسوة ومن فوق البيوت بدأوا يزغرطوا ويغنوا مع الموكب اللي في الشارع..

الموكب اللي اتجه ناحية المقابر واحتلوا اوضة عم عبدالجبار..
واستقرت نوارة في الاوضة لوحدها بعد ما رجع الموكب المكون من الستات..

وفي بيت عبدالجبار بدأت نوارة تمارس طقوس جديدة, طقوس عبارة عن دبح سبع أطفال صغيرين كانوا مع الستات والرسم بدمهم على المقابر..

وجه الليل من تاني, وترقب أهل البلدة واتعشموا في الشيخة نوارة انها جت تحميهم, بس العشم اتقتل في مهده لما الأرض اهتزت من جديد وبدأت أصوات الجحيم تخرج من تاني من ناحية المقابر, وطلعت الناس على السطوح تستعيذ بالله وتدعي ربنا ينجيهم..

واشتد صوت الصرخات و و و
وشهقت الجميع بلا استثناء من هول المفاجأة, الموكب حضر من جديد, بس نوارة هي اللي كانت في مقدمة الموكب, نوارة الساحرة اللي كانوا فاكرين انها جاية تساعدهم, نوارة اللي كانت بتصرخ بأصوات أبشع من أصوات الأموات اللي ماشيين وراها..

ومن جديد بدأت الترانيم الجهنمية, الترانيم اللي خلت كل ست حامل تصرخ أول ما تسمعها وتمسك بطنها في ألم رهيب..

ومع استمرار الصوت اشتدت صرخات الستات الحوامل وبدأ الدم ينزل منهم في مشهد رهيب, مخيف..
واجهضت الحوامل بلا استثناء, اجهضوا بعد ألم عات وصراخ رهيب, ومن جديد التف الموكب حولين بيت تاني, ووقفت نوارة تصيح في الجميع..

"هنا وقفت طفلة صغيرة تبكي عشان ابوها وامها اتقتلوا قدام عينيها, اتقتلوا عشان انتوا تعيشوا, ودلوقتي جت الطفلة دي عشان انتوا تموتوا وهي تعيش"

وتسلق الموتى البيت, وفورا ارتفعت صرخات أهل البيت تشق سكون الليل, الليل اللي كان بيرتجف من الأهوال اللي بتحصل تحت ستره, واشتعل البيت بالنار من تاني, ومن وسط النار اللي مسكت في أهل البيت خرج الأموات يحتفلوا بالنصر..

ومن وراهم نوارة واقفة مبتسمة ابتسامة كلها شر, النار بتنعكس على لون عينيها حالك السواد فبتظهر وكأنها الشيطانة ليليث زوجة إبليس..

وكالعادة طاف الموكب البلد كلها ورجع من تاني على المقابر وسط بكاء الناس ولوعتهم على اللي بيحصل فيهم..
ومن تاني يوم بدأت النذور والقرابين تتقدم لنوارة عند المقابر عشان تشفق عليهم ومتقتلهمش, بس نوارة كان قلبها أشد من الحجر, ومع كل ليل كان فيه بيت بيولع وأهله بيموتوا, واشتد الأمر لما بقت الأطفال بتتخطف وتختفي من البلد, حتى المحاصيل تلفت وعفنت والمية وقفت عن الجريان في البلد..

القمامة بقت جبال هنا وهناك والناس جوة بيوتها خايفة تتحرك بعد ما النار اشتعلت على مداخل البلد وكأنها بتمنع أي حد انه يخرج مهما كان مين..

شهر كامل والناس عايشة في الجحيم ده, ومع ذلك أهل البلد متوقفوش عن النذور أبدا لنوارة..
لحد ما في ليلة واثناء طواف الموكب بالليل سمع الجميع دعوة نوارة, دعوة نوارة اللي طلبت ان بكرة بالليل كل الناس تتحرر من هدومها وتقف عريانة في الشوارع, وان دي الطريقة الوحيدة عشان يتوقف الجحيم ده..

وبالفعل استسلم الجميع للأمر وقرروا انهم الليلة الجديدة هيقفوا عرايا في شوارع البلد, مكانوش يعرفوا ان بكدا هتحتل الشياطين أجسامهم للأبد وهيبقوا عبيد لنوارة, ومكانوش يعرفوا ان الشيخ مجدي كان راكب عربيته ومتجه ناحية البلد وهو حاطط قدامه هدف واحد, الموت أو القضاء على نوارة وشياطينها..

ومع ان كل الليالي كانت صعبة جدا على الجميع إلا ان الليلة اللي جاية هتكون بصعوبة كل الليالي اللي فاتت..
....................
"يتبع"
...................
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-